لم يتكلّف المؤتمر الوطني الكثيرن لكي يجبر الحركة الشعبية، شريكته الرئيسية في العملية السلمية وفي حكومة الوحدة الوطنية في السودان على التراجع عن مواقفها الأخيرة بشأن مقاطعة البرلمان ومجلس الوزراء واثارة ضجة واسعة النطاق كان أغلب المراقبين قد تنبأوا بأنها لا تختلف عن مواقف عديدة سابقة للحركة الشعبية، تصرخ فيها وتملأ الساحة ضجيجاً ثم تعود لتجلس على مقاعدها القديمة، بذات المعطيات القديمة، وذات الأسباب التي من أجلها صرخت وضجّت. كل الذي تكلّفه المؤتمر الوطني أنه عقد مؤتمراً صحفياً تحدث فيه نائب رئيسه للشؤون السياسية والتنظيمية الدكتور نافع علي نافع عن ممارسات الحركة الشعبية المجانية تماماً للتحول الديمقراطي والمجافية للحريات في اقليمها مورداً نماذجاً وأمثلة قال انها غيضُ ُ من فيض فقط، وكان واضحاً أن ما أورده الدكتور نافع بأدلة ملموسة، هو الذي عمل على تسريع تراجع الحركة الشعبية عن مواقفها، وانعقاد اللجنة السياسية المشتركة والتوصل الى اتفاق بشأن القضايا العالقة لم يرد فيه أي شئ جديد ولا تضمّن (فتحاً سياسياً) غير مسبوق للحركة استحق كل هذه الضجة الكبرى. ولعل أول درس استخلصناه بسهولة من هذا الموقف هو أن الحركة الشعبية تعيش في بيت (أقل رهافة من الزجاج)، ولا تتورّع على الرغم من ذلك من القاء الأحجار على الآخرين بمزاعم شتى لا تستند على أدلة، ولهذا فإن مجرد (رمي الحصى) وليس الحجارة على بيتها يكون كافياً وكفيلاً بردّها الى الصواب. ومهما كابر بعض قادة الحركة وغالطوا، فإن مؤتمر الدكتور نافع الأخير فعل مفعول السحر في تبديل موقف الحركة وتليين سلوكها، فقد أمكن (تأليف قلبها السياسي) ذلك القلب الذي فشل في تاليفه حتى الموفد الأمريكي الخاص سكوت غرايشن الذي أنفق كل ما في حقيبته دون أن يفلح في تغيير موقف الحركة وتأليف قلب الشريكين! وبهذا فقد بات من المتعارف عليه أن الحركة الشعبية تتخذ مواقفها وسياساتها بقدر غير قليل من العشوائية واسلوب التجريب والمغامرة، وهي أساليب كما هو معروف لا تتطلب حسابات مسبقة ولا خطط معدة للخروج من الموقف المعين، كما لا تضع ضمن تقديراتها ما اذا كانت ستحرز أهدافاً في المرمى، أم أنها سوف تكتفي بذات المواقف القديمة السابقة، وهذا ما جعل القوى السياسية المعارضة القريبة من الحرك تصاب بخيبة أمل ازاء هذه المواقف و(القتال السياسي التراجعي) الذي تمارسه الحركة، ففي كل مرة يعتقد البعض أن الحركة هذه المرة سوف تقلب الطاولة على شركائها وأنها سوف تستل سيفاً جديداً لم تستلّه من قبل، وانها ستحارب معركتها بضراوة وتحقق نصراً كاملاً، ولكن ما هي الا أيام وأسابيع حتى يكتشف المراهنون أنهم راهنوا على جواد خاسر!!