ضيف هذه الحلقة من برنامج "حديث اليوم" هو الدكتور التيجاني السيسي رئيس السلطة الاقليمية لدارفور والذي يزور العاصمة الروسية موسكو بعد جولة اقليمية ودولية قام من خلالها بالترويج لعملية إعادة إعمار الاقليم خلال المؤتمر المقبل الذي تستضيفه العاصمة القطرية الدوحة في المستقبل المنظور. س: دكتور بداية، هل فعلاً أنكم حصلتم خلال هذه الزيارة على وعود كافية بتقديم الدعم ليس المادي فقط، وإنما السياسي، لإنهاء مرحلة صعبة في تاريخ اقليم دارفور؟ بسم الله الرحمن الرحيم. نعم، قمنا حقيقة بجولة كبيرة حول العالم. زرنا فيها دولاً في آسيا، شملت الصين وكوريا واليابان. وكذلك في أوروبا، حيث شملت اسبانيا وايطاليا، وكذلك رئاسة الاتحاد الاوروبي، بالإضافة إلى هولندا وفرنسا والمملكة المتحدة، إضافة إلى امريكا. ونحن الآن سعداء لوجودنا في روسيا الاتحادية. وأيضاً هناك بعض الدول في افريقيا منها جنوب افريقيا ونيجيريا بالاضافة إلى الدول الخليجية ودول اسكندنافيا. استطيع أن أقول أننا من خلال هذه الجولة استطعنا أن نحصل على دعم سياسي كبير جداً لمؤتمر المانحين. وأستطيع أن أؤكد لك أن كل الدول التي قمنا بزيارتها أكدت تماماً على أنها ستحضر مؤتمر المانحين، والذي من المفترض أن ينعقد في اليوم السابع والثامن من أبريل، أي الاسبوع القادم في الدوحة. أيضاً أؤكد لك أن بعض الدول قد أبدت رغبتها الأكيدة في تمويل مشاريع إعادة الإعمار والتنمية في دارفور. وحقيقة الأمر أن هذه القضية متروكة أيضاً للدول المشاركة في هذا المؤتمر، والتي ستقدر كيفية المشاركة أو كيفية اسهامها في إعادة الاعمار والتنمية في دارفور. س: دكتور، هنا يطرح السؤال التالي: داخل الاقليم لاتزال هناك جماعات كثيرة لم تعترف باتفاق الدوحة. وبالتالي في ظل المتغيرات الكثيرة الآن، كيف سينعكس ذلك على مستقبل الاقليم بشكل عام؟ أستطيع أن أقول أن اتفاقية الدوحة هي اتفاقية فريدة. هذه ليست اتفاقية صنعتها حركة التحرير والعدالة والحكومة السودانية. ولكن هذه اتفاقية شارك في صناعتها أصحاب المصلحة وهم من اللاجئين والنازحين والتجمع المدني، وكذلك الإدارة الاهلية ومواطني دارفور. لقد كانوا معنا وسجلوا حضوراً في الدوحة أثناء التفاوض. وأيضاً، قمنا بالتوقيع على الاتفاق بعد التأكد تماماً بأن هذه الاتفاقية تعكس تطلعاتهم. وبالتالي هنالك دعم شعبي كبير لهذه الاتفاقية على أرض الواقع. ونحن نقول أن هذا الدعم الشعبي الكبير هو الدافع الاساسي لنا ولدارفور في المضي قدماً في هذا الاتفاق. نعم هنالك بعض الحركات التي لم توقع. ولكن رسالة أهل دارفور واضحة. وهذه الرسالة اتضحت من المؤتمر الذي عقدناه في يوليو من العام الماضي لأهل دارفور، عندما قرر المؤتمر بأن يوفد وفداً لهذه الحركات ليقول لهذه الحركات بأننا مع السلام، وبأن ينضموا إلى هذه الاتفاقية عبر التفاوض مع الحكومة السودانية في الدوحة. هنالك بعض الحركات التي استمعت لصوت العقل مثل حركة العدل والمساواة، والتي عقدت اتفاقاً مع الحكومة السودانية بالأحرف الأولى قبل يومين. والآن الحكومة