شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع وهي تتفاعل مع زوجها الذي ظهر وهو يرقص ويستعرض خلفها    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    ناس جدة هوي…نحنا كلنا اخوان !!!    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    مصر والأزمات الإقليمية    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية: دمج جميع القوات الأخرى لبناء جيش وطني قومي مهني واحد اساسه القوات المسلحة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أسطورة فرنسا: مبابي سينتقل للدوري السعودي!    عقار يلتقي مدير عام وحدة مكافحة العنف ضد المرأة    الداخلية السعودية تبدأ تطبيق عقوبة "الحج دون تصريح" اعتبارًا من 2 يونيو 2024    دورتموند يصعق باريس ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل من تركيا ويتلقى التعازي في وفاة ابنه    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روسيا و أوراق اللعبة الأمريكية المُتغيّرة (1)
نشر في سودان سفاري يوم 03 - 02 - 2014


أمريكا و سياسة "إزدواجية الأوراق"
لا تزال مقولة "لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة إنما هناك مصالح دائمة" هي القاعدة الذهبية التي تشكل جوهر السياسة الأمريكية، لكن ما تغير في العمق هو الأسلوب، بحيث لم تعد أمريكا تعتمد سياسة الإصطفافات الواضحة إلى هذا الجانب أو ذاك في تنفيذ رؤاها وخياراتها الإستراتيجية لتأمين مصالحها وتعزيز نفوذها في هذه المنطقة أو تلك، بل تحولت إلى ما يمكن تسميته بتكتيك "إزدواجية الأوراق" التي تضفي "مرونة" وفي نفس الوقت "غموضا" على سياساتها، بهدف إرباك الخصوم من خلال ظاهرة التصريحات المتضاربة، والمواقف المتناقضة، والسياسات المتعارضة، وقول ما لا تفعله و فعل ما لا تقوله.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية قد نجحت في تضليل الإعلام الدولي، وخديعة المحللين الموضوعيين الذين ينطلقون في عملهم من المعلومات المتاحة، ويلتزمون بما هو متوفر لديهم من معطيات ووثائق وشهادات، إلا أنه على مستوى صناعة السياسات في موسكو وطهران مثلا، يتم التعامل مع هذه "الإزدواجية الخادعة" بسياسات أخرى مختلفة، يمكن وصفها ب"لعبة الأوراق المُتغيّرة"، التي تعتمد مبدأ تغيير قواعد اللعبة لإرباك المقاربات الأمريكية المخاتلة، وإفشال أهدافها تباعا، لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من دون أن يكون بيدها أوراق قوة تستطيع من خلالها فرض إرادتها المتعجرفة.
فعلى سبيل المثال، تعلن أمريكا جهارا نهارا وفي كل وقت وحين أنها تحارب الإرهاب، وأن حملاتها الأمنية والعسكرية ضد الإرهاب لم تتوقف منذ 11 أيلول/شتنبر 2011، وأنها هزمت الرعيل الأول من القاعدة في أفغانستان وقتلت رأس التنظيم الدولي ل"القاعدة" ‘أسامة بن لادن'، غير أن نجاح هذه المنظمة في تجديد قواعدها واستراتيجيات انتشارها وأساليب عملها من جيل أفغانستان إلى جيل العراق فجيل سورية، يجعل من الحرب على الإرهاب خيارا مستمرا بالنسبة للإدارة الأمريكية في أكثر من مكان. وهذا بالتحديد هو المدخل المعتمد حتى اليوم لتدخلها في شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا، وذلك من خلال استغلال أدواتها في صناعة وتمويل الإرهاب بالوكالة كالسعودية وقطر وباكستان على وجه الخصوص، ولا نتحدث هنا عن الدول الداعمة للإستراتيجية الأمريكية كإسرائيل وتركيا والأردن وغيرها.
