الطاقة التي يمكن الاعتماد عليها في الدول المتقدمة أمر مفروغ منه. ولا يبالي الناس بالأمر إلا عندما يقع خطأ ما، كأن ينقطع التيار الكهربائي أثناء مباراة "السوبر" في دوري كرة القدم الأميركية، مما يجبر اللاعبين والمشجعين على الجلوس في الظلام لمدة 34 دقيقة. وفي بلادي، ليبيريا، الواقعة في غرب أفريقيا، أصبح العيش من دون كهرباء طريقة حياة. ففي العقد الماضي خرجنا من وهدة حرب أهلية دامت 23 عاما تركت بنية الطاقة مدمرة. وفي بلاد تعداد سكانها 4.1 مليون نسمة، لا يتمتع بإمكانية الحصول على الكهرباء إلا نحو واحد في المئة في الحضر وتقريباً لا أحد من سكان القرى. والباقون يعتمدون على مصادر لا يعتمد عليها وغير كفء للطاقة مثل الخشب والفحم والشموع والكيروسين والمصابيح التي تعمل بالبطاريات وزيت النخيل ومولدات الكهرباء الصغيرة التي تعمل بالبنزين والديزل. والكثير من مصادر الطاقة هذه مسممة وتنتج مواد ملوثة لها عواقب وخيمة على الصحة في بلادنا. ولذا أسعدني أن أوباما وضع الافتقار للطاقة في محور جولته لأفريقيا هذا الصيف. وتستهدف مبادرته الجديدة التي يطلق عليها "انشروا الطاقة في أفريقيا"، أن تزيد إمكانية الحصول على الطاقة إلى الضعف في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالاعتماد المسؤول على إمكانيات القارة من الغاز والنفط بالإضافة إلى إمكانياتها الكبيرة لتطوير طاقة نظيفة. وبالتركيز في بداية الأمر على ست دول محورية شريكة، منها ليبيريا، فإن مبادرة "انشروا الطاقة في أفريقيا" ستدعم القطاع الخاص الأميركي ليضيف عشرة آلاف ميجاوات من سعة توليد كهرباء أكثر كفاءة وأنظف، مع تعزيز إمكانية الحصول على الكهرباء أيضاً لما لا يقل عن 20 مليون منزل ومؤسسة اقتصادية جديدة. وتعهد البيت الأبيض بسبعة مليارات دولار في السنوات السبع المقبلة لدعم المبادرة التي سيعود معظمها إلى دافعي الضرائب الأميركيين بسبب هيكل خطة الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتعهد القطاع الخاص الأميركي بتسعة مليارات إضافية في صورة مساعدات مباشرة. ويتخذ الكونجرس الأميركي أيضاً إجراءات لمعالجة فقر أفريقيا في الطاقة. ويشار إلى أن "أيد رويس"، النائب "الجمهوري" في مجلس النواب الأميركي عن ولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب؛ و"إليوت أنجيل"، النائب "الديمقراطي" عن ولاية نيويورك والعضو البارز في اللجنة بمشروع "قانون كهرباء أفريقيا 2013"، الذي يعالج بعض القيود في مبادرة "انشروا الطاقة في أفريقيا"، وله هدف تكميلي وهو توفير إمكانية الحصول على الطاقة لأكثر من 50 مليون شخص بإقامة محطات لتوليد الكهرباء سعتها 20 ألف ميجاوات بحلول عام 2020. ومن المبهج أن يرى المرء أوباما والكونجرس الأميركي والأممالمتحدة والبنك الدولي يركزون على تعزيز إمكانية الحصول على الطاقة في أفريقيا جنوب الصحراء. وهم يعلمون جيداً أنه دون مصدر يعتمد عليه للطاقة، فإن المريض يعالج في مستشفيات تفتقر إلى المعدات، واللقاحات التي تحتاج إلى تبريد يمكن أن تفسد، والطلاب لا يستطيعون الدراسة في الظلام والتعاملات