هل شعوب العالم الثالث وشعوب العالم العربي على وجه الخصوص غير جديرة بممارسة الديمقراطية؟. هل الأمر متعلق بمستوى قناعة هذه الشعوب وفهمها لمقتضيات الُلعبة الديمقراطية؟. أم أن المؤسسات العسكرية هي السبب في انتفاء الحالة الديمقراطية بسبب عدم مهنيتها ونهمها تجاه ممارسة دور سياسي؟. يقول صامويل هنتنجتون مفكر أمريكي في مجال العلوم السياسية اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية: (كلما كانت المؤسسة العسكرية مهنية في مهمتها، ابتعدت عن التدخل المباشر في السياسة. وكلما قلت مهنيتها، ازدادت تدخلاً في السلطة. وتكمن مهنية القوات المسلحة في تجويد مهمتها الأساسية وهي حماية البلاد من التهديد الخارجي، وهي ليست معنية بقضايا الأمن والسياسة الداخلية).. في السودان على سبيل المثال كان تدخل العسكريين في السلطة امتدادا للعملية السياسية باستخدام القوة الجبرية، فقد بدأ التدخل العسكري في السياسة السودانية بعد عامين فقط من إعلان الاستقلال عن المستعمر البريطاني.. الانقلاب العسكري الأول كان في نوفمبر 1958 وظلت الانقلابات سمة ملازمة للعلاقة بين المؤسسة العسكرية والعمل السياسي.. كان ذلك الانقلاب هو الأول من نوعه في إفريقيا جنوب الصحراء، وأثار حفيظة المستعمر السابق؛ فالبريطانيون أسسوا الجيش السوداني على تقاليد تجافي نهج الانقلابات العسكرية حيث استقى مهنيته وإدراكه للعلاقة بين السياسيين والعسكريين.. نظرية الباب الدوار أصبحت سمة الحياة السياسية في السودان وكذا في العالم العربي، من خلال تعاقب المدنيين والعسكريين على السلطة، أي انقلاب ثم فترة ديمقراطية ثم انقلاب وهكذا دواليك. إن لم تكن الانقلابات هي سبب عدم الاستقرار في كل البلدان العربية فإن هنالك عوامل أخرى صانعة للأزمات ففي داخل بعض النظم السياسية تشرأب الانتماءات الفرعية والهويات الثانوية المانعة من وحدة المجتمع في إطار دولة حديثة تعززّ وتضمن المصالح المشتركة الأمنية والاقتصادية. لجميع المواطنين.. فذلك يمثله النموذج اللبناني الذي ترى فيه إسرائيل تربة صالحة لزرع الفتن ومحفزاً وتحقيق المآرب الاستعمارية. ولأن العالم كله قرية واحدة دعك من العالم العربي، ولأن المعايير والقيم لا ينبغي أن تكون مزدوجة، فإننا معنيون بالضرورة بأخذ العبر مما حدث في مصر قلب العالم العربي.. فالديمقراطية في مصر هي ذاتها الديمقراطية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي أي مكان آخر، وليست الديمقراطية هي التي تأتي فقط بالتيارات المتخاصمة مع التوجهات الإسلامية، وليس إن أتت كذلك بالإسلاميين فإن دمها مستباح واستحقت الذبح في وضح النهار من الوريد إلى الوريد كما حدث في تلك لبلاد.. الخوف أن تكون أم الدنيا مقبلة على ديكتاتورية سافرة، والجواب من عنوانه، بدءا بتعليق الدستور واعتقال الرئيس المنتخب ومروراً بإغلاق القنوات الفضائية، وانتهاءً بتعيين رئيس جديد مؤقت من دون دستوري.. أحداث مصر تقول إن القوى السياسية من غير الإسلاميين لم تحتمل أن يحكم الإسلاميون في مصر عبر الانتخابات واللعبة الديمقراطية.. أكثر المواقف مأساوية عندما أبدى القيادي بجبهة الإنقاذ المصرية حمدين صباحي عن عدم ممانعته عشية المظاهرات الأخيرة في التعاون مع فلول نظام مبارك طالما كان هدفهم هو إسقاط الرئيس محمد مرسي.. من قبل في الجزائر تحالفت قوى سياسية متنافسة مع الإسلاميين مع العسكر وأطاحوا بجبهة الإنقاذ بقيادة عباسي مدني بعد أن اكتسحت الانتخابات، فسبحت البلاد في بحر من الدماء سنين عددا. هل كان إسلاميو السودان على حق عندما استولوا على السلطة في (30) يونيو 1989م؟. هل الآخر من الخصوم لا يسمحون البتة للإسلاميين تذوق طعم السلطة ولو عبر اللعبة الديمقراطية؟. مذكرة الجيش السوداني في فبراير 1989م كانت انقلاباً على رئيس الوزراء حينها الصادق المهدي لأنه شكّل حكومة ضمت لأول مرة الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن الترابي. المصدر: الشرق القطرية 6/7/2013م