بحضور وزير الداخلية ومدير الجمارك.. ضبط (141) كيلو جرام من مخدر الآيس    رئيس نادي المريخ السوداني يكتب تدوينة متفائلة قبل مواجهة فريقه المصيرية أمام الجيش الملكي    شاهد بالفيديو.. أموال طائلة "مشتتة" على الأرض بإحدى الطرق السفرية في السودان ومواطنون يتسابقون على جمعها ويفشلون بسبب كمياتها الكبيرة    شاهد بالفيديو.. على أنغام "سوي كدة لمن يسحروك".. الفنانة هدى عربي تشعل مواقع التواصل بوصلة رقص مثيرة خلال حفل زواج أسطوري بالقاهرة وشاعر الأغنية يكتب لها: (الله يفرحك زي ما فرحتيني)    شاهد بالصور.. الشاعرة داليا الياس تخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات وسط جنود الجيش: (أنا زولة بحب الجيش جداً وأي زول بيعرفني كويس عارف إني كنت شرطية في يوم من الأيام)    السودان تزايد الضغوط الدولية والبحث عن منابر جديدة للتسويف    على مراكب الغباء الكثيرة الثّقوب: دولة 56 والحمولات القاتلة    ارتفاع معدل التضخم إلى 218% في أغسطس    شاهد بالصورة.. من أرض المعركة إلى أرض الملعب.. مستنفر بالقوات المسلحة يوقع في كشوفات أحد الأندية الرياضية وهو يرتدي الزي العسكري    شاهد بالصور.. الشاعرة داليا الياس تخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات وسط جنود الجيش: (أنا زولة بحب الجيش جداً وأي زول بيعرفني كويس عارف إني كنت شرطية في يوم من الأيام)    "يقابل بايدن وهاريس" الذكاء الاصطناعي والاقتصاد وغزة والسودان.. "أولويات" في زيارة بن زايد لواشنطن    موجة الانفجارات الجديدة في لبنان تشمل الهواتف وأجهزة البصمة وأجهزة الطاقة الشمسية وبطاريات الليثيوم    وزير الداخلية المكلف يلتقى بمكتبه وفد تنسيقية الرزيقات بالداخل والخارج    عاد الفريق حسب الي مكتبه برئاسة الجمارك .. ويبقي السؤال قائماً : من يقف وراء مثل هذه القرارات؟    المريخ يواصل التدريبات وعودة قوية الي رمضان    عثمان جلال: الواثق البرير ما هكذا تورد الإبل    أطهر الطاهر ضحية الانتقادات الإعلامية والجماهيرية    (كونوا بخير ياأسياد فكل المخاوف في هلالكم أمان)    نقل الرئيس السابق ورفاقه الى مروي لتدهور حالتهم الصحية    والي الخرطوم: تلقينا طلبات من منظمات لاعادة اعمار الولاية    توضيح من شرطة ولاية نهر النيل    هل تنقذ المدرسة الإيطالية أحلام رونالدو؟    باليوم والتاريخ وتحت شعار "وداعاً لن ننساكم".. قائمة طويلة بأسماء مشاهير سودانيين "شعراء وأدباء وفنانين ولاعبي كرة وسياسيين" بلغ عددهم 43 شخص فارقوا الحياة بعد نشوب الحرب في السودان    نصيحة لصلاح.. ستصبح "الأفضل" في تاريخ ليفربول    شاهد بالفيديو.. الكوميديان محمد جلواك يسخر من الحسناء "لوشي": (أنا الحمدلله بي أولادي انتي شوفي ليك "شوكلاتة" أزرعيها) وساخرون: (ضربو يا حكم)    حادث درنة الليبية.. مصرع 11 عاملًا مصريًا وإصابة 15 آخرين .. تفاصيل    خروج 8 من ماكينات غسيل الكُلى عن الخدمة بمستشفى المُجلد المرجعي    التعادل السلبي يحسم قمة مانشستر سيتي وإنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا    وزير المالية الإتحادي يواجه ما يمكن تسميته بتضييق مساحات الحركة واللعب    هل يمكن تفجير الهواتف المحمولة مثل "البيجر"؟.. خبير "تكنولوجيا" يجيب    ضبط بكاسي تحمل كربون نشط ومواد    العلاج الوهمي.. مخاطبة العقل لمقاومة الأوجاع    محجوب فضل بدري: أنقذو عبد الرحيم    تمشيط أحياء واسعة بالأبيض من قبل قوات العمل الخاص    دراسة تكشف التغيرات بدماغ المرأة خلال الحمل    الشاعر والحرب.. استهداف أزهري أم القصيدة؟    