حال خروج وثيقة الثورية والأحزاب المعارضة التى عُرفت بالفجر الجديد الى العلن، وقبل أن تأخذ التداعيات مداها، سارع حزبيّ الشعبي والأمة القومي بزعامة الصادق المهدي للتبرؤ، أو فلنقل بالأحرى التنصُّل من محتواها ومضامينها كلٌ بطريقته وتبريراته وأحابيله. الشعبي على لسان القيادي أبو بكر عبد الرازق قطع بعدم تفويض الحزب لأيٍّ من قياداته للتوقيع نيابة عنه على الوثيقة؛ كما أن الأمانة العامة للحزب – بحسب عبد الرازق – اعترضت على أغلب ما ورد فى بنود الوثيقة وخصّت بالاعتراض ما يسمى بإعادة الهيكلة بتقسيم البلاد الى أقاليم والدمج بين رئاسة الجمهورية والوزراء، والفترة الانتقالية المقررة بأربعة سنوات باعتبارها - حسب وصفه - تكريساً للديكتاتورية ثم اصطلاح العلمانية بالفصل بين الدين والدولة. الأمة القومي من جانبه تبرأ هو الآخر من الوثيقة وقال المتحدث بإسم مكتبه السياسي عبد الحميد الفضل -الإثنين- إن حزبه لا يوافق على الوثيقة لاختلاف منهجه السلمي - على حد قوله - عن منهج العمل المسلح الذي تختطه الجبهة الثورية. وحده الحزب الشيوعي السوداني على لسان سكرتيره العام محمد المختار الخطيب أقرّ الوثيقة وأكد أنه موافقته عليها وأنه سيعمل مع الثورية لإسقاط النظام. الشعبي الذي نزع سلطة التفويض عن ممثله فى التوقيع طارق محجوب لم يستطع إيضاح ملابسات وجود ممثله فى التوقيع فى كمبالا إن لم يكن من الأساس يحمل تفويضاً بالتوقيع؛ بل لم يفصح الشعبي فى حينه طبيعة الصفة القيادية للمدعو طارق محجوب التى جعلته يكون فى ذلك الموقع فى تلك الساعة. أما الأمة القومي الذى وقّع عنه صلاح منّاع لم يقل إن من وقع لم يكن مفوضاً؛ ولكنّه قال على لسان المتحدث بإسم مكتبه السياسي، عبد الحميد الفضل إن ممثلهم ذهب بتفويض يقضي بالتفاوض مع قادة الثورية لإقناعهم بالقبول بالمؤتمر الدستوري! وهكذا، فإن مجرد نفيّ تفويض الممثلين عن الحزبَين للتوقيع لا يبدو أمراً مقنعاً ولا منطقياً، ذلك أن عدم التفويض له عناصره المعروفة، إذ ليس من السهل -على من هو غير مفوَّض- أن يقدِم على خطوة سياسية خطيرة كهذه وهو يعلم مسبقاً أنها ستورده موارد الهلاك بأن تنبذه سياسياً وتعرِّضه للمحاسبة. العنصر الثاني أن منسوبي الحزب أو قيادته من المفترض أن يكون لديها (علم مسبق) بأيّ برنامج يجري فى أيّ محفل سياسي، خاصة أن هذه الأحزاب ظلت تزعم أن لديها (مخابرات داخلية) ومراكز معلومات قوية، فإن لم يكن دور هذه المكاتب المعلوماتية هو إحاطة قيادة الحزب -قبل وقت كافٍ- بما قد يجري في أيّ محفل تود حضوره أو المشاركة فيه وطبيعة ما سيدور فيه وعدد المشاركين والأجندة، فإن الحزب لا يستحق مطلقاً أن يطلق عليه حزب. العنصر الثالث فإن زعم عدم التفويض يرتِّب بالضرورة ليس فقط التبرؤ من ما فعله منسوب الحزب؛ بل إدانة قادة الثورية كونهم لم يستوثقوا من تفويض الشخص المعني، ومع ذلك سمحوا له بالتوقيع، فهذا أمر ضد التقاليد المرعية فى مثل هذه الحالات. وعلى ذلك فإن من تداعيات الوثيقة هو الادِّعاء بعدم التفويض، وهو أمر يصعب قبوله مهما تسامحنا معه سياسياً لأقصى الحدود . تبقى بعد ذلك نقطة جوهرية أكثر خطورة وأهمية، وهي أنه -وعلى فرض قبول (أعذار) الحزبين، الأمة والشعبي- بعدم تفويضهما للموقعين عنهما؛ فهل معنى ذلك أن هذه الأحزاب قبلت التحالف مع الثورية، أو كانت فى طريقها للتحالف معها؟ فقد جرى التركيز حالياً فقط على عدم موافقة هذه الأحزاب على الوثيقة -كما قِيل- ليست سوى الوسيلة المراد الاعتماد عليها لإدارة الأمور مستقبلاً حال سقوط النظام. حسناً؛ ما هو الحال إذن حيال التحالف فى حد ذاته؟ وماذا يمكن أن نسمي حضور هذه الأحزاب للاجتماع، فإذا قبلنا عدم تفويضها لممثليها على التوقيع، فهل كان ممثليها مفوضين لحضور الاجتماع؟ إن من المؤكد أن التحالف الذى تم -كشأن الزيجات التى تتم خارج إطار القانون- هو تحالف مشروط بعدم التسبُّب فى (مشاكل وفضائح). فإذا تسبب فى ذلك فإن (الطرف المتضرر)، وهم فى هذه الحالة الأحزاب المعارضة، من حقه التنصّل منه، وعدم الاعتراف به أمام الناس، ولذا حُقَّ أن نصِفه بأنه تحالفاً عُرفياً!