اقرت الحكومة المصرية الخميس مشروع قانون الانتخابات الرئاسية، الذي يبقي في ‘طبعته الجديدة' على مادة تمنح قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ‘حصانة قضائية' تمنع اي شخص بمن في ذلك المرشحون الخاسرون من الطعن على قراراتها، في ما يعتبره كثير من الخبراء الدستوريين تناقضا واضحا مع المادة 97 في الدستور المعدل التي تنص على ان (التقاضي حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظور). وهكذا، بدم بارد، ضربت الحكومة الدستور وتوصيات مجلس الدولة وفقهاء دستوريين من قامة الدكتور ابراهيم درويش عرض الحائط. وانصبت هذه التوصيات على قصر فترة الطعون على يومين من اعلان النتيجة، او قصر حق الطعن على المرشحين الخاسرين، ما سيضمن جدية الطعون، وكذلك عدم المماطلة في اعتماد النتيجة، على الترتيب. وكانت كفيلة بتفادي انتهاك نص دستوري مع تحقيق الهدف الذي يشغل بال النظام كثيرا، وهو منع معارضيه من محاولة افساد العملية الانتخابية باطلاق سيل من الطعون ضد النتيجة المتوقعة وهي فوز المشير عبد الفتاح السيسي. وهو قلق مشروع استنادا الى اجواء المكايدة السياسية التي تخيم على البلاد، الا انه لا يمكن ان يبرر انتهاكا فاضحا للدستور، في بداية خطأ للعهد الجديد، حيث ان قرارات اللجنة الانتخابية ادارية في النهاية، فهي ليست صادرة عن محكمة اتبعت قانون اجراءات المحاكمات، واصولها، واهمها وجود اكثر من درجة للتقاضي تأكيدا للعدالة، بضمان وجود فرصة ثانية امام المتقاضين لتدارك ما قد يقع القاضي فيه من اخطاء. وجاءت الخطوة الحكومية وسط حالة من التخبط الرسمي والاتجاهات المتناقضة بشأن التحضير للانتخابات، فقد اتاحت ‘المسودة الاولى' امكانية ترشح اي شخص طالما لم يصدر في حقه حكم نهائي في قضية مخلة بالشرف، الا ان النسخة النهائية منعت المحبوسين احتياطيا او المتهمين في قضايا من دخول السباق الرئاسي، في محاولة واضحة لمنع قيادات الاخوان المحبوسين من الترشح. وهو ما يعني من الناحية النظرية ان اي رئيس او حتى مرشح رئاسي محتمل في المستقبل يمكن ان يمنع منافسيه من الترشح ب'تدبير' توجيه اي اتهام اليهم قبل فتح باب الترشح، وحتى اذا ثبتت براءتهم في وقت لاحق سيكون نجح في ابعادهم من السباق. والغريب ان يأتي هذا القرار من نظام يزعم ان تحصين قرارات اللجنة في الانتخابات الاخيرة اسهم في عدم التمكن من الكشف عن تزوير مزعوم شاب البطاقات الانتخابية الصادرة عن المطبعة الاميرية، ما ادى الى فوز الرئيس السابق محمد مرسي من دون امكانية الطعن على النتيجة. وليس واضحا السبب الذي جعل ‘اشخاصا او جهات ما' داخل الحكومة تتخذ هذا القرار، ويبدو انهم يتصورون بهذا انهم يسدون ‘خدمة' للمشير السيسي، حيث لن يستطيع معارضوه ان يطعنوا في فوزه، كما ان قيادات الاخوان المحبوسين لن يتمكنوا من دخول السباق الرئاسي. ولا يحتاج الامر الى جهد كبير ليتبين اي مراقب ان اولئك تصرفوا على الطريقة الشهيرة ل ‘الدب الحريص على صاحبه'، حيث ان المشير السيسي هو احوج ما يكون الى وجود معارضين ومرشحين منافسين اقوياء في السباق الانتخابي، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، طالما انهم مؤهلون للمشاركة. كما انه اشد احتياجا لأن تتعرض رئاسته الى كل الطعون القانونية الجادة وحتى غير الجادة، حتى اذا ما فاز في الانتخابات، ثم اقر القضاء النتيجة بعد فحص الطعون وتدقيقها، كان ذلك حجة له بل افضل رد في مواجهة تهمة ‘الانقلاب العسكري' التي بدأت تتردد بالفعل بعد ان اكد ترشحه قبل عدة ايام. ان اعادة الاعتبار لدولة سيادة القانون هو الحد الادنى لما يمكن ان يقبل به المصريون بعد تقديم الاف الضحايا، واشعال انتفاضيتين شعبيتين، واسقاط ثلاثة انظمة، وكتابة دستورين في غضون ثلاثين شهرا. واخيرا فانه على المشير السيسي وقد اصبح ‘مرشحا غير رسمي'، ان يعرف انه لم يعد هناك مجال لاي خطأ، وان شعبا انجز هذه التحولات التاريخية في فترة قياسية لن يقبل اي عودة الى الماضي، سواء في ممارساته او شخوصه. كما انه مطالب بأن يحترس من بعض انصاره الذين قد يكونون اشد خطرا عليه من كل خصومه. المصدر: القدس العربي 9/3/2014م