مع تطور الأحداث في السودان، توزعت القوى الحزبية على مشهده السياسي، بالتفاعل حيناً وبالركون إلى إرثها قبل اندلاع الأحداث حيناً آخر، لكن الشاهد أن كل القوى السياسية احتلت المشهد بطريقة أو أخرى، غير أن تأثيرها في الأحداث تباين، رغم تحالفها تحت مظلة واحدة هي التحالف الوطني المعارض، فتارة يرتفع لحد الطبعة الناصعة في نهايات القرن الماضي، وتارة ينخفض إلى النسخ الباهتة خلال مطلع الألفية، غير أن الجميع يقرون هدفاً واحداً هو إسقاط النظام، ويختلفون في الوسائل بما فيها تكوين الحكومة القومية الجامعة . حزب الأمة حزب الأمة القومي المعارض بزعامة رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي الذي يعد من أقوى تنظيمات المعارضة فعالية وتنظيماً، يبدو أنه يفضل أن يكون قائداً لحركة الاحتجاج، لا أن يكون ملتحقاً بها، لذلك فسر كثير من المراقبين تصريحات أدلى بها المهدي عقب يومين من الاحتجاجات في هذا الاتجاه، حيث قال المهدي "إن حزبنا سيسير احتجاجات سلمية لتسليم مذكرة احتجاجية وسيقوم بالتنسيق مع بقية القوى السياسية للتحضير لاعتصامات تعم ميادين البلاد، في يوم معلوم ولكنه لم يحدد ذلك اليوم حتى الآن" . وقبل يومين ومع تنامي الاحتجاجات وسقوط الضحايا أصدر بياناً طالب كافة أحزاب المعارضة بالنزول إلى الشارع لقلب النظام، ولكن ثمة شكوكاً في أن التعليمات لم تصل بعد لقواعد الحزب في أنحاء البلاد للقيام باحتجاجات منظمة في الشارع . الحزب الاتحادي الديمقراطي "الأصل" أما الحزب الاتحادي الديمقراطي "الأصل"، الذي غادر زعيمه محمد عثمان الميرغني البلاد مع انطلاق شرارة الاحتجاجات، فقد بدت مواقفه مضطربة في بداية الأمر، وصرحت قياداته المشاركة باسمه في الحكومة، بتأييد القرارات الخاصة برفع الدعم عن المحروقات، وبعلمها وتأييدها المسبق لهذه القرارات عند مناقشتها داخل أروقة الحكومة، التي هي جزء منها، بيد أن قيادات بارزة أخرى سارعت إلى نفي تأييد الحزب لتلك القرارات، وأعلنت رفضها لاستخدام العنف ضد المحتجين، كما كشفت عن اجتماع ستعقده قيادة الحزب للنظر في الانسحاب من المشاركة في الحكومة، ولكن ذلك الاجتماع تأجل لاكثر من مرة . وفي حال تخلص الحزب الاتحادي من موقفه الضبابي وتوحدت قيادته نحو اتجاه تأييد التظاهر فإن ذلك دون شك سيكون بمثابة دعم هائل للانتقال بحركة الاحتجاجات إلى ثورة منظمة بفضل التأييد الذي سيحدث وخاصة من طائفة "الختمية" التي تدين بالولاء التام للحزب وزعيمه الميرغني . الحزب الشيوعي ويعتقد على نطاق واسع أنه المتهم الرئيسي من جانب الحكومة بالوقوف خلف الاحتجاجات ودعمها بالتنسيق مع الحركات المسلحة متمثلة في الجبهة الثورية، بل إن مسؤولين في الحزب الحاكم، ذكروا أن الحزب قام عبر الأمين العام للجبهة الثورية ياسر عرمان، الذي كان ينتمي للحزب في السابق، بإدخال عناصر وأسلحة من الجبهة للخرطوم لاشعال الأوضاع . وينشط الحزب عبر عناصره بالخارج في الصفحات والمجموعات الداعمة للثورة في مواقع التواصل الاجتماعي مثل "شرارة" و"التغيير الآن" و"أبينا" و"قرفنا"، وتعد تلك الصفحات هي الأقوى تأثيراً إلى الآن في نقل الأخبار وسط السودانيين، وخاصة المتعاملين مع الشبكة العنكبوتية في ظل التعتيم الإعلامي . حزب المؤتمر الشعبي أما غريم الحكومة اللدود حزب "المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي، فقد أيد الاحتجاجات منذ الوهلة الأولى، بيد أن غياب بصمته على الحركة الاحتجاجية يبدو واضحاً، لأنه عندما يتحرك ضد حلفائه السابقين، ولو من وراء ستار، يتضح ذلك سريعاً من خلال حملة اعتقالات في صفوف قيادات الحزب وهذا لم يحدث إلى الآن بصورته المعتادة . وضعف وجود الحزب مرده حسب مراقبين سببان الأول أن قطاعاً واسعاً من السودانيين لا يزالون على قناعة بأن كل ما يحدث اليوم يتحمل الترابي وحزبه جزءاً كبيراً منه . جماعة "السائحون" "السائحون"، مجموعة كبيرة تضم شباب الحركة الإسلامية من الذين قاتلوا مع الإنقاذ خلال سنوات الحرب الأهلية في الجنوب، طفت على السطح بقوة منذ أكثر من عام، بدعواتها المتكررة للاصلاح داخل الحكومة وانتقادها المستمر لفساد المسؤولين، ونحت هي الأخرى مبكراً نحو تأييد التظاهر السلمي، بيد أن فعالياتها على الأرض محدودة نسبة لوجود انقسام داخل عضويتها بسبب ولاء بعضهم لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وآخرين لجناح المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي، لذلك اكتفت بموقف المتفرج أكثر من المشارك . ومع سقوط قتلى في الاحتجاجات صعدت "السائحون" من موقفها نسيباً بإصدار بيان، دعت فيه صراحة ولأول مرة، أعضاءها في الخرطوم والولايات وجماهير الشعب السوداني لمواصلة التظاهر السلمي لمناهضة القرارات الاقتصادية الظالمة وإدانة القتل وإزهاق الأرواح وسفك الدماء وشجب كافة أشكال العنف والتخريب . المصدر: الخليج 1/10/2013م