أبدى محللون اقتصاديون في مصر، مخاوفهم من تعرض مدخرات المودعين في البنوك المصرية للتأكل، بسبب الارتفاع المتواصل في معدلات التضخم، واستمرار البنك المركزي المصري في تخفيض أسعار الفائدة. وسجلت معدلات التضخم لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلى مستوياتها في نحو 4 سنوات، مسجلة 14.2% على أساس سنوي، فيما قررت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي، يوم الخميس الماضي، تخفيض أسعار الفائدة للإيداع والإقراض لليلة واحدة، بواقع 50 نقطة مئوية، لتبلغ 8.25% للإيداع و9.25% للإقراض. ويأتي تخفيض سعر الفائدة بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعد تثبيتها خلال شهر نوفمبر، فيما كان قد تم تخفيضها خلال شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين. وقال أحمد آدم، المحلل المصرفي، إن استمرار تخفيض أسعار الفائدة في ظل ارتفاع معدلات التضخم، سيؤدي حتما إلي تأكل ودائع المصريين بالبنوك. وشهدت أسعار الفائدة على الودائع انخفاضا ملحوظا بالبنوك المصرية الكبرى خلال الشهور الثلاثة الماضية ، ونال الخفض أبرز الأوعية الادخارية فى القطاع المصرفى وفى مقدمتها شهادات الاستثمار والشهادتين "البلاتينية" و"التميز′′ اللذين يصدرهما البنك الاهلى المصرى وبنك مصر الحكوميين . وأضاف آدم، في اتصال هاتفي لوكالة الأناضول :" هدف البنك المركزي من تخفيض سعر الفائدة، هو تخفيف عبء خدمة الدين المحلي الذي بلغ حاليا 1.7 تريليون جنيه، بعد أن كان 1.5 تريليون جنيه في 30 يونيو/ حزيران الماضي، وذلك للحد من ارتفاع عجز الموازنة، حيث يتبع البنك هذه السياسة منذ عام 2009. وقال صندوق النقد الدولي في تقرير حديث له، إن الدين العام في مصر وصل إلى نحو 90% من إجمالي الناتج المحلي. وبلغ عجز الموازنة العام لمصر خلال العام المالي الماضي 2012-2013، نحو 240 مليار جنيه (34.8 مليار دولار)، بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي، حسب وزارة المالية. وقال آدم :" ارتفاع معدلات التضخم كان نتيجة طبيعية في هذا التوقيت، بسبب ارتفاع أسعار السلع الرئيسية نتيجة انخفاض قيمة الجنيه المصري". وبحسب التقرير الشهري للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري عن أسعار المستهلكين الصادر يوم الثلاثاء الماضي، ارتفعت أسعار المياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالسكن بنسبة 13.8%، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مقارنة بشهر أكتوبر السابق، كما زادت أسعار الكهرباء ومواد الوقود الأخرى بنحو 14.9%. ويرى المحلل المصرفي، أن " البنك المركزي المصري بتخفيضه سعر الفائدة، يهدف بالوصول إلي سعر الفائدة علي اذون الخزانة والسندات لنحو 10%، كما طالب وزير المالية المصري أحمد جلال في أغسطس/آب الماضي، والذي يطبق سياسية انفاق توسعية". وتراجعت أسعار الفائدة على أدوات الدين الحكومية، التي تعد البنوك الحكومية المشتري الأكبر لها، بواقع 5% منذ نهاية يونيو/حزيران 2013، إلى ما دون 11% للأذون مقابل 16% قبل ذلك التاريخ. وحسب دراسة لوزارة المالية، فإن انخفاض أسعار العائد على الاقتراض الحكومي محليا يوفر نحو 