وفاة الموسيقار حذيفة فرج الله    إدانة رجل في هونغ كونغ.. بسبب قميص "مثير للفتنة"    شيخوخة السكان.. كيف أثرت على اتجاهات شركات الأغذية؟    المرصد السوداني يدين قصف طيران الجيش للمدنيين وتدمير البنى التحتية    ترامب: خطاب بايدن وهاريس هو السبب في إطلاق النار عليّ    جابر يوجه بتكثيف العمل فى تأهيل طريق القضارف الحواتة    متحور جديد لكورونا يثير المخاوف.. هذه أبرز أعراضه    شاهد بالفيديو .. "شالو نومنا وشالو نعاسنا شالو روحنا وشالو انفاسنا" أداء رائع بمصاحبة الكمان    حوجة البشرية للاقتصاد الاسلامي، وقصة إنشاء بنك فيصل الاسلامي    ضحايا ومصابون بحادث تصادم قطارين في الزقازيق    500 يوماً مناصفة بين مناطق الجيش والدعم السريع (5)    القضية هزّت البلاد..محكمة تركية تصدر قرارها    لجنة أمن ولاية الخرطوم تؤكد إستقرار الوضع الجنائي وتتخذ تدابير لمكافحة الظواهر السالبة    ترامب: المناظرة أمام هاريس لم تكن منصفة بحقي    الداخلية السودانية تصدر قرارا    الحرب وتضخم الأسعار    مساعد البرهان يبشّر بتشغيل باخرة نيلية بين السودان ومصر    القبض على سعد الصغير في مطار القاهرة    دار الإفتاء توضح حكم التطوع بالصيام فرحا بمولد النبى الكريم    نُذُرُ الموت    مصطفى ميرغني: جنازة الخوف    أبناء المهاجرين في الغرب وتحديات الهوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة؟..
نشر في سودان سفاري يوم 09 - 03 - 2014

تتحدث تقارير روسية عن أن العالم أصبح على شفير حرب عالمية ثالثة قد تندلع في أي وقت بسبب السياسات العدوانية الأمريكية ضد روسيا، والتي وصلت هذه المرة حد إحداث إنقلاب سياسي خطير في الفناء الخلفي لروسيا الإتحادية (أوكرانيا)، يستهدف تفجيرها من الداخل من خلال زرع الفوضى الخلاقة في مفاصلها الحساسة، من مدخل التنوع الإثني والسوسيوثقافي الغني الذي يميز مكونات الشعب الروسي.
وسواء أكانت هذه التقارير محقة فيما ذهبت إليه أو أن الأمر مجرد تهويل وتقديرات مبالغ فيها، إلا أنن ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية تجاه روسية في أوكرانيا، لا يمكن وصفه إلا بالعدوان الوقح والسافر على قوة عظمى صاعدة تعتمد سياسة الإنفتاح، وتلتزم بالدبلوماسية كنهج لحل الخلاقات بين الدول، وشرعة الأمم المتحدة كقاعدة في فض النزاعات القائمة اليوم في أكثر من منطقة من العالم.
و روسيا الإتحادية زمن الرئيس ‘بوتين' ليست الدولة الضعيفة التي يمكن لإدارة ‘أوباما' الصهيونية أن تستهدفها بهذا العدوان الغاشم سواء في أوكرانيا أو سورية، دون أن يكون لذلك ردات فعل ذكية وموجعة قد تقلب معادلات القوى في ساحات كبرى كالشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا نفسها.
ويجمع الخبراء اليوم على أن تحالف روسيا – الصين ودول "البريكس" قادر على التسبب في إنهيار كامل وقاتل للنظام المالي (الدولار) والإقتصاد الرأسمالي العالمي في غضون أيام قليلة، لتصاب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالسكتة القلبية.
