لاشك ان مصر تتمتع بمزايا عديدة تجعلها مركز جذب للتقارب والرغبة لتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية معها, وذلك لأسباب عديدة. كما يعتبر من الممرات المائية الإستراتيجية والذي يربط أوروبا مع جنوب غرب آسيا ومع الخليج العربي المطل علي دول النفط الرئيسية, وكذلك أيضا لتوافر الخبرات البشرية المهنية ذات المستوي العالي بها, وهذا كله يجعلها مرغوبة للاستثمارات العالمية وقيام المشروعات الكبري بها او عن طريقها, بالإضافة لقدرات مصر الإعلامية والثقافية المعروفة عنها. إن هذا الوضع يجعل من الضروري القيام بعملية تقييم دائم للعلاقات السياسية والاقتصادية بينها وبين الدول المجاورة والدول العربية الموجودة بمنطقة الشرق الاوسط, وبالتالي يستلزم ذلك تحديد ودراسة المصالح المؤثرة علي تنمية هذه العلاقات معها بعيدا عن التوجهات العقائدية, أو لاسباب عاطفية غير سياسية التي تظهر وتختفي من آن لآخر مثل ما حدث منذ وقت قريب للعلاقات المصرية الجزائرية بسبب الفوز أو الخسارة في مباريات لكرة القدم بينهما. الجدير بالذكر أننا نجد ان السياسيين والباحثين في العلوم السياسية يشيرون دائما إلي أنه من الضروري بناء العلاقات السياسية والاقتصادية المصرية علي ضوء المصالح المشتركة دون تحديد تفصيلي للعناصر المؤثرة علي تلك المصالح ويمكن تلخيصها فيما يلي: أولا موقعها الجغرافي بالنسبة لمصر وأثره علي أمنها وتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية معها. وكذلك تحالفات تلك الدولة المطلوب تقييمها مع دول أخري أو ضمن منظمات دولية أو إقليمية, علي ان يتم دراسة الآثار الناجمة عن تلك التحالفات علي مصر, خاصة بالنسبة للعلاقات المصرية الحالية مع دول كبري مثل الولاياتالمتحدة وبعض الدول الاوروبية. ثانيا حجم التجارة والاستثمارات المتبادلة معها في الوقت الحاضر او في المستقبل القريب. وعدد ونوع العمالة المصرية الموجودة حاليا بالدولة المطلوب تقييمها في الوقت الحاضر او في المستقبل القريب وخاصة من ذوي الخبرات المهنية. ثالثا أي عناصر أخري مؤثرة علي التحرك المصري سياسيا واقتصاديا سواء بالمستوي الإقليمي او الدولي, ولاشك أن ذلك سيختلف من دولة لأخري. واستكمالا لدراسة هذا الموضوع فإن المعروف دائما أن كل عملة لها وجهان, الاول ما ذكر عن مصالح مصر والعناصر المؤثرة عليها, والوجه الثاني هو العناصر المؤثرة علي مصالح تلك الدول الجاري تقييم علاقات مصر معها. أما بالنسبة لمسئولية القيام بهذا التقييم, فالمقترح تشكيل لجنة عليا لهذا الغرض يشترك في عضويتها ممثلون عن وزارة الخارجية, ووزارة الاقتصاد, وإدارة المخابرات العامة, ومسئولو الشئون الخارجية والعربية بمجلسي الشعب والشوري. تبقي ملاحظة ختامية لهذا الموضوع, وهي أن تقييم مصالح مصر في تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول المجاورة والدول العربية لا تتم لمرة واحدة فقط وإنما يلزم إجراؤها من آن لآخر لأن مصر إحدي الدول الرئيسية, بمنطقة الشرق الأوسط وهي المنطقة الحيوية الإستراتيجية, سواء في المستوي الإقليمي أو الدولي, وأن التغيرات السياسية والاقتصادية التي تتم بها من آن لآخر تستلزم القيام بعمليات التقييم سالفة الذكر كلما تطلب الأمر ذلك, إذ إن الشرق الاوسط بالخمسينيات والستينيات يختلف كثيرا عن الشرق الاوسط بعد نصف قرن منها. فعلي سبيل المثال لا يمكننا تجاهل مجموعة من التغيرات المؤثرة. في مقدمتها الغزو الامريكي للعراق في أوائل التسعينيات واحتلاله عسكريا حتي الآن مع وعد بانسحاب القوات الامريكية منها عام2011, وذلك بعد توقيع اتفاق أمن وتعاون بين العراق والولاياتالمتحدة. ويذكرنا هذا الاتفاق( بحلف بغداد) بالخمسينيات والستينيات الذي كان يضم العراق وإيران وتركيا وباكستان, بالإضافة لبريطانيا ثم انضمت اليها الولاياتالمتحدة, وذلك لضمان المصالح الأمريكية والبريطانية بالشرق الاوسط. فضلا علي الخلاف الحاد الفلسطيني بين منظمة فتح بالضفة الغربية ومنظمة حماس بقطاع غزة, والذي تستغله إسرائيل أحسن استغلال في اعتداءاتها المتكررة بالأراضي الفلسطينية, بالإضافة الي تهربها من عقد اتفاقية سلام جديدة وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس بجوار اسرائيل, وكذلك الخلاف حاد بين ايرانوالولاياتالمتحدة واسرائيل بشأن الملف النووي الإيراني وسياسات إيران الخارجية. والتطورات المحتملة في العلاقات الراسخة بين الولاياتالمتحدة برئاسة( أوباما) واسرائيل, ولو أن إسرائيل تنفي وجود أية خلافات بينهما في الوقت الحاضر, وإجراء انتخابات رئاسية جديدة بمصر عام2011 بعد انتخابات برلمانية جديدة خلال العام الحالي. علاوة علي انحصار سوريا داخل حدودها بعد انسحاب قواتها العسكرية من لبنان, بالإضافة الي الملاحظات الأمريكية علي ارتباطاتها مع إيران والتوجهات الجديدة في تركيا ليكون لها دور جديد في منطقة الشرق الاوسط. ولهذا فإننا في حاجة بالوقت الحاضر لإجراء عمليات تقييم مع إعطاء أسبقية خاصة لبعض دول المنطقة, وبذلك يمكننا تحديد مدي أهمية كل دولة منه بالنسبة لمصر, وضرورة التحرك السياسي والاقتصادي ومضمونهما إزاءها في المستقبل القريب. المصدر: الاهرام 14/3/2010