في العمل الصحفي والإعلامي توجد قاعدة مشهورة تقول: "إذا عض كلب شخص فهذا ليس خبرا ولكن إذا عض شخص ما كلباً فذلك هو الخبر" ويبدو أن تلك المقولة انطبقت علي وقائع زيارة رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوي الرئيس الجنوب الأفريقي السابق ثابو أمبيكي للخرطوم ولقائه برئيس الجمهورية المشير عمر البشير فالأنظار التي كانت مصوبة تجاه مباحثات الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال وجدت أن الأمر تجاوز الطرفين ليشمل دعوة الحوار التي أطلقها البشير للحوار مع كافة الأحزاب السياسية. مباحثات أمبيكي التي أجراها بالخرطوم يوم أمس مع البشير التي تطرفت لثلاثة محاور (العلاقة مع دولة جنوب السودان، دعوة الحكومة للحوار الشامل بين القوي السياسية والمفاوضات مع الحركة الشعبية قطاع الشمال) جذب المحور الثاني اهتمام ممثلي الأجهزة الإعلامية باعتبار أن خلاصتها جاءت مساندة للتوجهات الحكومية الحالية المنادية بالدعوة لحوار شامل مع كافة المكونات السياسية وتوحيد رؤاها وبناء علاقات بينها وتصور مشترك لمستقبل الحكومة خاصة. الجديد هو إعلان أمبيكي دعمه ومساندته لتلك الدعوة ومضيه خطوة بإعلانه العودة للخرطوم مجدداً خلال اليومين القادمين لمقابلة عدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بغرض التفاكر والتباحث حول تلك الدعوة التي وجهها البشير ويبدو أنه استهل مساء أمس تلك التحركات بعقدة اجتماعاً مع رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي. لا وساطة أما مساعد رئيس الجمهورية، رئيس الوفد الحكومي المفاوض بأديس أبابا البروفيسور إبراهيم غندور فقد أوضح في تصريحات صحفية أن البشير طلب من أمبيكي "الإسراع في عملية السلام" وعدم إضافة الوقت في قضايا جانبية وأن طريق المشاركة في اتفاق شامل مجمع عليه كل السياسيين السودانيين يستوجب وقف إطلاق النار واتفاق شامل لوقف القتال وإنهاء القضية ليكون قطاع الشمال فعلاً سياسياً من بين الفاعلين السياسيين في السودان. في ذات الوقت نفي غندور توسط أمبيكي بينهم وبين القوي السياسية باعتبار أن هناك إجماعاً علي قضية الحوار بينهم وبين القوي السياسية مشيراً إلي أن تلك اللقاءات تمت بطلب من بعضها لمناقشة بعض القضايا وتباين وجهات نظرها وأردف: "لا نحتاج لوساطة بيننا وبين القوي السياسية". تطمين الفرقاء الموقف الأخير لأمبيكي وإعلانه مساندة إجراءات الحوار يصب بشكل عام في مصلحة جميع الأطراف، فبالنسبة للحكومة يمنح تحركها الأخير بالحوار مع القوي السياسية سنداً إقليمياً مهما مما سيعطيها شكلاً أكبر من المصداقية ويزيل المخاوف والهواجس والظنون التي تبديها بعض الأطراف السياسية وتوجسها من مشاركتها في حوار ينفرد بها (الوطني)، وفي ذات الوقت فإنه يفتح المجال أمام موقفها التفاوضي في مباحثات أديس أبابا والقاضي بالإقرار بالحاجة لمباحثات شاملة تبدأ بالتوصل لمعالجة لوضعية المنطقتين. أما القوي السياسية المعارضة بالداخل تحديداً فإن موقف أمبيكي وإعلانه الشروع في إجراء مباحثات مباشرة مع بعض الأحزاب السياسية يزيح عنها مخاوف تكرار كابوس مفاوضات اتفاق السلام الشامل التي تم استيعابها في النسب المخصصة للقوي السياسية دون إشراك لها، أما الأمر الثاني المهم لها فهو تطينها بوجود عين خارجية تراقب التطورات وتمثل ضمانة لأي اتفاق مستقبلي يمكن التوصل إليه. حل الشفرة تبدو الحركة الشعبية قطاع الشمال أيضاً ضمن المستفيدين من هذا التحول الجديد إذ سيعفيها من أي حرج أو قيود تجاه حلفائها وسيمكنها من التقدم خطوات للأمام تجاه معالجة الأوضاع الإنسانية والأمنية بالمنطقتين بعدما ضمنت إقرار الحل الشامل وبالتالي عدم ترتب أي أضرار علي جبهة حلفائها وفي ذات القوت إمكانية معالجة الأوضاع الإنسانية للمواطنين الموجودين في مناطق وجوها. بالنسبة للآلية الإفريقية رفيعة المستوي بقيادة أمبيكي فإن تلك الخطوة أِبه بحل شفرة عقدة المفاوضات بين وفدي الحكومة والحركة باعتبارها تمثل نقطة وسطي بين الطرفين مما يفتح الطريق أمام التوصل لاتفاق في الجولة القادمة يحقق في حده الأدنى وقف العدائيات وتوصيل الإغاثة والمساعدات للمتضررين، أما علي المدى المتوسط فهو تعبيد الطريق أمام إقرار منهج لمعالجة شاملة تشارك فيه الأطراف السياسية السودانية يعيد السلام والاستقرار. لا يمكن إغماط أهمية كبري يوليها الأفارقة عموماً وأمبيكي عي وجه الخصوص لأي تحولات إيجابية في مضمار المباحثات بين الفرقاء السودانيين وتفاؤلهم بإمكانية التوصل لحل شامل ينهي الأزمة السودانية ويفضي لخلق دولة ديمقراطية ومستقرة خالية من النزاعات باعتبارها تأكيد علي مقدرة الأفارقة ومؤسستهم الإقليمية علي إعادة الاستقرار لدول قارتهم عبر آلياتهم جهودهم الذاتية. نقلا عن صحيفة السوداني 26/2/2014م