السودانية والدوحة والوسطاء يتأهبون حقيقة للاحتفال الذي سيجري بالتوقيع على هذه الاتفاقية. هنالك بعض الحركات التي لازالت خارج هذا الاطار، ونقول لها بأن أهل السودان جميعهم بالإضافة لأهالي دارفور قد قرروا الآن بأن طريق السلام هو الطريق الوحيد لحل قضية السودان. س: دكتور هنا أريد أن أسألك، ألا تتخوفون من مسألة إعادة تكرار مصير ما حدث في جنوب السودان بما يتعلق بأقليم دارفور تحديداً. على خلفية أن هناك أصوات عديدة لاتزال تنطلق حول تقرير المصير وما شابه ذلك؟ ذكرت أنا أنه هناك أصوات عديدة ولكني لم أستمع إلى هذه الأصوات. وبالطبع هنالك بعض الأفراد الذين من قبل رفعوا هذا الشعار، لكنه لم يلق تأييداً. يا أخي الكريم هنالك استقطاب قبلي وأثني في دارفور. الوضع الذي نعيشه الآن في دارفور كثيراً ما نتناوله الآن. علينا في البداية أن ننهي هذا الاحتقان، وننهي هذه الازمة قبل أن نتناول مثل هذه القضايا. قضية تقرير المصير في دارفور غير واردة ولم ترد. الشيء الوارد الآن هو الإنطلاقة بفعالية نحو إنفاذ اتفاق الدوحة لسلام دارفور. وهذا هو الشيء الذي يعنينا. أما الشعارات التي يرفعها الآخرون، سواء كانت بطرق تكتيكية أم غير ذلك، فهذا لا يعنينا. واعتقد بأننا معنيون الآن بانفاذ اتفاق سلام الدوحة، وبأن دارفور جزء من السودان. نحن جزء من السودان ودائماً ما نقول للآخرين، إذا كان هناك شخص يريد أن يقرر مصيره، فليقرر مصيره. ولكن نحن دارفور، نعتقد بأننا أصل السودان. س: دكتور على مايبدو أن العديد من دول أفريقيا الآن تعيش حالة عدم الاستقرار على خلفية ما بات يعرف بالربيع العربي وخاصة الانعكاسات السلبية لما حدث في ليبيا، وعدم السيطرة على السلاح في هذه الدولة الذي انتشر إلى دول كثيرة. ألا تتخوفون من أن تبعيات انتقال هذا السلاح يمكن أن يصل أيضاً إلى الاقليم الذي هو بالأساس يعيش حالة ليس بالأفضل لنقل؟ أعتقد أنها ليست قضية تبعات انتشار هذا السلاح في الاقليم، ولكن السلاح الليبي انتشر في الاقليم قبل فترة طويلة. ليبيا كانت إحدى مصادر التسليح في دارفور لبعض الجماعات التي كانت تمارس حتى في السبعينات وفي مطلع الثمانينات، كانت تمارس النهب المسلح. وظلت ليبيا هي مصدر لهذا السلاح عبر قواتها التي كانت كثيراً ما تخترق الحدود السودانية لتوجه بعض الضربات لحكومة تشاد آنذاك، حكومة الرئيس السابق حسين حبري. استمرت ليبيا في ذلك آنذاك. ونحن نعتقد أنه الآن وبقيام الثورة الليبية شعرنا أن الحدود السودانية الليبية أصبحت آمنة. ليس هنالك أي اختراقات أمنية أو تهريب للسلاح عبر ليبيا إلى السودان. ولكن نقول أيضاً أن هنالك انتشار كبير للسلاح في دارفور، وهذه إحدى المشاكل التي نواجهها الآن، وهي كيفية جمع هذا السلاح من أيدي المواطنين. نحن نريد حقيقة أن يكون السلاح محصور في القوات المسلحة وقوات الشرطة، وأيضاً قوات الأمن. أي الاجهزة النظامية فقط. ولكن الآن هناك في أيدي المواطنين أسلحة كثيرة، والمطلوب هو جمع هذه الاسلحة. لأنه دون جمع الأسلحة ستستمر بعض المواجهات من وقت إلى آخر. ولكن أود