غير أنه من حيث الواقع، يعرف العالم أن أمريكا هي من أسست القاعدة أول مرة في أفغانستان، وهي من دعمها ولا تزال في العراق وسورية وليبيا وتونس واليمن ومصر وباكستان وغيرها، بهدف إستغلالها كورقة لفرض سياساتها الإستعمارية تحت عنوان مكافحة الإرهاب. لكن هذا لا يعني أنها تتحكم في كل الحركات التكفيرية سواء المنتمية للقاعدة أو غيرها، بل تواجه أمريكا والغرب عموما اليوم منظمات مُتمرّدة جديدة منفلتة من عقال السيطرة ك"داعش" على سبيل المثال لا الحصر، لكن ذلك لا يزعج الإدارة الأمريكية بقدر ما يضفي نوع من المصداقية على خطابها، ويعزز من شرعية حربها على الإرهاب خارج الحدود لضمان أمنها القومي كما تدعي.
الأمثلة أكثر من أن تحصى، لكن ما يحدث اليوم في العراق وسورية واليمن وليبيا وتونس ومصر وفي المغرب العربي جنوب الصحراء، هي أمثلة من "إزدواجية اللعبة" التي تُمكّن الإدارة الأمريكية من الإمساك بأوراق التغيير السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بل وآسيا أيضا، بما تعتقد أنه سيحقق رؤيتها ويفرض خياراتها ويحقق أهدافها ويخدم مصالحها.
ولعل ما يحدث في مصر اليوم هو المثال الحي لسياسة الغموض الأمريكية هذه، ومن يعتقد أن حلف السعودية – إسرائيل قرر فجأة إسقاط حكم الإخوان في المحروسة ضدا في إرادة الإرادة الأمريكية، فعليه إعادة قراءة أبجديات السياسة الأمريكية من جديد، لفهم كيف تُسرق الثورات بالخداع، وتصنع الديكتاتوريات من البوابة الديمقراطية، لإشاعة العجز في النفوس، واليأس في العقول من إمكانية حدوث أي تغيير يصب في مصلحة الشعوب التواقة للحرية والعدالة والكرامة والسيادة، خصوصا في الوطن العربي.
هذا الكلام لا يعني أننا نساند حكم الإخوان المجرمين الذين أسقطتهم السعودية وإسرائيل في مصر في القوت الذي يساندون ذات التنظيم في سورية ضد النظام واليمن ضد الحوثيين، بل ما نحن بصدده اليوم هو عودة الديكتاتورية العسكرية الفاسدة في المحروسة بحلة مدنية جديدة خادعة. وهذا هو سبب عدم رغبة روسيا في تسليح مصر بأسلحة نوعية، ورفض إيران التقرب من القاهرة رغم مساعى هذه الإخيرة لتحقيق ذلك بإيعاز من الإدارة الأمريكية، لأته لو كانت القاهرة تملك إرادتها وسلطة قرارها وتدعي أن توجهها قومي عروبي كما تقول، لأعادت العلاقات التي قطعت مع سورية في عهد ‘مرسي'، ولإقتربت من إيران زعيمة محور المقاومة، ولعلقت إتفاقية الذل والهوان مع الكيان الصهيوني، في إنتظار أن يقول ممثلو الشعب كلمتهم في مصيرها بمناسبة إنعقاد جلسات البرلمان المقبل، والذي كان يفترض أن يتم إنتخابه قبل الرئيس ‘السيسي'، الذي سيتنافس مع نفسه على المنصب، كحصان يخوض السباق وحيدا فيصل الأول ويفوز.
لم يمضي من الوقت إلا قليلا حتى كشفت اللعبة، وتبين عدم صدق ما قال به ‘حسنين هيكل' أثناء زيارته الأخيرة للبنان، من أن ‘السيسي' لن يترشح للرئاسة، ليتأكد أن السيد ‘هيكل' هو من يتولى حملة "الماركتينغ" السياسي لدعم ترشحه. كما أن قرار المؤسسة العسكرية بدعم هذا الخيار، يعتبر بكل المقاييس تدخلا سافرا من قبلها في السياسة، وهي المؤسسة التي تحولت بفضل الدستور الجديد إلى دولة داخل الدولة، وأصبح وزير الدفاع لا يخضع لسلطة رئيس الدولة في التعيين والإقالة، حتى لا يأتي رئيس مدني نزيه، يكشف عن المستور في مغارة علي بابا التي تخبىء فيها مؤسسة الجيش 40% من إقتصاد مصر والشعب يعيش الفقر المدقع.