تفجير ‘أوكرانيا' قرار إنفعالي فاشل
من عادة الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تتصرف وفق إستراتيجيات "ماكرو سياسية" كبرى، بأهداف محددة، متوسطة وبعيدة المدى، وخطط عملية تنفذ بمرونة على مراحل متتالية وفق خيارات معينة تخضع لطبيعة المكان وظروف الزمان وشورط الإمكان.
وبالتالي، فلا علاقة لما يحدث في أوكرانيا اليوم بالإستدارة الأمريكية التي قررها أوباما سنة 2012 ليبدأ تنفيذها بمحاصرة الصين أولا، مطلع عام 2014.. لأن ما حدث في أوكرانيا هو تصرف غير مدروس من قبل إدارة ‘أوباما' تم بمنطق الإنتقام من الفشل في سورية، فتقرر وضع الرئيس ‘بوتين' في الزاوية من خلال إفتعال إنقلاب سياسي في أوكرانيا.
أما بالنسبة لسورية، فمن المبكر القول أن أمريكا سلمت بالهزيمة في هذا البلد ولما تنتهي بعد فصول المؤامرة في مرحلتها الثانية ما بعد إنهيار مفاوضات "جنيف 2′′. لأن الإستراتيجية الأمريكية كانت ولا تزال تهدف إلى إقامة "شرق أوسط جديد" لا وجود فيه لقوى مقاومة لإسرائيل أو ممانعة للهيمنة الأمريكية على مقدرات دول المنطقة وقرارها السيادي، وهو ما يخدم الأمن القومي الإسرائيلي بامتياز (الدولة اليهودية النقية)، والأمن القومي الأمريكي بدرجة أقل (البيترول و الدولار).
لذلك، ترى الرئيس ‘أوباما' يسخر علنا من الذين يقولون أن إيران ومحور المقاومة إنتصروا في سورية، لأنه من وجهة نظره، ما لحق بسورية حتى الآن هو دمار طال الحجر والشجر والبشر، وتفكك على مستوى البنية الإجتماعية، وإنهيار في البنية الإقتصادية، وإنهاك للقوات المسلحة. كما أن إيران خسرت مليارات الدولارات حتى الآن، ولا يزال الصراع في بدايته، حسب ما يفهم من تصريح ‘أوباما' نفسه الذي قال هذا الأسبوع للإعلام: إن "هذه الحرب ستكون طويلة".
وسواء تعلق الأمر بحرب المائة عام بين السنة والشيعة التي بشر بها ثعلب السياسة الأمريكية ‘كيسنجر'، وتبث أنها لن تقوم بسبب إرتفاع منسوب الوعي لدى المسلمين بخطورة الإنزلاق إلى أتون الفتنة المذهبية التي تعمل على إشعالها السعودية وإسرائيل بالوكالة.. أو حرب العشر سنوات التي تحدث عنها جنرالات كبار في المؤسسة العسكرية الأمريكية، وهي الأقرب إلى الواقع من حيث التطبيق.. فالثابت اليوم، هو أن الإدارة الأمريكية لها رؤية واضحة لما تريده في سورية ولبنان والمنطقة، لكنها تورطت بقرار إنتقامي في أوكرانيا، وستدفع ثمته من مكانتها وهيبتها بعد حين، لتخسر سورية و أوكرانيا معا.
ما يمكن قوله بالنسبة لما يحصل في سورية اليوم، هو ان الأمر يتعلق بخطة إستراتيجية كبرى، تعتمد الإستنزاف الطويل والإنهاك الممنهج لروسيا وإيران وسورية وحزب الله بالإرهاب، وفي نفس الوقت التخلص من الإرهاب بتحويل سورية ساحة "جهاد" يحج إليها التكفيريون من كل أصقاع الأرض.. وهذا هو معنى ضرب عصفورين بحجر واحد.
هذه خطة جهنمية مدروسة كان قد حذر من خطورتها سماحة السيد في بداية العدوان على سورية، عندما حذر "القاعدة" من مغبة السقوط في الفخ الذي نصب لها في سورية للقضاء عليها وتدمير سورية في نفس الوقت. وهي خطة وإن كانت تستهدف إسقاط سورية ومحاربة الإرهاب، إلا أنها وضعت بشكل مركب لتوريط روسيا وإيران وحزب الله في المستنقع السوري دون أن تضطر الإدارة الأمريكية للتورط عسكريا في المنطقة، ولعله لهذا السبب يسخر اليوم الرئيس ‘أوباما' من التصريحات التي تقول أن محور المقاومة ينتصر في سورية.
