المؤمنون بنظريات التآمر يحق لهم أن يربطوا التصعيد الخطير في دارفور بمحاولات حثيثة لجر السودان إلى مربع الاقتتال المناطقي . إذ ليس من قبيل الصدفة أن ينفجر الوضع فجأة ويسقط قتلى بالعشرات ومهجرون بالآلاف في معارك وضعت الإقليم الغربي للسودان في صدارة التغطيات الإخبارية وأعادته بسرعة إلى أجندة التحركات الدولية والتصريحات السياسية لمسؤولين أمميين وغربيين وأمريكيين على الخصوص . ولا شك في أن ما يظهر على سطح الأحداث لا يمثل الحقيقة بالضرورة . ولأن الوضع العام في دارفور لم يشهد الاستقرار منذ اندلاع أزمته قبل أكثر من عشر سنوات، بدليل أن أنباء الاشتباكات المتقطعة وحوادث السلب والنهب لم تنقطع، وقوات الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي "يوناميد" لم تنسحب، بل إن هذه القوات وضعت خطة طوارئ منتصف العام الماضي بعدما تكرر استهداف قواتها وخسرت عدداً من الجنود، وقد كان ذلك مؤشراً على تطورات أمنية خطيرة ربما تصعيد هذه الأيام هو بدايتها المتوقعة، والتي ستقود إلى حقيقة جديدة تقوم على تكريس أزمة تنخر السودان وقد تؤدي به إلى اقتطاع خمس مساحته أسوة باقتطاع الجنوب، قبل ثلاث سنوات . من المثير للانتباه أن تصعيد الوضع في دارفور تزامن مع تطورات داخلية وخارجية تحاول الحفاظ على وحدة السودان وتعزيز جبهته الوطنية . فمحلياً، حصلت مواقف غير مسبوقة منذ سنوات، ومن ذلك دعوة الرئيس عمر البشير إلى حوار وطني ولقائه لاحقاً بحليفه السابق حسن الترابي، وإجماع أغلب أحزاب المعارضة على ضرورة التغيير من دون سلاح وباجتماع الفرقاء كافة على برنامج موحد يحمي السودان من الصراعات القبلية والفتن، ولا سيما في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان . أما خارجياً، فهناك فلسفة جديدة اعتمدتها الخرطوم في الفترة الأخيرة وأثمرت تحسنا في العلاقات مع الجارة مصر، تمثلت في اتفاق على طي صفحة الخلافات، وتعزيز التنسيق الأمني والاقتصادي لا سيما في ملف مياه النيل . وكما أن علاقة الخرطوم بإثيوبيا اتجهت إلى تصحيح كثير من الاختلالات، كانت العلاقة مع الجنوب المقتطع متسمة ب "الحياد"، إذ لم تتورط الخرطوم في حرب سلفاكير ورياك مشار واستطاعت أن تقف موقف المجير لعشرات الآلاف ممن هربوا من نيران القتل والتصفية . ربما لكل هذه الأسباب وغيرها يحصل التصعيد في دارفور لإحباط أي نجاح محتمل داخليا وخارجيا . وكأن في الأمر عرقلة أو إحباطاً لأي محاولة لتعافي السودان من جراحاته وأزماته . وباعتبار أن الأحداث لا تتولد صدفة، فقد كان من شبه المؤكد أن الحرب التي دارت في جنوب السودان ولم تنته بعد، ستمتد إلى ما بعده، وإلى السودان تحديداً، وها هو المثال في إقليم دارفور وفي جنوب كردفان وتحركات احتجاجية في الخرطوم . ومنذ أن فشلت جولة أديس أبابا التفاوضية بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال، ثم الإعلان عن تعثر "اتفاق الدوحة" للسلام في دارفور، فإن الطريق أصبحت ممهدة لهذا الوضع الراهن والأخطر مما سبق . المصدر: الخليج الاماراتية 18/3/2014م