تقف الحركة الشعبية الآن وفي وسط كل هذا الخضم السياسي الهادر في السودان، وقبالة أضخم عملية سياسية تشهدها البلاد، تقف وحيدة منطوية على نفسها وعازلة لها سياسياً! وقد تبدو هذه الحقيقة غريبة للوهلة الأولى ولكنها في الواقع هي الحقيقة المؤكدة اذ أن الحركة ليس لها حلفاء ولا أصدقاء في الساحة السياسية يمكن القول انها منسجمة معهم، ومرتبطة بهم رباطاً سياسياً وثيقاً. صحيح أن شريكها المؤتمر الوطني سعى للسير معها لعبور نهر الاستحقاق الانتخابي ولكنها تمنّعت أو شعرت بقدر من الزهو الكاذب، وصحيح أيضاً أن قوى جوبا الذين لبُّوا دعوتها وجلسوا معها وتوافقوا على برنامج حد أدنى وان كان تكتيكياً، حاولوا التحالف معها. وصحيح أيضاً أن قوى خارجية في مقدمتها الولاياتالمتحدة وفقاً لما نقل عن جندي فرايزر مساعدة وزيرة الخارجية السابقة في عهد بوش الإبن راهنت عليها وبدت كمن تقف داعمة لها وتشد أزرها. هذا كله صحيح، ولكن الواقع – للأسف الشديد – يشير الى غير ذلك، فالمؤتمر الوطني حين اقترب من الحركة قبالة هذا الإستحقاق الانتخابي – كما هو ثابت من تصريحات في الصحف من الطرفين – قدم للحركة (حوافزاً سياسياً مجانية)، حين ترك لها الجنوب بلا منافس من جانبه ولو أراد تقديم منافسين بالطبع لفعل ولعلنا هنا وبرغم أية مآخذ نأخذها على المؤتمر الوطني وللإنصاف المتجرد نلاحظ أن المؤتمر الوطني تعامل بقدر من (الحنو السياسي) – اذا جاز التعبير والشفقة مع الحركة الشعبية اذ أنه لا يريد لها أن تتزعزع جماهيرياً في الجنوب فتضطرب اتفاقية السلام الشامل كما لا يريد لها خسراناً مبنياً يضعفها ومن ثم يجعل المعادلة السياسية تختل وتؤثر على مستقبل العملية السلمية خاصة بالنسبة للجنوب. ولكن الحركة – لسوء تقديراتها وسوء حساباتها – تمنّعت وتظاهرت بأنها قوية ومتاح أمامها التحالف مع من تشاء، غير أنها سرعان ما أدركت هول المصيبة السياسية التي تواجهها حين خرج منها (350) قيادياً ترشحوا مستقلين عنها في الجنوب ليشكلوا تهديداً عنيفاً ومباشراً لمرشحيها ثم وهي في هذه المصيبة اذا بها تفاجأ بموقف حلفائها في تحالف جوبا يطالبون بتأجيل الانتخابات وهي تعلم في قرارة نفسها أن تأجيل الانتخابات يستتبع تأجيل استحقاق الاستفتاء لتلازم الاستحقاقين وارتباطهما معاً وفقاً لما قررته نيفاشا 2005 والدستور الانتقالي سن2005ة ولهذا فقد تحاشت – وهي تحس بحرج سياسي شديد – التوقيع على مذكرة قوى جوبا المطالبة بالتأجيل. وكانت هذه في الواقع هي الإشارة الكبرى المؤثرة التي تشير الى أن الحركة ليس لها حلفاء، فمصالحها – على قلّتها – متعارضة، ورغباتها الجامحة لا تملك لها أجنحة وقد عافت الارتباط مع شريكها الوطني خوفاً من أن تفقد بقية القوى السياسية، وفي الوقت نفسه فإن بقية القوى السياسية أدركوا أنها تذبذب مواقفها هذه، وأنانيتها السياسية وانكفائها على إقليمها ليست أهلاً للتحالف. وهكذا فإن الحركة الشعبية هي القوة السياسية الوحيدة الآن التي تعيش حالة (إنطواء سياسي حادة) وصل الى درجة وقوف حركة عبد الواحد محمد نور ضدها وتوجيه قواعدها بعدم التصويت لمرشحي الحركة!!