أما من جهة محور المقاومة، فالأمر يختلف، لأن ما يفعله هذا المحور حتى الآن هو الدفاع عن وجوده ومصيره في وجه الهجمة الإرهابية الكونية التي تشن عليه. هذا أمر مشروع ومفهوم، لكن، وباستثناء إيران "الثورة"، لا يبدو أن لهذا المحور حتى الآن إستراتيجية موحدة و واضحة، تهدف أساسا لإفشال إستراتيجية الإدارة الأمريكية وفرض أوراق القوى الصاعدة الجديدة في المنطقة والعالم.
وقد يكون سبب عدم وضوح رؤيا المواجهة الإستراتيجية الكبرى مع أمريكا وأدواتها في المنطقة بالنسبة لمحور المقاومة يعود للعامل الروسي تحديدا. نظرا لإختلاف المنطلقات والأهداف. ذلك أنه في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى تكريس دورها كشريك وازن وفاعل للإدارة الأمريكية في شؤون العالم لإدارة الخلافات والصراعات وتقاسم النفوذ، تسعى إيران من جهتها إلى إقامة نموذج ثوري إسلامي وعربي بديل، يعتبر معركته مع إسرائيل هي "أم المعارك" لإرتباطها بوجود الأمة ومصيرها..
ما يوحي بأن العالم ذاهب إلى صراع حول تعددية في الأقطاب قد لا تخرج إلا من رماد حرب طاحنة تولد من رحم الحرب الباردة التي بدأت اليوم بين روسيا وأمريكا في أوكرانيا، وقد تتطور إلى حروب بالوكالة في أكثر من بلد ومنطقة، وفي حال عدم تنازل أمريكا عن إستكبارها وعنجهيتها، وربما بسبب اللوبي الصهيوني اليهودي والمسيحي والعربي وما يخطط له من فساد في الأرض وإفساد للخلق، قد يذهب العالم لا قدر الله إلى حرب عالمية ثالثة.
وهنا قد تصدق نبوؤة ‘ألفريد آنشتيان' الذي قال فيها: "أنا لا أعلم ما هي الأسلحة التي ستستعمل في الحرب العالمية الثالثة، لكن ما أنا متؤكد منه، هو أن الحرب العالمية الرابعة ستكون بين البشر بالعصي والحجر".
الخوف يدفع المتآمر للتحالف مع الشيطان
ولعل هذه المعطيات الجديدة التي برزت كمؤشرات لتحولات جيوسياسية كبرى قادمة، هي التي جعلت المنطقة تدخل اليوم في لعبة التحالفات الإنتهازية بما فيها المشبوهة مع الكيان الصهيوني (السعودية، مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، قطر). ويجري العمل اليوم على قدم وساق لإقامة تحالف سني كبير يضم السعودية ومصر وباكستان (وإسرائيل رابعهم في الظل)، ضد تحالف إيران، العراق، سورية، وحزب الله، ناهيك عن الحوثيين وغيرهم من الموالين لإقامة مشروع إسلامي – عربي مقاوم في المنطقة، لإنهاء الوجود الصهيوني، والإرهاب الوهابي، وطرد القوات الأمريكية والأطلسية من المنطقة. وهذا مشروع تحرير كبير وطويل عريض من النوع "الماكرو إستراتيجي".. لكن يبدو أن إيران جادة في الذهاب بعيدا في سبيل إقامته، مهما كانت العوائق والصعاب.
وهذا لا علاقة له بالإديولوجيا الشيعية أو السنية، بل بالمبادىء والثوابت والأسس الدينية والأخلاقية التي تقوم عليها عقيدة الأمة العربية والإسلامية بكل مكوناتها الإثنية، ومعتقداتها الدينية، ومذاهبها الفلسفية، ومشاربها الفكرية.
وإذا كانت سورية حيث يدور الصراع الروسي – الأمريكي على النفوذ، والصراع الإقليمي الإيراني – السعودي على المصير والوجود، تعتبر حليفة قوية لروسية وإيران وحزب الله، فإن إيران لا تعتبر روسيا حليف موثوق به، بسبب تراجع موسكو بضغوط غربية وإسرائيلية قبل سنوات، عن تسليم منظومة "إس 300′′ التي إشترتها منها إيران ودفعت ثمنها مسبقا. كما أن عدم تسليم نفس المنظومة لسورية حتى الآن بالرغم من تفعيل العقد المتعلق بها منذ سنة تقريبا، يؤكد أن حسابات روسيا السياسية هي غير حسابات محور المقاومة المبدئية.
