يثير برنامج ايران النووي، ورد فعل المجتمع الدولي عليه، اعمق الاسئلة حول قوة القانون الدولي، والغاية من وجود الاممالمتحدة، وحقوق الدول التي تشعر بانها مهددة من دول اخرى، والادهى من ذلك ان طموحات ايران النووية قد تصل إلى درجة اشعال فتيل حرب في الشرق الأوسط. واخشى ان ينظر إلى هذه الاخطار في بلدان كثيرة على انها اخطار نظرية، وان لدينا متسعا من الوقت الكفيل بحلها، ومع اننا لم نصل إلى النقطة الحرجة بعد، الا ان على جميع اعضاء مجلس الأمن الدولي ان يتبينوا المخاطر والخيارات المتوافرة امامهم كي يتجنبوا تلك النقطة. اننا في تعاملنا مع ايران اسرى تاريخنا، فعلى مر «العقود اخطأ الغرب، ومعه المملكة المتحدة، في حساباته، كما ان ايران ارتكبت هي ايضا اخطاء، ما تمخض عما هو اسوأ من اجواء انعدام الثقة- ونعني بذلك مواجهة يخوض فيها الجانبان حوارا اشبه بحوار الطرشان، فالمرشد الاعلى خامنئي يقول انه ليس من مبادئ الاسلام امتلاك اسلحة نووية، بينما الافعال الايرانية لا تثبت ولا تدعم هذا الزعم، والرئيس اوباما يبادر إلى التواصل مع جمهورية ايران الاسلامية، غير ان نداءه يوصف اما بالحيلة الاعلامية وبأنه جزء من مؤامرة خبيثة- بدلا من قبوله على انه عرض جديد حقيقي يهدف إلى تغيير في العلاقات بين الولاياتالمتحدةوايران. لقد اصبح الحوار مع ايران خلال الاشهر الستة الاخيرة اكثر تعقيدا بكثير، ذلك بسبب مرور البلد نفسه بمخاض البحث عما يريد وعما يمثل، وتجسد ذلك بنزول الشعب ذاته إلى الشوارع، وبسبب انه من الصعب حمل زعماء ايران على التخلي عن الازدواجية والمواقف المبهمة بما يتعلق ونواياهم النووية، والدخول في حوار اشمل مع العالم، حين يكونون منقسمين على انفسهم، وبسبب ان هناك اكثر من ايران. فهناك ايران المثقفون المتعلمون على اعلى المستويات، ايرانرواد الاعمال والثقافة والحضارة العريقة، انها ايران الشتات القاطنين في ارجاء المعمورة، إلى جانب اولئك القاطنين في ايران نفسها الذين يطالبون بحقهم في صياغة مستقبل بلدهم وفي اسماع صوتهم. ثم ان هناك ايران ذات الاقتصاد المهلهل، فرغم انها تجثم فوق ثاني اكبر احتياطي عالمي للغاز فانها تستورد الغاز، اما الفساد فحدث ولا حرج، فمؤسسة الشفافية الدولية تضع ايران في المرتبة ال168 من بين 180 دولة ووفقا لتقارير صندوق النقد الدولي، تعاني ايران من اعلى مستويات هجرة العقول في العالم، وهذه هي ايران التي تزعزع استقرار الجيران بدعم الارهاب، وعزل نفسها عن التعاون الدولي حول افغانستان، وتتشدق مهددة بتدمير اسرائيل، وتزعم بان مساعدة الولاياتالمتحدة لهايتي بعد الزلزال المدمر كان خدعة تمهد بها لغزوها، وهي ايران التي تقيد حرية تواصل مواطنيها المتعلمين مع الاعلام الدولي خوفا مما قد يصل اليه. ويتعمد النظام الخلط بين هذه الانماط من ايران فتراه حينا يتحدث عن الفوز بمعركة التكنولوجيا عبر اطلاقه ديدانا في الفضاء، بعد اربعين عاما من وصول الانسان إلى القمر، وحينا اخر يدعي بانه المدافع عن حقوق الانسان، بينما يلقى بالايرانيين الذين يمارسون حقوقهم الاساسية بالسجن، يضربون وتطلق عليهم النار في الشوارع، ويعدمون بعد محاكمات صورية. ان ايجاد حل للمسألة النووية، وبدء عملية نشطة لتحقيق حلمها، امر مهم نظرا لان الخيارين- اي ايران المالكة للقنبلة النووية، وايران التي تتعرض للقصف حتى تمنع من امتلاك القنبلة- هما، كما قال الرئيس ساركوزي، خياران مرعبان. لقد قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية انها غير قادرة على التحقق من ان برنامج ايران النووي هو للاغراض السلمية فقط فايران لا تقدم تفسيرا معقولا لانتاج مادة انشطارية ذات استعمالات عسكرية واضحة، وترفض في الوقت ذاته، الاجابة عن اسئلة الوكالة حول اتصالات سابقة مع السوق النووية السوداء. وفي هذه الاثناء، وبعد اشهر من التسويف والمماطلة، قال الرئيس احمدي نجاد ان ايران مستعدة للتعامل مع الوكالة التي ستتولى تقديم الوقود لمفاعل طهران للابحاث، ونظرا للتشاحن السياسي في طهران، سارع زعماء اخرون إلى رفض هذا العرض، وماهي الا ايام حتى اعلن احمدي نجاد ان ايران ستخصب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، وهي خطوة كبيرة وتقترب من مادة تصنيع السلاح، ودون اي افاق للاستعمال النووي لان ايران، ورغم مزاعمها الكبيرة، لا تستطيع تحويل هذا اليورانيوم إلى وقود صالح للاستعمال في مفاعل طهران للابحاث او في محطات الكهرباء النووية التي لم يتم بناؤها بعد. ان الموضوع النووي يمس بنظام عدم انتشار الاسلحة النووية ومستقبل الشرق الاوسط فقد تلحق دول خليجية بالركب النووي اذا تحولت ايران إلى دولة نووية، اما اسرائيل نفسها فقد اوضحت بما لا يدع مجالا للشك بانها ترى في ايران نووية خطرا على وجودها وانها سوف تتصرف اذا لزم الامر دفاعاً عن نفسها، وستكون عواقب كليهما مدمرة. ولتفادي هذا كله لا بد من عمل يظهر وحدتنا واصرارنا، وكان هذا واحدا من اسباب زيارتي للصين الاسبوع الماضي، ولابد لمجلس الأمن الدولي ان يتحمل مسؤولياته بصورة جدية، والا يقتصر الامر على دول كالمملكة المتحدة والصين، بل تشارك فيه ايضا دول غير دائمة العضوية كالبرازيل وتركيا، وقد قال الاتحاد الاوروبي انه سوف يتصرف وان على الدول في المنطقة ان تنضم الينا لتزيد الضغط، والواقع ان المجتمع الدولي موحد في معارضته لايران مسلحة نوويا، كما كانت هناك وحدة موقف تجاه العرض المقدم لايران وهو دعم برنامج طاقتها النووية السلمية اذا اعترفت بحقيقة برنامجها النووي، واذا لم تفعل ذلك فانها ستواجه ضغوطا متزايدة، وقد حان وقت اتخاذ موقف موحد ازاء الحاجة إلى ضغط مواز ومكمل للحوار. يقول المشككون ان العقوبات قد لا تسفر عن نتيجة حاسمة، وان ايران قد لا تقبل المهانة ابدا، وان طهران مازالت بعيدة عن امتلاك القدرة النووية، هذا كله صحيح- ولكن ليس هذا هو القصد هنا، فالعقوبات قد لا تكون حاسمة، ولكن يمكن ان توجه نحو اهداف محددة، كالنظام المالي والحرس الثوري الاسلامي والتكنولوجيا النووية، ان العرض الذي قدم لايران في يونيو 2008، والذي مازال بانتظار الرد، يتيح لها المطالبة بالحقوق التي تتمتع بها دول اخرى، ولكن التمتع بهذه الحقوق يكون مصحوبا بمسؤوليات ورفض ايران الكشف عن نشاطاتها السابقة والحالية يعني وجود نقص جوهري في الثقة بتأكيداتها على ان برنامجها مصمم للأغراض السلمية. العقوبات ليست علاجا سحريا، ولكن ليس هذا هو بيت القصيد، فالقضية هنا هي ان كانت العقوبات موجهة ومتناسبة مع الغرض وقابلة للرفع، فانها سوف تشكل ضغطا اضافيا للضغط الحاصل داخل هذا المجتمع المنوع والمعقد التركيبة كي يتبلور تجاه اكثر عقلانية ازاء المسألة النووية، واعتقد ان العقوبات من هذا النوع سوف تحقق الغاية، وهي ضرورة عاجلة وستساهم في تجنب واحدة من اخطر نقط الاشتعال في العالم السياسي اليوم. * وزير الخارجية البريطاني المصدر: الرأي العام الكويتية 31/3/2010