أصدرت الحركة الوطنية للتغيير في السودان بيانها الذي وضحت فيه الأسباب التي دعتها إلى التحرك في هذه المرحلة وقالت الحركة إن هذه المرحلة تجسد انهيار مشروع الدولة الوطنية الموحدة، وقد تجلى ذلك في نظرها في انفصال جنوب السودان وظهور كثير من الحركات التي تسير في الطريق نفسه، كما هو الحال في إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وترجع الحركة ذلك إلى تمزق النسيج الاجتماعي وتدهور القيم وانتشار الفساد وانسداد الأفق. ودعت الحركة في ضوء الواقع الذي حددته جميع أبناء الوطن للتكاتف من أجل تحقيق رؤية وطنية تعيد للبلاد لحمتها وتبعد عنها الشرور التي تتربص بها.وترى الحركة أن ذلك يتحقق فقط عن طريق الرؤية التي حددتها. وفي البداية تقول الحركة الوطنية للتغيير عن نفسها إنها جماعة فكرية ذات أهداف سياسية تدعو إلى التكاتف بين جميع أبناء الوطن، كما تدعو أن يعلو الجميع فوق مستوى القبيلة والطائفة والحزب. وهي بذلك تدعو الفئات المستنيرة إلى الانضمام إليها والبعد عن الأيديولوجيات الشمولية والانقلابات العسكرية وسائر أنواع الانغلاق التي كانت سببا في ما حصل في السودان منذ أن نال استقلاله في عام 1956، بحيث صنف السودان كدولة مصدرة للإرهاب، ووضع اسمه كثالث دولة في قائمة الدول التي يعمها الفساد السياسي والاقتصادي، وأصبح كثير من المواطنين ينشدون الهجرة من أجل إيجاد فرص عمل مناسبة في بلاد أخرى في الوقت الذي سيطرت فئة قليلة على مفاصل السلطة والثروة في البلاد ولم تعد تسمح لغيرها بأن يتحكم في تلك المقاصل، على الرغم من فشلها في تحقيق التنمية ومعالجة مشاكل البلاد المتفاقمة . وترى الحركة الوطنية للتغيير أن ما ذكرته بحسب وجهة نظرها يدل على فشل نظام الإنقاذ القائم، كذلك فان القوى المتحالفة معه أو المتطلعة لوراثته ما عادت جاذبة لأفراد الشعب، وذلك ما يدعو إلى رؤية جديدة وشاملة للتغيير في البلاد، ولكن هل تملك الحركة الوطنية للتغيير هذه الرؤية؟ ذلك ما يدعونا إلى أن نشرح بتفصيل رؤيتها حتى نرى مدى قدرتها على إحداث التغيير لو تمكنت من السلطة ذات يوم . ويبدو في نظر الحركة أن مشكلات السودان التي ظلت تتكرر منذ أن نالت البلاد استقلالها تتركز في عدم قدرة النظام السياسي على تكوين دولة ديمقراطية قادرة على تحقيق تطلعات الشعب، وقد ساعدت السياسات الاقتصادية غير المتوازنة على هجرة سكان الأرياف الذين هم مصدر الثروة الحقيقية في البلاد إلى المدن، ومن المدن إلى خارج البلاد بحيث أفرغت البلاد من قدراتها العلمية والفكرية المؤهلة . وتقول الحركة الوطنية إن فشل تأسيس نظام ديمقراطي في السودان تعود جذوره إلى الثقافة والتاريخ ومناهج التعليم والممارسة السياسية السائدة، ولدى هذا الفشل تقدمت القوى العسكرية من أجل تحقيق الإصلاح، ولكنها أصبحت هي نفسها مشكلة رئيسية تعاني منها البلاد لأن العسكريين حكموا نحو خمسة عقود منذ أن نال السودان استقلاله، ومشكلة العسكريين أنه رغم إدراكهم للفشل في نظم حكمهم فهم لا يعرفون كيف يصححون الأمور ويعتبرون كل من لديه فكر إصلاحي حقيقي خائنا تجب معاقبته. وترى الحركة الوطنية للتغيير أن النزاع الدائر في السودان الآن ليس مجرد صراع بين العسكر والمتمردين على حكمهم، كما ليس هو صراعا بين العلمانية والإسلام، وفي ضوء ذلك ترى الحركة أن مواقفها لا تعني بالضرورة