لكن هذا لا يعني أن روسيا لا تساعد هذا المحور بما يخدم مصالحها بكل ما تراه مناسبا في السياسة، وملائما في موازين الصراع الدائر في المنطقة لناحية السلاح والتكنولوجية الأمنية والعسكرية، مع مراعات الخطوط الحمر القديمة لعدم الإخلال بالتوازن العسكري بين إسرائيل والدول العربية المجاورة بمن فيها سورية.
وبهذا المعنى، الصراع الروسي هذه المرة هو صراع براغماتي من أجل المصلحة القومية الروسية ولا علاقة له بالإديولوجيا كما كان الأمر زمن الإتحاد السوفياتي السابق الذي كان يحارب من أجل سيادة "الشيوعية" بديلا عن "الرأسمالية" الظالمة، التي تحولت اليوم في ظل نظام القطب الواحد إلى ليبرالية متوحشة، قاتلة ومفترسة، بسبب إنعدام "التدافع" بالمفهوم القرآني لإعادة التوازن وتحقيق العدالة في العالم. والتدافع هنا هو عين المقاومة، التي تعني مقاومة الظلم والإحتلال والإعتداء والإستكبار والطغيان الخارجي، والعمالة التي هي أساس الفساد والإستبداد الداخلي.
وبهذا المعنى أيضا، تكون المقاومة، وكما قررت المشيئة الإلهية منذ الأزل وإلى الأبد، هي الجهة التي إختارها الله لتكون من ضمن مكونات حزبه (حزب الله)، ينفذ بها إرادته في الخلق، ومشيئته في صيرورة التاريخ التي تقوم على حفظ التوازن، وكلما إختل إلا وفعّل الله معادلة "التدافع" بين الناس لتصحيح الأمور والعودة مجددا إلى طريق الحق ومنهج العدل.. لهذا السبب لا حاجة للمقاومة لشرعية من أحد، ما دامت شرائع السماء وقوانين الأرض وأعراف الناس قد أجمعت على وجوبها عند الضرورة.
عوامل فشل أمريكا في سورية
وإذا كانت أمريكا وحلفائها قد فشلوا في إسقاط سورية وتقسيمها كما كان مخططا له، فالفضل يعود لعوامل رئيسية ثلاث: الأول، تماسك الجيش العربي السوري وصموده في وجه الحرب الإرهابية الكونية التي شنت ضده خلال السنوات الثلاث الماضية. الثاني، دخول محور المقاومة متضامنا على خط الصراع على سورية لإجهاض المشروع الصهيوأمريكي في أوج تقدمه. الثالث، الدعم السياسي اللامشروط الروسي والصيني الذي أجهض كل محاولات التدخل العسكري المباشر لإسقاط سورية على غرار ما حدث في ليبيا.
طبعا هناك عوامل ثانوية مساعدة أيضا، لكن ما يهمنا من وجهة نظر التقييم العام هو العوامل الرئيسية التي أفرزت نتائج ملموسة على الأرض، وحولت وجهة الصراع لغير صالح القوى المتآمرة.
ومن العوامل المساعدة مثلا، ما ذكره الرئيس السوري ‘بشار الأسد' في حديثه الأخير لوفد من زواره الأردنيين، من أن سورية مارست نوعا من "الديمقراطية" (إن صح التعبير) في التعامل مع نقط الإرهاب السوداء على الأرض، حيث كان الجيش يتدخل لحماية المدن والقرى التي كانت تستنجد بالدولة ضد إجرام الإرهابيين، في حين كان يحترم إرادة التجمعات السكانية التي رحبت بالإرهابيين وشكلت لهم بيئة حاضنة، ظنا منها أنهم قدموا إلى سورية بمشروع إسلامي منقذ، وعندما إكتشفوا خطورة التكفيريين وزيفهم وحقيقة مشروعهم، فإنقلبوا عليهم وعادوا لحضن الدولة، الأمر الذي ساعد في القضاء على الإرهابيين وسرّع من وثيرة إستعادة المساحات الكبيرة التي خسرها الجيش العربي السوري في بدايات الأحداث.