والمتابع لتطورات الأحداث السياسية والأمنية في مصر منذ "30 يونيو" (بغض النظر عن إعتبارها ثورة أو إنقلابا)، يلاحظ بوضوح، كيف تم إستثمار الصراع السياسي بين "الإخوان" و "العسكر" وتحويله من "عنف سياسي" وفق التعريف القانوني الدولي للظاهرة إلى "إرهاب". وحيث أن الإخوان كانوا يستهدفون بالأساس قوات الأمن والجيش في ردهم على ما اعتبروه إنقلابا على شرعيتهم الديمقراطية، فقد كان لزاما إدخال عنصر "جهادي" جديد تحت مسمى "كتائب بيت المقدس" التي تنتمي إلى "قاعدة" ‘أيمن الظواهري' من قبل أمريكا بتمويل سعودي، لإشاعة الإرهاب في مصر بهدف تخويف الشعب ودفعه إلى الإلتفاف حول المؤسسة العسكرية، وإتهام الإخوان بالوقوف وراء هذه الظاهرة، لتبرير إعتبارهم جماعة إرهابية، وإلغاء دورهم تماما من الحياة السياسية والإجتماعية بعد أزيد من 80 سنة من التواجد السياسي والإجتماعي الفاعل.
والمفارقة، أنه في نفس الوقت الذي تحاربهم بالوكالة، استمرت أمريكا في دعمهم عبر تركيا وقطر إنطلاقا من ليبيا وشمال السودان وقطاع غزة (حماس)، لزعزعة الأمن في المحروسة، حتى لا يعرف هذا البلد إستقرارا يجعله يطمح للعب دور إقليمي في المنطقة، أقله لخمس سنوات قادمة إن لم يكن أكثر، ما يجعل ‘السيسي' والمؤسسة العسكرية تحت رحمة القرار السياسي الأمريكي والمساعدات المالية المحدودة، السعودية والإماراتية.. وهذا مثال صارخ من لعبة "إزدواجية الأوراق" الأمريكية.
لكن ماذا عن سورية؟
لقد تصرف الرئيس ‘أوباما' بغباء عندما ضغط على الأمين العام للأمم المتحدة لسحب دعوة إيران ومنعها من حضور مؤتمر "جنيف 2′′، اعتقادا منه أن غيابها عن العملية السياسية "المخادعة" سيحرمها من لعب دور مؤثر في مستقبل هذا البلد المركزي في محور المقاومة.
وبذات الغباء إعتقد ‘أوباما' أنه من خلال فرض وفد من كراكيز المعارضة العميلة كمفاوض وحيد للنظام الشرعي في دمشق، سينجح في تفجير المؤتمر وتحميل سورية مسؤولية الفشل، فتكفل السفير ‘فورد' بالتنفيذ حيث حاول جاهدا تمرير رؤية واشنطن للحل في سورية، والقائم أساسا على استبعاد الرئيس السوري من أي دور سياسي في سورية المستقبل كما صرح الوزير ‘جون كيري' باستعلاء أثناء الجلسة الإفتتاحية وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده على هامش مؤتمر ‘مونترو' قبل أسبوع.
الرئيس ‘بوتين' من جهته، أعرب بذكاء عن سعادته بانعقاد مؤتمر "جنيف 2′′، حيث قال خلال مؤتمر صحفي عقده عقب انتهاء قمة روسيا – الاتحاد الاوروبي الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني: أنه "من المهم اطلاق مؤتمر ‘جنيف 2′ اذ كانت عملية اطلاقه صعبة، ولكننا استطعنا من خلال الجهود المشتركة اطلاق الحوار السوري. ونقدر ما فعله شركاؤنا الاوروبيون".
