ستتأذي الخرطوم كثيراً من العلاقة المتعبة بين جوبا وتل أبيب.. ستكون إسرائيل حاضرة في غرف التفاوض ومختبئة خلف بنود الاتفاقيات ومتوارية في أجندة المحادثات الثنائية مع دولة الجنوب. إسرائيل هي من عكف على هندسة انفصال الجنوب ورعت الحركة الشعبية وكوادرها حتى تحقق حلم الدولة .. وقد جاء الوقت الذي تحصد فيه ما غرست وهذا أمر ينبغي أن تضعه الحكومة في قمة اعتباراتها وهي تتعامل مع جوبا. يبدو أن الإسرائيليين بداوا يستخدمون جوبا في المواجهة مع الخرطوم التي يعتبرونها مهدداً لأمن تل أبيب القومي .. وقد بدأ ذلك واضحاً من خلال الاختراق المتكرر لمجالنا الجوي والغارات والتصريحات التي تعبر عن مواقف معروفة لقيادات دولة الكيان الصهيوني تجاه الخرطوم. إسرائيل أول من اعترف بالدولة الوليدة في جنوب السودان وهذه حقيقة .. ثم انها من أول الدول التي زارها سلفاكير ميارديت في ديسمبر من العام قبل الماضي بعد أشهر معدودات من تحقق الانفصال .. وفي تل أبيب وضح الذي كانت تحاول الحركة الشعبية إخفاءه سنين عدداً فقد تحدث سلفا عن طبيعة العلاقة العضوية بين الجنوب وإسرائيل وقال بالحرف: بدونكم ما كنا لنكون موجودين.. قاتلتم معنا للسماح بإنشاء جمهورية جنوب السودان، ومضي للتأكيد على أن بلاده تعتبر إسرائيل نموذجاً ناجحاً، وانه سيتعاون ويعمل معها يدأ بيد من أجل توثيق العلاقات. لن تألو إسرائيل جهداً في استخدام الجنوب لتصفية حسابات قديمة وثارات متراكمة مع الخرطوم، ولن تستطيع جوبا التعامل بطلاقة في جوارها مع دولة السودان لأن الفواتير التي تثقل كاهلها ستضطرها إلي وضع اعتبارات كثيرة تحاول عبرها إرضاء إسرائيل. على المفاوض السوداني أن يضع نصب أعينه انه يحاور إسرائيل عبر وكلائها الجدد.. ويلزمه التحوط في أي إنفاق من ترك ثغرة تنفذ عبرها تل أبيب.. ما تردد عن اعتزام جوبا بيع نفطها لإسرائيل دليل شاخص يؤكد حرص إسرائيل على تخريب الاتفاقيات المبرمة بين الخرطوموجوبا .. فاتفاقية النفط لا تمنح تل أبيب هذا الحق، كما أن حق السيادة يجوز للسودان رفض تصدير البترول لدولة الكيان الإسرائيلي عبر أراضيه.. المسألة خلط للأوراق ومحاولة لإخراج الخرطوم ليس إلا. نعم السودان يدفع ثمن انتمائه العربي والإسلامي مثلما قال الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية في فاتحة أعمال المؤتمر الثامن .. فقد كتب الداد باك خبير الشؤون الأفريقية بصحيفة ((يديعوت احرنوت الإسرائيلية)) أن إعلان دولة الجنوب دليل على تفسيح العالم العربي وتقسيمه وعد متهكماً ردود الفعل العربية حيال الانفصال بمثابة تعبير عن مدي الخوف الكبير من تهاوي فانتازيا الوحدة العربية. لو علم مفاوضونا أن دعم الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في السودان إستراتيجية إسرائيلية تهدف إلي زيادة الالتهابات في أطراف السودان قبل بترها من الكيان الواحد، إمعاناً في المزيد من التفتيت لأراحونا وأراحوا أنفسهم من عبثية التفاوض مع دولة لا تملك قوتها ولا قرارها. في كل ما حدث أبحثوا عن إسرائيل ستجدونها وراء كل نكسة ألمت بنا منذ انفصال الجنوب والعرض مازال مستمراً. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 23/1/2012م