أعد التقرير للنشر: هناء دكروري إيمان عارف ميادة العفيفي شريف الغمري دينا عمارة أحدث تقرير صادر عن مركز الأمن الأمريكي الجديد, بعنوان التكيف الاستراتيجي: في سبيل استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط, يقول التقرير إن الشرق الاوسط يمر بمرحلة انتقالية, وهو الوقت الصائب لإعادة تقييم جذري للاتجاهات الرئيسية الأمريكية والمصالح الأمريكية. في المنطقة والخيارات السياسية المناسبة لتحقيقها. وبالفعل أعرب الزعماء الأمريكيون عن نواياهم للاعتماد علي موارد شرق آسيا, وبدأت الولاياتالمتحدة في تخفيف تواجدها بالمنطقة وسحبت آخر جندي لها في العراق وقررت انهاء تعهداتها العسكرية في أفغانستان بحلول عام.2015 وهذه التغييرات قامت بها أمريكا بعد سلسلة الثورات التي اجتاحت العالم العربي والتي لم يتوقعها كثير من علماء السياسة والمحللين السياسيين ولكنها كانت حتمية إذا ما وضعنا في الاعتبار تراكمات الماضي. واليوم بعد مرور أكثر من عام علي ثورات الربيع العربي, نستطيع أن نري بوضوح الافتراضات الخاطئة التي بنيت عليها السياسة الأمريكية في المنطقة لسنوات طويلة. وهذه الافتراضات تتضمن: أن الولاياتالمتحدة من الممكن ان تعتمد علي الأنظمة العربية القائمة من أجل التعاون الأمني واستقرار سوق البترول والغاز دون حاجة إلي الاهتمام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية في المنطقة. أن عملية السلام في الشرق الأوسط حتي لو تعثرت, فإنها تتجه في طريق الحل الخاص بإقامة دولتين. العلاقات مع إسرائيل وإن كانت مثيرة للجدل, إلا انها ستظل معتمدة علي افاق استراتيجية مستقبلية ثابتة. أن الولاياتالمتحدة هي اللاعب الرئيسي في المنطقة وتستطيع أن تواجه بكفاءة الأعداء والخصوم. ولكن الواقع الفعلي أثبت أن كل هذه الافتراضات في حاجة إلي مراجعة. فأحداث البحرين مثلا جسدت الصعوبات التي تواجه الولاياتالمتحدة عندما تتصدع إحدي الدول الحليفة تحت وطأة الغضب الشعبي. كما أن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تحتضر, والعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية توترت بسبب التهديدات المختلفة. بينما إيران وما أطلق عليه التقرير اسم وكلاؤها في المنطقة يستمرون في تحدي الولاياتالمتحدة. وهذا التقرير يعيد النظر بشكل منهجي في سياسات الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط, ويبدأ بالمصالح الأمريكية وينتهي بالتوصيات التي تعكس هذه المصالح وكذلك الطريقة التي تغيرت بها المنطقة في السنوات الأخيرة. وتم بناء هذه التحليلات علي ثلاث أسئلة جوهرية: ما هي المصالح الأمريكية في المنطقة؟. ما هي القوي المحركة في المنطقة التي تشكل السياق الذي تنتهج من خلاله الولاياتالمتحدة مصالحها في المنطقة؟. وبعد تحديد المصالح والسياق الاستراتيجي, ما هي الأولويات والخيارات لصانعي القرار السياسي في الولاياتالمتحدة؟. ويقترح التقرير منهج التكيف الاستراتيجي, ففي الوقت الذي تظل فيه بعض السياسات الأمريكية الحديثة والقديمة صالحة للتعاطي في الوقت الحالي, يجب التأكيد علي ضرورة التكيف مع بيئة استراتيجية تغيرت بشكل درامي وفي الغالب ستظل تتغير. وهناك تهديدات قصيرة المدي في حاجة إلي انتباه سريع من صانعي القرار السياسي الأمريكي نابعة من إيران وسوريا واليمن وكذلك العلاقات المصرية الإسرائيلية. ولكن من المهم أن تنتهج الولاياتالمتحدة في نفس الوقت سياسات من أجل السيطرة وتخفيف التهديدات المحتملة علي المدي الطويل في المنطقة, مستعينة بدرجة عالية من المرونة الاستراتيجية والبراعة الدبلوماسية. ونستعرض في الجزء الأول مصالح الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط, وتطور السياق الاستراتيجي والتحديات الإقليمية متمثلة في إيران وسوريا والعراق وليبيا ومصر ثم تحولات السياسة الداخلية العربية. وفي الجزء الثاني العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والسلام الفلسطيني الإسرائيلي, والعلاقات المصرية- الإسرائيلية, والتهديدات السورية واليمنية, ثم الأربعة محاور في تنظيم العلاقات الأمريكية العربية في المستقبل وأخيرا إسرائيل هي الخاسر الأكبر. مصالح الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط