قال تقرير صحفي مطول نشره مركز (جير مان فورين بوليسي) الألماني، ان حكومة جنوب السودان أعدّت دستوراً لدولة جنوب السودان المنتظر اقامتها عقب استفتاء تقرير المصير وتحتفظ به في سرية تامة، كما أن حكومة جنوب السودان أجرت اتصالات بشركات ألمانية لديها خطط قديمة لانشاء سكك حديدية بالجنوب، وتقرر انشاء خط حديدي يربط عاصمة الجنوبجوبا، بمدينة ممبسا الكينية، الغرض منه وفقاً للتقرير هو تسهيل تصدير الصادرات الجنوبية الى الخارج دون الحاجة للمرور بشمال السودان وتوقع التقرير – دون الاشارة الى أدلة محددة – أن يصوت الجنوبيون لصالح الانفصال، ولذا فإن الشركات الألمانية تستعد هي أيضاً لتمويل كافة المشروعات التنموية هناك. وأشار التقرير الى أن وكالة التطوير الألمانية (جي تي زد) استعدت استعداداً تاماً لهذا العمل وأعدت برنامج دعم طويل المدى. وفي تعليق له على هذه الأنباء قال الدكتور (كوستيلو قرنق) الذي يحمل صفة المستشار الخاص لرئيس حكومة جنوب السودان (إن بناء دولة مستقلة في الجنوب ليست بالصعوبة التي يتوقعها بعض الشماليين)!! وأضاف كوستيلو : ان انفصال الجنوب سيكون فقط مجرد حل لبعض المؤسسات القائمة الآن مثل القوات المشتركة ومؤسسة الرئاسة! ومن ثم – والحديث لا يزال لكوستيلو – فإن أكثر ما سوف يحتاجه الجنوب هو سك عملة جديدة! وما من شك أن ما ورد في تقرير هذا المركز الألماني ربما لم يأت بجديد، اذ أن سعي الحركة الشعبية باتجاه فصل الجنوب سعي واضح ومشهود استحال عليها حتى مداراته واخفاؤه، فإعداد دستور خاص للجنوب لا يعرف كيف جرت صياغته، والاتصال بشركات ألمانية، وانشاء خط حديدي خارجي وتوريد أسلحة متنوعة غالبها ثقيل وبكثافة كلها مؤشرات تدل على أن الحركة الشعبية عقدت العزم على اقامة دولة جنوبية بل لا نبالغ ان قلنا ان الحركة خططت لانشاء هذه الدولة حتى دون أن تضع في اعتبارها نتيجة التصويت على الاستفتاء المرتقب في العام 2011 . غير أن السؤال الذي يبرز هنا هو هل بالفعل فصل جنوب السودان وانشاء دولة مستقلة بهذه البساطة الشديدة والتسطيح الذي أورده المستشار الخاص للفريق كير؟ الواقع أن الامر أعقد بكثير مما تصوره المستشار الخاص لرئيس حكومة الجنوب، فالإقليم خال تماماً من كافة الخدمات الأساسية (صحة، تعليم، مياه شرب). ويكفي ان نعلم أن مجموع عدد الكوادر الصحية في الجنوب بأكمله – بولاياته العشر – لا يتجاوز ال(10) ممرضات!! فيظل انتشار كافة أنواع الأمراض واستعار حمى الصراعات القبلية الدامية وهذه الاحصائية أوردتها منظمة الصحة العالمية في أحدث تقرير لها، ويكفي أيضاً أن نشير الى أن الجنوب لا يملك حتى الآن أي أجهزة شرطية وأمنية، وأن الجيش الشعبي (غير المنضبط وغير المدرب) يقوم بهذه المهمة وحده وتقع باستمرار كوارث متواصلة في تدخلاته، هذا بخلاف غول الفساد المستشري هناك والذي أهدر ما يجاوز ال(6 مليار دولار) حتى الآن طوال الأربعة أعوام الماضية، في ظل غياب أجهزة متخصصة في المراجعة والمحاسبة وأجهزة عدلية لمحاكمة المفسدين. ان أحداً لا يقول ان الجنوب لن ينفصل طالما كانت تلك ارادة مواطنيه ولكن الانفصال شئ واقامة دولة جنوبية مستقلة، شئ آخر تماماً، ولننتظر ونر!!