هذا كلام سياسي ذكي، يعبر عن رغبة الروسي في التوصل لحل سلمي للأزمة السورية، ويعني ضمنا أنه في حال فشل المؤتمر فلن تكون سورية التي حضرت بوفد رسمي رفيع المستوى هي المسؤولة عن ذلك، وفي ذات الوقت، وجه الرئيس ‘بوتين' وزير خارجيته ‘سيرغي لافروف' ليضغط على الوفد الرسمي السوري كي لا ينسحب من المؤتمر حتى لو وصلت المفاوضات إلى حائط مسدود.
وهو ما قام به الوزير ‘لافروف' بالفعل، خصوصا حين أبدى الوفد السوري الرسمي عزمه العودة إلى دمشق في اليوم الأول من المفاوضات، بسبب سلبية الوفد المعارض وإصراره على مناقشة بند "الحكومة الإنتقالية" بدل "محاربة الإرهاب". وكانت كلمة السر الروسية: "استمروا في التفاوض حتى آخر يوم ولا تعلقوا آمالا على نجاح المؤتمر"، لأن اللعبة الروسية تدار على مستوى آخر مع الأمريكي.
وهو ما دفع بالوفد السوري للإنخراط في اللعبة المعاكسة من خلال قوله أن سورية ملتزمة ببيان "جنيف 1′′ مع بعض التحفظ، لكن يجب مناقشة بنوده بندا بندا قبل الوصول إلى المسألة السياسية التي ينص عليها البند التاسع. هذا معناه أن الأمر يتطلب عددا من المؤتمرات، تبدأ من مناقشة الأمور الإنسانية، فالمعتقلين، فوقف العنف، فمحاربة الإرهاب، وحين يسود الأمن والإستقرار في سورية وتنجح أمريكا في لم شمل المعارضة الخارجية والداخلية بكامل مكوناتها، حينها يسار إلى مناقشة قضية "الحكومة الإنتقالية" بعد الإتفاق على الدستور وقانون الإنتخابات وما شاكل.. هذه الإستراتيجية "العقلانية" كشفت الخدعة الأمريكية وأفشلت أهدافها الإنتهازية الخبيثة، وجعلتها مفضوحة أمام العالم لجهة تنصلها من إلتزاماتها ببند "محاربة الإرهاب" الذي يسبق المسألة السياسية وفق ترتيب البنود المعتمدة في بيان "جنيف 1′′.
وبالنسبة للروسي، كانت الغاية الأساسية من عقد المؤتمر الدولي "جنيف 2′′ واضحة، وتتمثل أساسا في إيقاف العنف بين النظام والمعارضة المسلحة "الجيش الحر"، وتقديم المساعدات الإنسانية، ومحاربة الإرهاب، ورفض التفاوض مع الإرهابيين المنتمين ل"الجبهة الإسلامية" التي صنعتها السعودية بطلب من أمريكا، بدل القفز على المراحل والبدأ بمناقشة مسألة رحيل الرئيس الأسد التي لا ينص عليها بيان "جنيف 1′′.
وقد أبدت روسيا مرونة تنسجم مع عقيدتها الإخلاقية وإحترامها للقانون الدولي عندما صرح الوزير ‘لافروف' في المؤتمر (الروسي – الأوروبي) الثلاثاء الماضي بقوله: إن "روسيا لا تدعم أشخاصا معينين في سورية، ولكننا مهتمون بالبلد الذي يُعدُّ مهد المسيحية في منطقة الشرق الأوسط الواقع الآن في قبضة الإرهابيين والمتشددين، والذين لا يؤمنون بأي دين، أولئك الذين يسرقون ويحرقون الأديرة والمساجد، ويقتلون الشيوخ والنساء والأطفال، ولا يمتون إلى الإنسانية بصلة".