عادة ما يتم تعريف المصالح الجوهرية للولايات المتحدة علي النحو التالي: حماية السلامة الأمنية والإقليمية للولايات المتحدة وحلفائها ضد أي هجوم خارجي فعلي. ضمان ازدهار الولاياتالمتحدة الاقتصادي( المرتبط عادة بالحفاظ علي الاقتصاد الدولي المفتوح). الحفاظ علي الطريقة الأمريكية في الحياة- وهي المصالح التي تشمل تعزيز القيم الأمريكية والعالمية. هذه المصالح الثلاث تعبر عن المبادئ الخمسة الرئيسية لمصالح الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط, والتي شكل معظمها السياسة الأمريكية لعقود من الزمان في المنطقة, اليوم يجب علي الولاياتالمتحدة إعادة تقييم هذه المصالح في المنطقة في ضوء آليات التطور في منطقة الشرق الأوسط. الردع والاحتواء والدفاع ضد التهديدات الإقليمية: في حين أن التهديدات الجيوسياسية النابعة من الشرق الأوسط, لا تزال هائلة, إلا أنها أقل ظهورا عما كانت عليه في الفترات السابقة, وتعتبر إيران هي الدولة الوحيدة التي تتحدي الولاياتالمتحدة في المنطقة, ويمكننا القول بأن التهديد الذي تشكله إيران يتضاءل مقارنة بالتهديد الذي مثله الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة, بل ويمكن القول أيضا أنها تهديدات أقل أهمية من تلك التي كانت تشكلها عراق صدام. الأنظمة العربية المستقرة:أعطت الولاياتالمتحدة الأولوية للتعاون الأمني والاستقرار مع الأنظمة الاستبدادية الصديقة في المنطقة باعتبارها وسيلة لغايات أخري, مثل مكافحة الإرهاب وتحقيق استقرار في سعر النفط في السوق العالمية. وقد تغلبت هذه الأولويات علي اهتمامات أخري, مثل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان, إلي درجة أن أصبح الاستقرار غاية في حد ذاته, ومع ذلك, فقد أصبحت التكاليف المرتبطة بالتعاون الأمني من خلال إعطاء الأولوية للإصلاح السياسي الداخلي أكبر بكثير اليوم عما كانت عليه من قبل بشكل تقليدي أمام صناع السياسة في الولاياتالمتحدة, من ناحية أخري فقد مكنت السياسات التحويلية من خلال ثورات الربيع العربي شعوبا وأحزابا جديدة من المطالبة بأن يتم الاستماع إليها من قبل كل من الولاياتالمتحدة وأنظمتها, وعلي المدي الطويل, سوف يتم تحقيق الاستقرار الإقليمي ليس علي حساب الإصلاح السياسي ولكن من خلاله. مكافحة الإرهاب: علي الرغم من أن الجهود الأمريكية لمحاربة الإرهاب لم تبدأ مع هجمات11 سبتمبر, فإنه في أعقاب الهجمات لم يحدد واضعي السياسات وجود أي تهديد أكثر إلحاحا من التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة والمنظمات ذات الصلة الإرهابية العابرة للحدود, ودفعت الجهود الرامية إلي تعطيل وتفكيك وهزيمة القاعدة العسكرية الهائلة والموارد الاستخباراتية, الولاياتالمتحدة إلي تعميق علاقاتها مع الأنظمة المتصلبة, مثل نظام علي عبد الله صالح في اليمن, وحسني مبارك في مصر, والتي ثبت في وقت لاحق أنها غير مستقرة, اليوم, لا يزال الإرهاب في المنطقة يشكل تهديدا خطيرا لكنه انخفض من حيث النطاق والحجم, حيث أصبح تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها تشكل تهديدا أقل حدة نظرا لمجموعة متنوعة من العوامل,بما في ذلك الجهود الأمريكية لمحاربة الإرهاب. الأمن الإسرائيلي والسلام العربي الإسرائيلي: منذ حرب أكتوبر1973, كان إحراز التقدم نحو السلام العربي الإسرائيلي جزءا لا يتجزأ من جهود الولاياتالمتحدة لتأمين إسرائيل, و توسطت الولاياتالمتحدة في اتفاقات السلام بين إسرائيل وكل من الأردن ومصر, ومنذ تسعينيات القرن الماضي, قادت الجهود الدولية للتوصل إلي سلام بين إسرائيل والفلسطينيين, وفي الآونة الأخيرة نمت بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل توترات جوهرية بشكل اكبر, وبعيدا عن عدم وجود دفء في العلاقات ما بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو, فقد توسعت الاختلافات في التصورات حول التهديد والاستراتيجيات, فضلا عن التغيرات السياسية في كلا البلدين, مما وضع ضغوطا علي العلاقة. كملاذ أخير, فقط للولايات المتحدة, التي تعمل في ظل الظروف الصحيحة, ستكون قادرة علي توظيف استخدام القوة وإدارة المخاطر المرتبطة بها علي نحو فعال. المصدر: الاهرام المصرية 18/6/2012م