عناوين كثيرة تحملها زيارة وزيرَي الدفاع والخارجية المصريين المشير عبد الفتاح السيسي ونبيل فهمي الى موسكو اليوم، خصوصاً انها تأتي في ظروف حساسة واستثنائية تعيشها بلاد الكنانة منذ سقوط حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك عقب ثورة 25 يناير. زيارة السيسي وفهمي لموسكو تأتي في سياق استكمال المحادثات التي بدأت بين الجانبين خلال زيارة وزيرَي الخارجية والدفاع الروسيَين سيرغي لافروف وسيرغي شويغو منتصف تشرين الثاني الماضي للقاهرة، والتي انتجت صفقة بقيمة 4 مليارات دولار لتسليح الجيش المصري على أن تغطيها المملكة العربية السعودية مادياً، بحسب صحيفة "كوميرسانت" القريبة من الكرملين حينها. لكنّ تحولات كبرى حصلت منذ ذلك الحين، وابرزها تأكيد السيسي ترشحه رسمياً لانتخابات الرئاسة المصرية المقررة في نيسان المقبل. فهل جاء القائد العام للقوات المسلحة المصرية الى موسكو للحصول على مباركتها لهذا الترشيح بعدما حصل على مباركة الرياضوواشنطن؟ لا شكّ في انّ الكرملين يتطلّع الى عودة الدور المصري المحوري عربياً واقليمياً، نظراً لحاجة موسكو الى حلفاء من العيار الثقيل في المنطقة بعد تراجع الدور الروسي نتيجة التحولات التي تعصف بالعالم العربي منذ سنوات عدة، وفي ظلّ تعقيدات الازمة السورية. إذ إنّ روسيا كانت راهنت سابقاً على الرئيس المعزول محمد مرسي، بحيث إنّ الرئيس فلاديمير بوتين التقاه مرتين خلال فترة حكمه التي استمرت سنة، وقال بعد عزله: "إنّ مصر تجازف بالانزلاق في حرب أهلية بعد عزل الجيش الدكتور محمد مرسي من منصب الرئاسة". لكنّ الاوضاع اليوم قد تبدّلت على ما يبدو، ولم تعد روسيا متسرعة في دعم مرشحٍ على حسابِ آخر، أو حتى تزكية أيٍّ من الساعيَين الى كرسي الرئاسة المصرية، لكن بحسب المعلومات المتداوَلة في الاروقة الديبلوماسية، فإنّ "المشير قد حصل على دعم واشنطن في معركة الرئاسة المقبلة بعدما وفرت الرياض له الغطاء العربي والاقليمي، وخصوصاً مع تركيا التي تمسكت بحكم "الاخوان المسلمين" في مصر حتى بعد سقوطه وزج مرسي في السجن". فعلى رغم استياء واشنطن من صفقة السلاح الروسي لمصر التي وقّعها السيسي مع الجانب الروسي في تشرين الثاني الماضي، والتي استبقتها وزارة الدفاع الروسية بإرسال اكبر الطرادات الحاملة للصواريخ "فارياغ" الى ميناء الاسكندرية، ما دفع بالبعض حينها الى الحديث عن نية روسيا إقامة قاعدة عسكرية روسية في مصر للحدّ من النفوذ الاميركي، وفي اطار سعيها الى تعزيز وجودها في البحر المتوسط بعدما شعرت باهتزاز قاعدتها في طرطوس، الّا انّ البيت الابيض ينظر الى المشير كحليفٍ مستقبلي، في اعتبار أنّ علاقاتٍ مميزة تجمعه مع اركان المؤسسة العسكرية الاميركية بعد أن أمضى نحو عامين في كلية الحرب الاميركية ما بين 2005 و2006، وعلى إثرهما بدأت تتسرّب سنوياً المساعدات العسكرية الاميركية للجيش المصري. بالطبع لم يكن ذلك كافياً بالنسبة الى الاميركيين لدعم السيسي في الوصول الى سدة الحكم، إلاّ انّ العلاقات المميزة التي بناها الرجل مع المسؤولين الكبار في المملكة العربية السعودية خلال عمله ملحقاً عسكرياً في الرياض وفرت له الغطاء العربي وساهمت في تسويقه دولياً، إذ إن مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى في موسكو اكدت انّ "السعودية تلعب الدور المحوري في تنظيم العلاقة بين مصر وروسيا، وهذا ما بدا واضحاً خلال الزيارة الثانية للامير بندر بن سلطان الى موسكو، حيث احتلت العلاقة المصرية الروسية المرتبة الاولى في محادثاته مع بوتين". المتابعون لزيارة السيسي وفهمي لموسكو يرون فيها رسالة سياسية مهمة، تمهّد لتكوين رؤية مشتركة لحل كثير من القضايا على الصعيدين الاقليمي والدولي، اضافة الى امكان تكريس الرهان على التعاون المتبادل في المجالين العسكري والاقتصادي. ولكن يبقى السؤال، هل سيتمكنُ السيسي من الحصول على مباركة موسكو؟. المصدر: بانوراما الشرق الاوسط 13/2/2014م