هذا يعني بوضوح، أن الأولوية اليوم في سورية هي لمحاربة هذا الإرهاب الأعمى عدو الإنسانية جمعاء، والذي يهدد بالإنتشار إلى دول الجوار وأوروبا وأمريكا قريبا، لا التركيز على أمور شكلية من قبيل "رحيل الأسد" التي هي من صلب صلاحيات الشعب السوري الذي يحق له وحده إختيار حكامه و وضع أسس النظام السياسي والإقتصادي الذي يرغب فيه.
وقد كان لافتا تذكير الوزير ‘لافروف' للأوروبيين بذات المناسبة، بما حصل في يوغسلافيا حين طالب الجميع برحيل ‘ميلوشيفيتش'، وما حصل في العراق والطريقة التي أسقطت بها أمريكا حكم ‘صدام حسين' وما تلى ذلك من تفتيت للجيش وإنهيار سريع لمؤسسات الدولة وتقاتل بين مختلف مكونات الشعب، ثم كانت هناك ليبيا والطريقة البشعة التي تم بها قتل ‘القذافي' حتى لا يمثل للمحاكمة فيفتح كتاب أسرار الفساد على مصراعيه وما يمكن أن يسببه من إحراج لأمريكا و بعض من حكام أوروبا وعلى رأسهم الصهيوني الفرنسي ‘ساركوزي'.
وتذكير ‘لافروف' بهذه الأحداث الأليمة هي رسالة لأمريكا والغرب مؤداها، أنه إذا كان ما تسعى إليه إدارة ‘أوباما' هو إسقاط الرئيس ‘الأسد'، فالنتيجة لن تكون مختلفة عن البلدان السالفة الذكر. هذا معناه، أن الهدف الأمريكي لا علاقة له بالحرية والديمقراطية كما تزعم أمريكا، إنما هو إستمرار لنفس السياسة الإمبريالية التي حولت ‘البوسنة' إلى وكر للتكفيريين لهز الإستقرار في روسية والصين، وحولت ‘ليبيا' إلى مرتع للمرتزقة والمجرمين لزعزعة الأمن والإستقرار في مصر وفي شمال إفريقيا ومنطقة جنوب الصحراء، خصوصا تونس والجزائر ومالي وإفريقيا الوسطى والنيجر وغيرها... مثل ما حولت اليمن إلى خزان للإرهابيين العابرين للحدود نحو سورية.
وبالتالي فما يراد لسورية اليوم هو تحويلها لأكبر مستنقع للإرهاب في العالم، تستطيع من خلاله الإدارة الأمريكية قلب المعادلات السياسية في المنطقة إنطلاقا من تفكيك محور المقاومة الممتد من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق وسورية، بذريعة محاربة الإرهاب، بعد أن تسود الفوضى المنطقة ويضرب الموت في أوروبا، ما يجعل مجتمعات هذه القارة تتقبل خوض حكوماتها غمار الحرب الدولية على الإرهاب بزعامة أمريكا، إنقاذا لقيم وحضارة العالم الحر من هذا الشر المستطير.. وهذه هي إستراتيجية إشاعة الفوضى والخوف التي تكسب أصحابها ذهبا.
هذه هي أوراق اللعبة الأمريكية في المنطقة وهذه هي أهدافها التي تصب في مصلحة أمريكا لجهة فرض هيمنتها وضمان أمن إسرائيل وإستقرارها كدولة يهودية وذراع عسكرية قوية للغرب في قلب العالم العربي المفتت والضعيف، ما يتوجب إستبعاد إيران عن شؤون المنطقة، ولا بأس في سبيل ذلك من إرضائها بجزرة "النووي" التي قد تنفس عن شعبها بعضا من معاناته الإقتصادية في حدود ما تسمح به أمريكا في هذه المرحلة لا غير.
الوزير ‘جون كيري'، حاول نفي ما أسماه بالمزاعم حول نوايا بلاده في سورية قائلا في تصريح أدلى به قبل يومين: إن "أمريكا ستحمي الأقليات في سورية وخصوصا الطائفة العلوية"، الأمر الذي لا يصدقه عاقل في هذا العالم بسبب تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الأسود في هذا المجال.
