السلطات اليمنية أعلنت قبل يومين أنها أحالت عميل “الموساد" الصهيوني أبراهام درعي إلى المحكمة بعدما أعلنت أن التحقيق معه منذ اعتقاله قبل أسبوع، أظهر أنه متورّط في التجسس لمصلحة الكيان . وليس من قبيل المصادفة أن يأتي اعتقال هذا العميل متزامناً مع اعتقال رقيب “إسرائيلي" تسلّل إلى مصر . مبرمج الحاسوب نجح في التسلّل إلى محافظة عدن، باسم مزوّر هو علي عبدالله محسن الحيمي . وتضمنت اعترافاته ومعلومات تم ضبطها في حاسوبه الشخصي، ما يؤكّد عمالته ل “الموساد" وقيامه بتجنيد شبكة من الجواسيس في كل أنحاء اليمن . هذه ليست المرّة الأولى التي يتم فيها كشف عميل “إسرائيلي" في اليمن، لكنّها الأولى التي يكون العميل فيها حاملاً للجنسية “الإسرائيلية" . قبل ثلاث سنوات كشفت السلطات اليمنية عميلاً ل “إسرائيل" قاد كشفه لاعتقال عميلين آخرين أقل خطورة تعاونا معه . أي أنه في تلك الحالة كان الثلاثة يمنيين . التجسس “الإسرائيلي" ملف مفتوح على الدوام، بل إنه مرتبط عضوياً بوجود “إسرائيل" نفسها باعتبار أن الأمن يشكّل العمود الفقري لسياساتها، علماً بأن الأمن في القاموس الصهيوني له معنى مرادف للإرهاب والتجسس وافتعال الفتن . كلما تجدّد الحديث عن تجسس “إسرائيلي" في اليمن، يبدي البعض استغراباً ودهشة مبنيين على حقيقة أن اليمن تبعد آلاف الأميال عن “إسرائيل"، ما يعني، بنظر المستغربين، انتفاء الدافع الأمني وراء إرسال جاسوس إلى بلد بعيد ليس من بلاد الطوق . هذا الاستغراب يتجاهل الموقع الاستراتيجي لليمن كونه يشكل عقدة حبل ممتد في منطقة تشهد صراعات دولية، وتهتم “إسرائيل" بتفاصيل ما يجري فيها، وكون اليمن أيضاً يطل على مضيق باب المندب وهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم، ويمكن بالتالي رصد حركة الملاحة الدولية . لكن من يملك فكرة أوسع عن سياسة “إسرائيل" الأمنية يدرك أن هذه المهمات التي أقر بها الجاسوس، ليست هي كل شيء، وربما تكون السلطات اليمنية لم تعلن كل ما في جعبتها حوله . وقد تكون الاعترافات المشار إليها ثانوية قياساً بالدور الأهم الموكل لهذا الجاسوس . المعلومات يمكن الحصول عليها بوسائل كثيرة منها الطائرات من دون طيار والأقمار الصناعية . لكن ما لا يمكن تحقيقه بهذه الوسائل، هو العبث بالنسيج المجتمعي للشعوب العربية، ومن ضمنها اليمن الذي يشهد صراعاً داخلياً في بعض أوجهه طائفي وقبلي . ويمكننا تذكّر حالة الجاسوس “الإسرائيلي" الذي اعتقل في مصر بعد انتفاضة 52 يناير والذي تبيّن أن “الموساد" حصر مهمّته في إذكاء نار الفتنة الطائفية من خلال توسيع أي ثغرة تفتح في جدار الوحدة الوطنية المصرية، وصب الزيت التحريضي على نار أي إشكال حتى لو كان شخصياً . ولهذا اقتضى دوره أن يتقنّع بقناع طرف ديني ويتظاهر ب “الحرص على دينه"، ومن موقع “الحرص" ذاك يمكنه التحريض على أتباع الدين الآخر . من خلال التجارب الثرية يمكن الاستنتاج أن التخريب المجتمعي من خلال إثارة الفتن والنعرات، أشد خطراً من حصول الجواسيس على معلومة هنا أو معلومة هناك، لأن دائرة الخطر الناجم عن الفتنة أوسع كثيراً من دائرة تأثير المعلومة . ومن المؤسف أن الكثيرين يؤدون هذا الدور من دون أن يواجهوا تهمة التجسس . المصدر: الخليج 7/1/2013