على الرغم من أن قوى سياسية عديدة ولجت ساحة الانتخابات العامة الجارية الآن في السودان وفي يدها حقائب مليئة بالأموال الأجنبية والأوراق والبرامج المطلوب انفاذها حال الفوز، وعلى الرغم من أن الخارطة الحزبية السودانية – للأسف الشديد – امتزجت دماؤها الوطنية وامتزج عرقها النضالي، وذهنها السياسي بالعامل الأجنبي الى درجة كبيرة، على الرغم من كل ذلك، فإن الانتخابات العامة في السودان جارية على قدم وساق وواصلة لا محالة الى مبتغاها، ولعلنا هنا ان شئنا رد الأسباب الى محلها الصحيح فهو طبيعة ذهنية الناخب السوداني المستنير وغير المستنير المتعلم وغير المتعلم اذ أن الذي يجمع بين هؤلاء جميعاً، درجة الوعي السياسي الكبيرة التي اشتهر بها السودانيون منذ أن اسسوا لأول حكومة نيابية حتى قبل أن يجلي الاستعمار البريطاني قواته عن السودان، ويكفي أن الممارسة الديمقراطية الأولى للسودانيين هي التي قادتهم لتحقيق استقلالهم حين أعلنوه – بارادتهم الوطنية الخالصة – من داخل البرلمان بتلاحم الحكام والمعارضين معاً – هذه الخلفية ضرورية جداً حين يجري الحديث عن الهاجس الأمني لما بعد عملية الاقتراع حين تذاع النتائج ويفوز هذا ويخسر ذاك، وضرورية أيضاً حين النظر في كيفية التأكد من قيام عملية انتخابية آمنة. صحيح أن المفوضية العامة للانتخابات وضعت تدابيراً عملية مبنية على قواعد جيدة، وصحيح ايضاً أن تدريبات مختلفة ومكثفة تلقتها الشرطة السودانية رفعت من درجة يقظتها وقدراتها على الحفاظ على الأمن طوال عملية الاقتراع وحتى بعد ظهور النتائج كل هذا صحيح ومطلوب وأعطى درجة عالية من الطمأنينة للمواطنين السودانيين الذين ما فتئ البعض يحاول إخافتهم وإرباكهم بتصوير الأمر وكأنه موقداً قابلاً للانفجار. غير أن العامل الأكثر أهمية ويراهن عليه الجميع في سلاسة وسلامة العملية هي وعي المواطن والناخب السوداني وطبيعته المجبولة على العقلانية ولهذا فإن أي ناخب سوداني الآن يدرك كيف يتفادى الوقوع في براثن (حملة المال الأجنبي) لأنه يعلم أن عليه (تسديد فاتورته عاجلاً أو آجلاً)، وكل ناخب سوداني لديه ايمان قاطع أن فرصته في اختيار منظومة حاكمة يطمئن اليها وتحافظ له على أمنه وسلامته ومعاشه هي في يده وعليه الا يضيّعها أو يغامر بها فيحصد ندماً وحسرة. هذا الوعي، بهذه المعطيات كفيل بأن يفشل أي محاولة لاشاعة الفوضى أو ترك البلاد تنزلق الى منزلق مواجهات وصراعاته دامية على غرار ما جرى في بلدان أخرى وهو ما يدعونا لدعوة المراهنين على أحلام يستندون عليها وعلى العامل الخارجي لاعادة قراءة طبيع السودانيين ومعدنهم وتقاليدهم العريقة الراسخة!