عودة الحرب الباردة بين أمريكا و روسيا
لا وجود لإتفاق نهائي بين الأمريكي والروسي بشأن حل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها، بل كل ما هناك هو إتفاق إطار مبدئي، يقضي بالشراكة في حل النزاعات وفق مبدأ عدم التدخل العسكري وإحترام القانون الدولي.
هذا يعني أن المنافسة بين القويتين لكسب النفوذ هي على أشدها وستستمر في المستقبل المنظور على هذا الأساس، لأن أمريكا حتى الآن ترفض التخلي عن مناطق نفوذها التقليدية، بل وتطمح إلى قضم مناطق النفوذ الروسية من خلال إستراتيجيتها المعروفة ب"الفوضى البنائة" التي تعتمد نشر الإرهاب، وإشعال الفتن، والحروب بالوكالة، وتأليب المعارضات العميلة على الأنظمة المارقة للهيمنة على الدول المستهدفة حتى لو أدى الأمر إلى تدميرها بالكامل.
ولنا في ما يحدث اليوم في أكرانيا، المثال الحي الفاضح على الأسلوب الأمريكي الفج في الرد على دعم روسيا لسورية، وهي رسالة فهمها الروسي حين قال ‘بوتين' ذات تصريح: إن "أمريكا تريد أن تقايضنا سورية بأكرانيا"، وهو ما ترفضه روسية بالمطلق وتحضر للجواب عليه في الشرق الأوسط، وقد لا تكون السعودية بعيدة عن الإستهداف الروسي بشكل من الأشكال، كما قد لا تكون إسرائيل كذلك بعيدة عن الإستهداف السوري بمعية حزب الله في مرحلة لاحقة قد لا تتأخر كثيرا، في إنتظار الهجوم الكبير الذي تحضر له الإدارة الأمريكية بمعية السعودية وإسرائيل إنطلاقا من الأردن لإسقاط دمشق، وفق معلومات إستخباراتية غربية.
وتفيد آخر المعلومات المؤكدة، أن الإنتاج الحربي الصاروخي قد استأنف في سورية، وأن العمل قائم على قدم وساق في إنتاج صواريخ متطورة جديدة بمساعدة إيران لفائدة حزب الله تحديدا. كما ذكرت تقارير إستخباراتية من واشنطن، أن طائرات النقل الروسية الضخمة تحط صباح مساء في المطارات السورية منذ فترة، حيث تقوم موسكو بتزويد دمشق بمعدات وأسلحة عسكرية نوعية ومتطورة إستعدادا لإحتمالات الحرب القادمة مع إسرائيل والأردن، وقد لا تكون السعودية في منأى من النيران السورية.
وفي هذه اللعبة المدمرة للدول والشعوب التي تدور اليوم بين الدولتين الأقوى في العالم، ينخرط الحلفاء والشركاء، وتُحرّك الأدوات بمكيافيلية خبيثة من قبل الولايات المتحدة. ومع ذلك، ورغم كل ذلك، يبدو واضحاً ان التقدم هو لروسيا حتى الآن، غير أن النصر بالدبلوماسية لا يبدو ممكنا بسبب العناد والخديعة الأمريكية، التي تستبيح كل الأساليب الوسخة لتحقيق أهدافها الغير مشروعة، ضدا في إرادة الشعوب ومنطق الأمور ومبادىء الأخلاق وقيم القانون الدولي الإنساني.. ما يفتح الباب لإحتمالات التصعيد العسكري والحسم بالوكالة.
أما تركيا، فقد نجحت إيران بمساعدة روسيا في جرها إلى مكان آخر غير الذي كانت ترغب فيه أمريكا، بفضل إتفاق إستراتيجي كبير يفوق ما كانت تحلم به أنقرة من دور ومكاسب إقتصادية كبرى ستحولها إلى معلر للنفط والغاز الإيراني والسوري واللبناني إلى أوروبا، وستجعل من إقتضادها الأقوى في المنطقة بما يفوق المكاسب التي كانت تحلم بها من إنضمامها للإتحاد الأوروبي.