أن هدفها هو المواجهة مع نظام الإنقاذ بل هي فقط تريد التبصير بأن نظام الإنقاذ قام على أسس عسكرية وتربي في أحضان الحروب الأهلية وهي التي شكلت مزاجه وجعلت من الصعب عليه أن يفكر في الأسلوب السلمي للتغيير، وتقول الحركة الوطنية للتغيير إن الفشل الذي عاناه السودان سببه شح الثقافة الديمقراطية التي جعلت من الصعب تأسيس نظام ديمقراطي سليم، وكذلك فأن علاقة المثقفين السودانيين بالسلطة ظلت دائما على درجة كبيرة من التأرجح، ولعل معظم المثقفين لا يفكرون إلا من منظور المكاسب الشخصية التي يحققها النظام لهم . وترى الحركة الوطنية أن مواجهة الأنظمة العسكرية بالقوة ليست ضمانا لإحداث التغيير، لأن نجاح القوة في إسقاط النظم لا يعتبر نجاحا في إمكان إحداث التغيير الذي يتطلع إليه المواطنون . وتذهب الحركة إلى أن التغيير المطلوب يجب أن يستند أولا إلى الضمير، أي الأساس الأخلاقي الذي يجعل التغيير هدفا ليس فقط من أجل أن تتغير سلطة بسلطة، بل من أجل أن تكون السلطة الجديدة وسيلة لتحقيق خير المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم وأعراقهم وميولهم الاجتماعية . وهكذا يجب أن تسهم سائر القطاعات الوطنية في مختلف الأقاليم من أجل أن تسير البلاد في هذا الاتجاه، كما يجب أن تتحقق العدالة الاجتماعية بصورة كاملة، وذلك في مجال توزيع فرص العمل ووصول المستحقات الاقتصادية والخدمية لكل المواطنين . ولا يتحقق ذلك في نظر الحركة إلا بوجود حكومة مدنية ينتخبها جميع الناس من أجل تحقيق مطالبهم لأن التجربة الماضية أثبتت أن الحكومات العسكرية لا تهتم كثيرا بالمواطنين وهي تركز في معظم الأحوال اهتمامها على الأزلام أوالموالين للسلطة وأصحاب المصالح حتى وإن تعارضت مصالحهم مع مصالح الشعب بصورة عامة . وفي ضوء هذا الواقع تعرض الحركة الوطنية للتغيير مجموعة من الآراء ترى أنها أساسية في عملية التغيير التي ينشدها المجتمع، وهذه الآراء هي : أولا:ضرورة وضع برنامج للتصالح الوطني خاصة بين النخب التي عملت في المجال الاجتماعي والسياسي منذ فجر الاستقلال .ثانيا : قبول مبدأ النظام التعددي الذي تتشارك فيه جميع المكونات الاجتماعية في حرية التعبير والتعاون دون عصبيات طائفية أو عرقية أوسياسية. ثالثا: تصفية بنية الفساد في الدولة من خلال فك الارتباط بين السلطة والمفسدين الذي ثبت أنهم أساؤوا استخدام نفوذهم من أجل تحقيق مصالحهم الذاتية. رابعا : دعم قيم العدالة المطلقة كقيم يتأسس عليها العمران البشري بحسب رؤية الحركة . خامسا: دعم قيم الإخاء العربي والأفريقي وإعلاء قيم التعاون مع سائر الدول حتى لا ينظر إلى السودان كدولة مارقة أو خارجة على النظام الدولي . وإذا نظرنا إلى كل ما تدعو له الحركة الوطنية وجدنا أنه يتركز حول فكرة التغيير التي تشمل النظام السياسي والعلاقات الاجتماعية والسياسية حتى لا تكون البلاد في يد سلطة عسكرية أو مدنية توجهها لخدمة أغراض طائفية وعرقية . ولا شك أن التفكير في هذا الاتجاه يسهل من الجوانب النظرية ولكن تحقيقه من الناحية العملية قد يواجه الصعوبات ذاتها التي تواجهها أنظمة الحكم القائمة، ذلك أن إحداث التغيير في أي مجتمع لم يتعود على ممارسة النظم الحديثة في الحكم قد لا يكون أمرا سهلا وهذه هي المعضلة التي تواجه عملية التغيير في السودان. المصدر: القدس العربي 13/3/2014م