أثارت تغطية القنوات الفضائية لما يجري حاليا من احتجاجات في أعقاب حزمة الإجراءات الاقتصادية ، العديد من التساؤلات حول مهنية تلك القنوات ، إذ وصفتها التصريحات الحكومية بأنها لم تكن مهنية بل كانت سياسية بامتياز، الأمر الذي أدى إلى إغلاق مكاتب قناتي ( اسكاي نيوز) و( العربية) بالخرطوم ، وفق ما يقول وزير الإعلام السوداني د.احمد بلال عثمان ،"إن قناة العربية الفضائية عمدت مع سبق الإصرار والترصد صنع ربيع عربي بالسودان بالأكاذيب الملفقة"، مشيرا إلى انها قامت بإذاعة صور تشير لانضمام القوات المسلحة السودانية للمتظاهرين ،" على خلاف الحقيقة" ، مؤكدا من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد أمس الأول إن " تلك الصور تم التقاطها أثناء تحرير القوات السودانية منطقة (ابو كرشولا)" ، التي تم استردادها من المتمردين في ابريل الماضي ، وظهر فيها تلاحم الشعب مع الجيش ، وأظهرت هذا المشهد على انه يحدث بالخرطوم الآن ، وان هذا يعد خطا إعلامياً موجها ومرتبا ومحرضا على الفتنة" على حد تعبيره. تصريح ووزير الإعلام السوداني أعاد للأذهان الجدل الذي صاحب تغطية الفضائيات العربية والأجنبية الناطقة بالعربية للثورات الشعبية التي اشتعلت في أكثر من بلد عربي ، فثمة من رأي تغطية هذه القنوات تحريضا مختلقا مرتبطا بأجندات خارجية أجنبية وإقليمية بينما ذهب آخرون إلى حد اعتبار هذا الإعلام المساهم الرئيسي في صناعة الثورة من خلال كسر جدار الخوف الذي أقامته الأنظمة الدكتاتورية لسنوات طويلة ، وبين هذا الرأي وذاك يبقى دور الإعلام ومدى حياديته ومنهجيته في هذه الظروف الاستثنائية التاريخية اكبر مثير للجدل والتساؤلات التي حاولت الخرطوم الإجابه عنها من خلال هذا التقرير ، حيث يلحظ الراصد لمجريات الأحداث إن التوسع الذي شهده البث الفضائي التلفزيوني ، أتاح الفرصة لظهور قنوات تلفزيونية رصينة تهتم بتقديم جرعة متوازنة من المعرفة للمشاهد وبخاصة في مجالات الأخبار والشؤن العامة والبرامج الاجتماعية والثقافية والتفاعلية، و مما لا شك فيه إن هذا الفضاء من المعرفة ساعد الجمهور في المنطقة العربية على مواكبة التطورات والأحداث والاطلاع على التجارب الثقافية والعلمية المفيدة بهدف بناء شخصية متوازنة للفرد ومتحرره من سياسات التوجيه أو التأطير الرسمية ، واسهم هذا المجال إلى حد ما في تمكينه من إن يكون عنصرا بناء في مسير التطور. يلحظ الراصد لمجريات الأمور إن الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي ، اعتادت فبركة الرأي العام ، من خلال اختراع أجماعات وتوافقات لا توجد على ارض الواقع ، إذ إذا ما اشرنا إلى إن "وجهات النظر ستختلف حيال تغطيات القنوات المختلفة للثورات العربية، وذلك تبعا لمواقف الدول التي تملك تلك القنوات والى أي مدى تعبر تلك القنوات عن سياسات دولها "، اذ يصعب تقبل فكرة إن مجرد إبراز أحداث سياسية معارضة للنظام القائم ، هي عمل إعلامي بحت ، لأنها تحمل مضامين سياسية أيضا لكن في الوقت نفسه لا ينبقي التخوف من ذلك لان السكوت عنها هو عمل سياسي أيضا...