صحيح أن سورية اليوم هي قاب قوسين أو أدنى من نجاح إستراتيجية الحسم على الأرض، وبسقوط "يبرود" و"حلب" خلال الأيام القلية القادمة، وتحرير ما تبقى من جيوب في الشمال على الحدود مع تركيا، تكون سورية قد إنتصرت على الإرهاب..
طريق السلام يمر عبر الحرب على إسرائيل
لكن، ولأن الحرب على الإرهاب وحدها لا تجعل من محور المقاومة منتصرا على أمريكا، لذلك كنا نقول في أكثر من مقال أن لا حل سوى باستهداف العدو الحقيقي الذي هو منبع كل الحروب والشرور في المنطقة والعالم، ونقصد بذلك "إسرائيل". لأن الحرب على هذا الكيان الهجين من مدخل المقاومة في الجولان ولبنان، من شأنها قلب المعادلات وتغيير الخرائط والحدود الوهمية القائمة في المنطقة.
ففي سورية، لا تعتقد الإدارة الأمريكية أنها فشلت، وأن روسيا وإيران وسورية وحزب الله انتصروا، بل يؤكد الرئيس ‘باراك أوباما' أن محور المقاومة يخسر في سورية. وسبب هذا الإعتقاد يعود لطبيعة الإستراتيجية التي تنفذها الإدارة الأمريكية في سورية، والتي هي من نوع ال"الماكرو سياسي" الذي قد يتطلب تنفيذه عشر سنوات كحد أقصى قبل إنهيار العدو من الداخل، بفضل ما تتيحه "الحرب الناعمة" من إمكانات وأدوات تغني أمريكا عن التدخل العسكري المباشر..
وحيث أن الأمر كذلك، فكيف سيقبل محور المقاومة بالتعامل مع هذه الإستراتيجية الأمريكية الطويلة النفس من منطلق الدفاع بدل الهجوم الذي وحده من شأنه ردع أمريكا عن مغامراتها وثنيها عن الإستمرار في مخططاتها التخريبية. هذه الخلاصة سبق وأن أشار لها سماحة السيد ذات خطاب بقوله، أنه ما دامت السعودية وإسرائيل تعيشان بأمن وسلام ورخاء، فما الذي سيدفع أمريكا لإيقاف الحرب على سورية؟.. وهذا هو السؤال الصحصح المنتج الذي طرحه سماحة سيد المقاومة، وأوحى ضمنا أن هذا الوضع لن يدوم طويلا إذا استمر الإرهاب يتوافد على سورية دون إنقطاع.
أما أوكرانيا، فتلك قصة أخرى لها علاقة بخدعة جر روسيا إلى إرتكاب خطأ التدخل العسكري ليتم محاصرتها سياسيا وإعلاميا وأمنيا وعسكريا وإقتصاديا، إلى أن تنهار من الداخل بفعل التدمر الشعبي المفجر لثورات "الشعب يريد..." على الطريقة الصهيوأمريكية.
لكن الأخطر، هو ما كشفته تقارير إستخباراتية غربية، حيث ذكرت أن خطة ‘أوباما' تقضي بتوريط الدب الروسي عسكريا في أكرانيا، ما سيعطي لأمريكا والحلف الأطلسي المبرر للتدخل عسكريا في سورية، بحجة أن روسيا لم تحترم القانون الدولي في أوكرانيا، وبالتالي، لا يحق لها المطالبة بتطبيقه في سورية.
هذا هو لب الحكاية وجوهر اللعبة.. لكن ‘بوتين' الذكي ةالحكيم، فهم اللعبة، فلم يتدخل عسكريا إلا لحماية أسطوله في البحر الأسود ب 16 ألف جندي، فيما ترك للأكرانيين الروس وخصوصا منطقة القرم، حرية تقرير مصيرهم بالإنضمام إلى روسيا أو البقاء في أوكرانيا.. هذه المعادلة أربكت حسابات أمريكا وأصابتها بالجنون، فبدأت تصعد في لهجتها وتلوح بعقوبات سياسية ودبلوماسية وإقتصادية ضد روسية، فجاء الرد هذه المرة من الصين، برسالة مفادها، أن أي إجراء تتخذه الإدارة الأمريكية وحلفائها بمعاقبة روسيا إقتصاديا سيتبعه إجراء صيني وروسي حازم.