كما وأن هذا الإتفاق الجديد سيضمن للسلطان ‘أردوغان' إنقاذ عرشه من الإنقلاب الأمريكي الأخير الذي فجر الفساد في وجهه لإزاحته عن السلطة لفائدة حليفه القديم. وهو الموضوع الذي سنخصص له الجزء الثاني من هذه المقالة لأهميته الإستراتيجية في الصراع على المنطقة، خصوصا بعد أن وصفه الإمام خامنئي أول أمس، بأنه إتفاق إستراتيجي يُكرّس عمق المحبة والأخوة والتعاون بين إيران وتركيا، وقال عنه أنه غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين. وهذه ضربة جديدة تلقتها الإدارة الأمريكية في مقتل، حيث لم تنجح جهود الموفدين الأمريكيين في ثني أنقرة عن المضي قدما في التقارب مع إيران، في حين أن الرئيس ‘بوتين' كان قد مهد له مع ‘أردوغان' في زيارة هذا الأخير لروسيا قبل فترة.
مشكلة أمريكا أنها تفكر ببطىء، ولا تملك رؤية واضحة لما تريد تحقيقه، وتتصرف بردود أفعال ظرفية تنم عن غباء و إرتباك بعد فوات الأوان.. وها هي اليوم استفاقت متأخرة جدا عندما خططت سنة 2012 للإستدارة إلى منطقة شرقي آسيا سنة 2014، وذلك لمحاصرة الصين والإتحاد السوفياتي، فاكتشفت بداية العام الجاري أن الصين أصبحت أكبر دولة تجارية في العالم مع نهاية 2013، وتتفوق بهذا على الولايات المتحدة التي احتفظت بالمركز الأول لعقود طويلة. وهذا المستجد يؤكد على التغيرات الاستراتيجية الكبرى التي بدأ يشهدها العالم في الوقت الراهن بصعود قوى جديدة وعلى رأسها محور ‘البريكس' الذي تتزعمه عسكريا روسيا وإقتصاديا الصين.
لم يكن هذا المعطى هو الصدمة الوحيدة التي تلقتها الإدارة الأمريكية بداية هذه السنة، بعد أن اكتشفت بدهشة، أن روسيا قد ذهبت بعيدا في سباق التسلح متفوقة عليها في مجال الأسلحة الإستراتيجية النوعية كذلك، خصوصا في مجال الغواصات غير القابلة للرصد والتدمير والتي تجهل عنها المخابرات الأمريكية كل شيىء، والطائرات الحربية النفاثة من الجيل الجديد الذي يفوق ما لدى أمريكا من تقنية في هذا المضمار، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات والتي تمتلك القدرة على خرق الذرع الصاروخية الأمريكية التي أصبحت ذرعا تقليدية متجاوزة اليوم..
هذه المستجدات، تسببت للإدارة الأمريكية بقلق كبير لا تعرف كيف يجب التعامل معها حتى الآن، وهي الدولة التي توجد على حافة الإنهيار الإقتصادي، ولا تملك الإمكانات لخوض سباق تسلح جديد قد يدخلها في أزمة خطيرة تؤدي إلى تفجر الأوضاع في الداخل، فقررت المضي في معاكسة الروسي من خلال ذات إستراتيجية ‘الفوضى الخلاقة' الغبية لنشر الفوضى في كل مكان، حتى لا يستقيم الأمر لروسيا وحلفائها، في إنتظار أن تطال النار "إسرائيل"، لتتغير فجأة كل المعادلات وتتبدل الخرائط في المنطقة، لأن إسرائيل هي الخاصرة الرخوة التي تؤلم أمريكا وتدفعها للتسليم بموازين القوى الجديدة في المنطقة والعالم، مكرهة وأنفها في التراب.
يتبع ....
المصدر: (بانوراما الشرق الاوسط) 30/1/2014م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.