أن أقول أن هنالك الآن عزيمة اتحادية، وكذلك عزيمة اقليمية لمحاصرة هذا الأمر. وأنا اعتقد أنه دون محاصرة وجمع هذا السلاح ستستمر حالة الانفلات. وهنالك حالات انفلات كثيراً ما نسمع عنها في دارفور. هذه مسألة طبيعية عندما يكون هنالك حرب تستمر لفترة عشرة أعوام، غالباً ما تستمر حالة الانفلات من وقت إلى آخر. ولكن نحمد الله بأنه رغم استمرار الحرب فإن الحكومة في دارفور موجودة، وهنالك نظم إدارية موجودة، وهنالك حكومات ولاية موجودة، وهنالك بيروقراطية فاعلة موجودة لحد الآن. س: ولكن ألا تتخوفون من أن هذا الانفلات الامني يمكن أن يؤدي إلى وصول جماعات متطرفة أيضاً؟ أبداً، أنا لا اعتقد. تناول البعض قضية مالي وربط هذه القضية مع دارفور. بل أن هنالك بعض الذين نشروا أن هنالك قوات من هذه الجماعات الاسلامية قد وجدت طريقها إلى دارفور. وهذه مجرد اشاعات مغرضة ربما الهدف منها تأليب المجتمع الدولي ضد السودان. ولكن نحن نقول بكل تأكيد وبكل ثقة، ليست هنالك مجموعات مسلحة اتت من مالي إلى دارفور. لأننا نعلم بأن مالي تبعد حوالي ألفي كيلو متر من دارفور. وبين مالي دارفور هنالك النيجر، ثم حكومة تشاد، وحكومة تشاد لنا معها علاقات قوية، والأخ الرئيس ادريس ديبي داعم لأمن وسلامة دارفور. ومن الصعوبة أن تخترق هذه المجموعات كل هذه الأراضي لتصل إلى دارفور. أنا اعتقد أن قضيتنا ليست قضية مجموعات اسلامية، ولكنها قضية توترات أثنية وقبلية جاءت بعد قيام الحرب في دارفور. ونحن الآن نسعى انشاء الله لحل كل هذه القضايا. س: وأخيرا دكتور، أنتم اليوم التقيتم بمسؤولين من القيادة الروسية. روسيا أيضاً ستكون حاضرة في مؤتمر إعادة الاعمار قريباً. كيف تقيمون الدور الروسي في عملية التسوية التي مرت في الاقليم بشكل عام؟ وما الجديد الذي استمعتموه من الجانب الروسي اليوم؟ أولاً لابد لي أن أقول أن العلاقات الروسية السودانية، علاقات قوية ومتينة. ولابد لنا أيضاً أن نشكر جمهورية روسيا الاتحادية على دعمها المتواصل لجمهورية السودان. وخاصة في المحافل الدولية وفي مجلس الأمن. ونحن نشعر أن العلاقات بين جمهورية روسيا وجمهورية السودان تزداد متانة من يوم إلى آخر، ونحن نقرأ ذلك. وخلال هذه الزيارة وقفنا على حقيقة أن هذه العلاقات هي علاقات متينة وأن هنالك رغبة روسية أكيدة لتطوير هذه العلاقات. ليس العلاقات السياسية فقط، ولكن الاقتصادية أيضاً. قمنا اليوم بلقاءات مع ممثل رئيس الجمهورية، وكذلك مع نائب وزير الخارجية. وكانت اللقاءات ناجحة. قدمنا فيها تنويراً عن الوضع في دارفور وعن التحضيرات التي جرت لقيام مؤتمر الدوحة للمانحين. وكذلك تعرضنا لبعض القضايا القومية التي تهم العلاقات المتطورة بين البلدين. واعتقد أن التجاوب الروسي على المستوى الرسمي كان تجاوباً ممتازاً وايجابياً. ولم تكتفي روسيا بقرار حضور المؤتمر بل هي تدرس كيفية تقديم الدعم، وعبر أي آلية لإعادة إعمار دارفور. واعتقد أن هذا اتجاه سليم. نحن نرحب بالدعم الروسي لإعادة اعمار وتنمية دارفور بدون شك. المصدر: موقع روسيا اليوم 3/4/2013م