هذا الكلام معناه، أن طرح الصين لسندات دين الخزينة الأمريكية بقيمة تريليون دولار وروسيا لسندات بقيمة 300 مليار دولار، وطرح كل إحتياطيات الدولار الموجود بأبناك الصين وروسيا ودول ‘البريكس' سيصيب البورصات الأمريكية والأوروبية، بل والعالمية بالسكتة القلبية، وستصبح القيمة الإسمية للدولار لا تساوي الورق الذي طبع عليه، فتنفجر إضطرابات في أمريكا وأوروبا ومجموع دول العالم المرتبطة إقتصاديا بالدولار الأمريكي الذي لا يوجد ما يدعم قيمته بالذهب غير حركة الأسواق في الإقتصاد الرأسمالي الهش.
لكن الأخطر، هو أن تقرر روسيا قطع ضخ الغاز لأوروبا فتنهار الصناعة، ويجتاح البرد مفاصل المواطنين، ويحل الظلام بلياليهم المكسوة بالثلوج، وتصل البطالة مستويات غير مسبوقة فتعم الفوضى ومظاهر الخراب. أما روسيا فلا خوف على غازها ونفطها، لأن تفعيل بند الأولوية لتسويق منتجات الدول الأعضاء، سيمكن روسيا من تسويق كامل إنتاجها بإرتياح، ما سيؤثر حتما على نفط السعودية، التي لن تستطيع تصدير إنتاجها للصين بعد ذلك.
أما الضربة القاضية فستكون بسحب الإستثمارات الروسية من فرنسا وبريطانيا والمانيا، حيث تشكل 60% من مجموع الإستثمارات الأجنبية بهذه البلدان، ولا نتحدث هنا عن الإستثمارات الصينية، لينتهي كل شيىء، وتعود شعوب الإتحاد الأوروبي إلى عصر حروب القبائل.
لهذا، الرئيس ‘بوتين' هو من سيكسب، بدليل أن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أعلنوا أنهم لا يفضلون الذهاب بعيدا في مواجهة روسيا، نظرا لتبعات مثل هذه السياسات الكارثية على إقتصاد أوروبا ووحدتها وتماسكها، لتجد أمريكا نفسها وحيدة في مواجهة دب روسي جريح، يربص بها في صمت، لينقض عليها بلا رحمة عند أول خطأ تقع فيه.
ومن يعتقد أن القيصر ‘بوتين' سيبلع الإهانة هذه المرة ولن يرد فهو واهم، ف ‘بوتين' يخوض اليوم حرب الزعامة وحرب رد الإعتبار للقومية الروسية، وهو مستعد لكل شيىء لتحقيق هدفه بإعلان روسيا الإتحادية قوة دولية عظمى لها مكانتها وكلمتها وهيبتها ومصالحها التي يجب أن تحترم.
وفي هذا، قد يكون الرئيس ‘أوباما' تورط في لعبة أصبحت تتجاوزه وتتجاوز قدرات الولايات المتحدة العسكرية والمالية على المواجهة، كما أن حب الإنتقام والإصرار على التمادي في إحراج الدب الروسي لإختبار صبره وتصيد أخطائه، ليست سياسة منتجة، لأنها قد تأتي بنتائج عكسية غير متوقعة.
وعلى ضوء ما حصل، ومن غير المستبعد أن يكون أول الغيث حرب على إسرائيل التي توازي بالنسبة لأمريكا، أوكرانيا بالنسبة لروسيا، خاصة وأن المخابرات الصهيونية هي من خططت للإنقلاب في ‘كييف' وأشعلت نار الفوضى في الفناء الروسي الحساس، وقبل ذلك أشعلت الحرب في سورية لتقطع الطريق على روسية حتى لا يصل نفوذها إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، الذي قد يتحول إلى بحر أحمر بلون الدماء التي قد تسيل في حال إنفجرت حرب إقليمية تعقبها أخرى عالمية مدمرة، يضطر من ينجو منها إلى توفير العصي والحجر إستعدادا للحرب العالمية الرابعة.
المصدر: بانوراما الشرق الاوسط 9/3/2014م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.