30 مليار جنيه من مخصصات الفوائد بالموازنة العامة للدولة. وقال فخري الفقي، مساعد رئيس صندوق النقد الدولى السابق إنه " رغم تحفيض سعر الفائدة، إلا أن الإيداع في البنوك سيظل هو الأكثر جاذبية لأدوات الاستثمار في مصر، لأنه أكثر عائدا وأكثر أمانا". وبلغت قيمة ودائع العملاء في البنوك المصرية بحسب نشرة البنك المركزي الشهرية الصادرة الأسبوع الماضي نحو 1.2 تريليون جنيه في نهاية أغسطس/آب 2013. وأضاف الفقي في اتصال هاتفي لوكالة الأناضول :" أوجه الاستثمار الأخرى في مصر غير جاذبة للمصريين للاستثمار فيها لأنها أكثر مخاطرة وأقل في العائد، فسعر الفائدة علي الدولار منخفض للغاية، وأسعار الذهب متقلبة بشدة، وسوق الأوراق المالية متأرجح، وإنشاء مشروع جديد للمدخر الصغير أو المتوسط، تتعاظم نسبة المخاطرة فيه، في ظل الظروف غير المستقرة التي تمر بها البلاد". وبحسب مساعد رئيس صندوق النقد السابق:" البنك المركزي يهدف عند تخفيض سعر الفائدة إلي تنشيط الاقتصاد والقطاع الخاص علي الاقتراض، فمعدلات الإقراض بالبنوك المصرية بلغت في الفترة الماضية نحو 46% من إجمالي الودائع، منها 25% اقتراض حكومي لتمويل عجز الموازنة، و21% فقط قروض للقطاع الخاص". وترى بسنت فهمي، المحللة الاقتصادية ونائب رئيس حزب الدستور، أنه لا يمكن إنكار أن تخفيض أسعار الفائدة في ظل ارتفاع معدلات التضخم يؤثر على مدخرات المصريين في البنوك، لكن تخفيض سعر الفائدة، له فوائد أكثر من سلبياته. وقالت فهمي في اتصال هاتفي مع الأناضول، إن الحد من ارتفاع معدلات التضخم هو مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولي وأجهزتها الرقابية التي يجب أن تراقب الأسواق بصورة فاعلة، ثم تكون بعد ذلك مسؤولية البنك المركزي. وأضافت :" تخفيض سعر الفائدة يخفض عبء خدمة الدين المحلي، وتشجيع القطاع الخاص علي الاقتراض لزيادة معدلات النمو، وتنشيط سوق الأوراق المالية، وهي ايجابيات أكثر فائدة للاقتصاد المصري، من توقعات التأثر السلبي لمدخرات المصريين بهذا القرار، في حالة الاستمرار في سياسة تخفيض سعر الفائدة". وتقول الحكومة إنها تستهدف تحقيق معدل نمو بنحو 3.5% بنهاية العام المالي الحالي الممتد في الفترة من يوليو/تموز 2013، حتى نهاية يونيو/حزيران المقبل، مقارنة بنحو 2.2% في العام المالي الماضي 2012-2013. لكن أحمد إبراهيم، المحلل المالي، قال إنه " ليس معنى أن الإدخار بالبنوك في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة هي الأكثر أمانا أن يتم تخفيض أسعار العائد على الأموال المدخرة، لمجرد أن الحكومة ترغب في تحسين موقفها المالي بخفض عب الدين المحلي.. هناك ملايين المصريين يعيشون على العائد المتوفر من أموالهم المدخرة بالبنوك". وأضاف :" هناك غياب تام في الرقابة على الأسواق وانفلات أسعار السلع .. ضبط الأسواق هو مفتاح إصلاح العديد من الأمور في البلاد قبل أن تلجأ الحكومة لخفض أسعار الفائدة، خاصة أن أصحاب الاستثمارات لا ينظرون إلى التمويل المصرفي في ظل الظروف الراهنة هو الأساس لتنشيط أعمالهم، وإنما الاستقرار السياسي والاقتصادي هو البداية الرئيسية للجميع′′. المصدر: رأي اليوم الالكترونية 14/12/2013م