الولايات المتحدةالأمريكية ليس معروف عنها الوفاء بالعهود والمواثيق والثقافة السياسية الأمريكية لا تعرف قط مبدأ (خد وهات) فهي لا تؤمن إلا بمبدأ القوة الذي يعتمد دوماً على (هات)، وتاريخياً يعرف عنها انها تفرح الآخرين بحقوقهم بمعني أنها تجعل من حقوق الآخرين عطايا ومنتاً تمن وتستكثر بها عليهم فهي تسلبهم حقوقهم بالقوة المادية والناعمة وتستأثر بها حتى يتقادم عليها العهد ثم تأتي لتعيدها إلى أصحابها (بالقطارة) في شكل عطايا وأفضال وحوافز وجزرات تماماً كاللص الذي يسرق متاعك ثم يبيعك إياه مرة أخرى. فالآباء الأوائل المؤسسون لهذه الدولة أقاموها على أرض مغتصبة من أصحابها الهنود الحمر الذين استضعفوهم وأذاقوهم الذل والمهانة والقهر، ثم قاموا برحلات إلى إفريقيا فاستجلبوا منها (العبيد) واستعبدوهم شر استعباد شهد به العالم كله، ثم قاموا بعد أن ساموهم سوء العذاب بتفريحهم بالحرية وإعطائهم حقوقهم المدنية ومنوا عليهم بها مع أنهم هم من سلبهم هذه الحرية وتلك الحقوق أول مرة، وفي التاريخ الحديث أمثلة كثيرة لعل أبرزها المثال العراقي الذي غزته واحتلته دون وجه حق وبناء على معلومات مفبركة عمداً وقصداً وبذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل وقد اتضح للعالم بعدها أن بغداد ليس لديها أسلحة تقليدية ناهيك عن أن تكون من ذوات أسلحة الدمار الشامل، فغزوا العراق واحتلوه ونهبوا خيراته وعاثوا فيه فساداً ثم بعد أن قضوا وطرهم منه امتنوا على أهله بالانسحاب وتسليم مقاليد أمره لمن يثقون في ولائهم وتبعيتهم ففرح العراقيون وفرحنا بالمنة والفضل والوفاء الأمريكي الذي هو في حقيقته حق مسلوب منا ما كان ينبغي لأمريكا أن تأخذه ابتداء. والإشارات السالبة التي صدرت أمس الأول من واشنطون والتي ألمحت فيها إلى احتمال عدم منح الرئيس البشير تأشيرة دخول لحضور دورة الانعقاد الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة وحضور منتدى القادة الأفارقة المنعقد على هامش الدورة، هذه الإشارات السالبة لا تخرج عن إطار ما ذكرناه انفا وتأتي في سياق السلوك الخشن والمعوج الذي ظل يطبع حركة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه السودان منذ أكثر من عقدين. وبهذا التطور الجديد تكون الولاياتالمتحدة قد أدخلت ضمناً مسألة (الجنائية) في معادةل تطبيع علاقاتها مع السودان وإضافتها إلى قائمة شروطها المتجددة دوماً لشطب أسم السودان من قائمة الإرهاب ورفع عقوباتها الاقتصادية الجائزة عنه وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية الحالية ليس في نيتها أصلاً تطبيع العلاقات مع السودان، لأن التطبيع يقتضي أن يتم ترفيع مستوي التمثيل الدبلوماسي الحالي من درجة قائم بالأعمال إلى درجة سفير يتم اعتماد أوراقه من قبل الرئيس البشير وفق الأعراف الدبلوماسية كذلك ستقف الجنائية حائلاً يحول دون انسياب نهر العلاقات الطبيعية والانخراط المتبادل في الشأن الثنائي ولن تشهد تطوراً وحراكاً في مستواها الأعلى وستكون شبه مجمدة، فإذا كانت الإدارة الأمريكية تنظر إلى الرئيس عبر منظار الجنائية وكونه مطلوباً للمثول أمامها فلن تقبل على هذه الخطوة أبداً لأنها ستفسر على أنها اعتراف ببراءة الرئيس البشير وعدم موضوعية القضية برمتها مما يعني نسفها وطي ملفها وهو ما لن ترضي به مجموعات الضغط الأمريكية العقائدية المعادية للسودان والساعية دوماً إلى قطع الطريق أمام أي تقدم قد يحرز نحو تحسين العلاقات بين البلدين. نقلاً عن صحيفة الأخبار 19/9/2013م