اغتيال زكريا باول دنق مرشح الحركة الشعبية لعضوية برلمان جنوب السودان بمقاطعة أبالميوم إثر إطلاق النار عليه صباح الخميس الماضي، يمثل شرارة للعنف الانتخابي الذي يتحول إلى لهيب وسعير يصعب إطفاؤه، ما لم تتخذ التدابير اللازمة لإشاعة ثقافة الديمقراطية، وإقصاء حالات الاستقطاب الحاد التي تشهدها الساحة السياسية، ونبذ الصراعات القبلية والعشائرية، وتنوير الرأي العام بمزايا وأهمية الانتخابات المقبلة لإرساء منابر سلمية للتحول الديمقراطي وانتشال السودان من حالات الصراعات والنزاعات الإثنية التي جعلت السودان متسولاً دولياً يرثى لحاله. مرشح الحركة الشعبية الذي تم اغتياله في وضح النهار بأيدي مجهولين، لن يكون الأول الذي تطوله أيدي الغدر.. إذ تعج الساحة السياسية السودانية بالعديد من الأسباب التي تؤدي إلى حالات انتشار العنف الانتخابي.. وأهمها النزاعات القبلية والعرقية في جنوب البلاد ودارفور وسائر البلدات والمدن التي ترى في مرشح القبيلة "س" في الدائرة الانتخابية للقبيلة "و" نوعاً من التغول على العرين القديم الذي يمثل حسها الشعبي ووجدانها الإثني الذي توارثته عبر الأجيال، هذه الحالة –حالة القبلية الضيقة-التي أفضت وتؤدي إلى انتشار العنف الانتخابي ليست قاصرة على الأقاليم الجنوبية وحدها. ويمثل المشهد السياسي في دارفور مثالا صارخا لاحتمالات انتشار العنف الانتخابي مع وجود قبائل متنافرة وزادها نفورا وجموحا تكاثر الفصائل المتمردة التي تنتمي إليها. حالات العنف الانتخابي لا يمكن السيطرة عليها إلا إذا التزم الفاعلون السياسيون –حكومة ومعارضة-والمرشحون على اختلاف أحزابهم وفصائلهم وقبائلهم بقواعد وفنون السلوك الانتخابي: -أن تتخذ السلطات الأمنية التدابير اللازمة لتأمين عمليات الانتخابات مع التركيز على تأمين مقار الأحزاب، ومواقع الاقتراع.. وقد أعدت السلطات الأمنية تدابير ملحوظة في هذا الشأن.. إذ اضطلعت بتدريب 55 ألف شرطي وجندي لتأمين سلامة الانتخابات. -أن تضطلع الجهات المراقبة للانتخابات.. للتأكد من سلامتها ونزاهتها بأدوارهم كاملة في التبليغ عن أية خروقات ربما يؤدي اكتشافها إلى اندلاع العنف الانتخابي والعنف المضاد.. فقد كان الاتحاد الأوروبي سباقاً في إرسال 138 مراقباً للإشراف على الانتخابات. -أن تسعى وسائل الاتصال الرسمية وغير الرسمية لإرساء ثقافة الديمقراطية وثقافة السلام والسلم، ونبذ الخطاب الحاد المفضي للعنف الذي تروج له بعض الجهات عن عمد وسوء نية أو عن جهل بالعواقب المحتملة. -الأحزاب السياسية نفسها مدعوة إلى أن تشيع وسط اتباعها اقصاء سياسة الخصام والكراهية، والبغض للآخر. إننا نعول كثيراً على أمرين مهمين: الأول: أن يتم توقيع الاتفاق الإطاري بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة خلال هذا الأسبوع.. لأن هذا الاتفاق سوف يؤدي إلى نزع فتيل الأزمة.. وبدون ذلك فإن العنف الانتخابي سوف يتفاقم. الثاني: الرهان الأوحد لبسط ثقافة الديمقراطية واقصاء العنف الانتخابي يكمن في قيام انتخابات حرة ونزيهة.. وإن أية خروقات أو تزوير، أو تحايل، سوف تؤدي إلى انزلاق البلاد إلى هاوية سحيقة من العنف، البشع، الذي يضاهي الفولاذ المضاعف، والرعب الجائح. المصدر: الشرق القطرية 14/3/2010