الاقتصادية تتزايد صعوبتها. وباعتباري أول امرأة تتولى رئاسة دولة أفريقية، يقلقني التأثير غير المتناسب لفقر الطاقة على النساء والفتيات. ففي كثير من المناطق التي بلا كهرباء، تضطر النساء والفتيات لقضاء ساعات من اليوم للحصول على الوقود والأخشاب-وهذا في الغالب سبب محوري في أن الفتيات يقضين وقتاً أقل في المدارس من الفتيان. والنساء يصبن أيضاً بشكل غير متناسب بأمراض التنفس نتيجة تلوث الهواء داخل المنازل بسبب إشعال الأخشاب والكيروسين المستخدم في الطهي والتدفئة والإضاءة. حتى مجرد الخروج من المنازل أصبح محفوفا بالمخاطر للنساء والفتيات في بعض المناطق عندما تغرب الشمس وتصبح الشوارع مظلمة. ويقول البنك الدولي: إن 1.2 مليون شخص، خمس سكان العالم تقريباً، لا يمكنهم الحصول على الكهرباء. وأعلى تركيز لهؤلاء في أفريقيا جنوب الصحراء حيث يوجد أكثر من 550 مليون شخص ليس لديهم كهرباء. ويستخدم "استاد كاوبويز" بالقرب من دالاس في ولاية تكساس الأميركية طاقة أكثر من إجمالي ما تنتجه محطات الطاقة في بلادي. وتنفق الأنشطة الاقتصادية الصغيرة نحو 57 في المئة من كلفة تشغيلها على الطاقة وحدها، مما يجعل تحقيقها أرباحاً من شبه المستحيل. والزعماء الأفارقة يقومون بواجبهم، وينفذون خططاً جريئة لتعزيز إمكانية الحصول على الطاقة للشعوب ويلتزمون بترشيد مصادرنا من الطاقة. وأنا وقعت في منصبي كرئيسة للبلاد قراراً تنفيذياً يؤسس وكالة الطاقة المتجددة والريفية الليبيرية وصندوق الطاقة الريفية لتقديم خدمات الطاقة الحديثة للمناطق الريفية. وبدعم من الولاياتالمتحدة والنرويج والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي نحقق تقدماً تجاه إضاءة المصابيح في ليبيريا. ويهتدي التزامي بهذه المهمة بمعرفة إن إمكانية الحصول على طاقة يعتمد عليها هو شرط أولي لكل جوانب الحياة الحديثة- من الإضاءة الكافية والتدفئة والطهي إلى التصنيع والزراعة والنقل والاتصالات والنمو الاقتصادي ذاتي الاستدامة. وشهدنا في ليبيريا كيف حققت الشراكة مع الولاياتالمتحدة تغيرات هائلة في حياة الناس. فقد استطعنا أن نبني طرقا ومدارس ومستشفيات بفضل مشاركة من الدعم الأميركي. وعلى امتداد القارة، أُنقذت حياة ملايين الأشخاص بسبب برامج مثل خطة الرئيس الأميركي للطوارئ للإغاثة من الإيدز وبرنامج التحالف العالمي للقاحات والتحصين. ولدى الولاياتالمتحدة فرصة فريدة الآن لتشارك مرة أخرى مع الأفارقة في العمل على توفير إمكانية الحصول على الطاقة الحديثة. والتزم أكثر من عشرين دولة أفريقية بالفعل بدعم هدف توفير إمكانية الحصول على الطاقة للجميع في العالم بحلول عام 2030، عبر مبادرة الأممالمتحدة للطاقة المستدامة للجميع. وعبر الجمع بين هذه الإرادة السياسية والأدوات والخبرة والدعم من الحكومة الأميركية والقطاع الخاص يمكننا أن نوفر الطاقة لملايين من الناس لأول مرة. *رئيسة ليبيريا والحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011 ينشر بترتيب مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس" المصدر: الاتحا الاماراتية 4/9/2013م