دارفور غدت أم القضايا السودانية، وبات ليلها المروع ونهارها الملوع، غصة في نفوس كل أهل السودان، وفي سبيل إيجاد حل لمشكلتها، واكتشاف عقدتها واستبانه عصى أمرها، وقعت العديد من الاتفاقيات مع حاملي السلاح ابتداء من أبوجا التي ما لبث الموقعون عليها أن نقضوا غزلها ونفضوا اليد منها، ثم من بعد جاءت اتفاقية الدوحة التي أشهد المصلحة عليها ووقعت عليها حركة التحرير والعدالة وانخرطت في المشاركة من بعدها، ولحق بها فصيل بخيت دبجو، ومازال يعالج مشاركته وتنزيل ترتيباته، ومع ذلك ماتزال أطراف تتأني على الانخراط فيها والاندماج في بنودها، مني وحركته وجبريل ومجموعته وعبد الواحد ورفاقه، ولم يعد الأم قاصراً على حركات خرجت بسلاحها، وإنها باتت دارفور مروعة بقتال قبلي، هتك نسيجها وبدد أمنها وأفزع أهلها وأسهد مواطنيها. ولعل دارفور التي تدخل حربها عامها الحادي عشر، صعدت كما البرق إلى المنابر الإقليمية والدولية، بل وبلغت المحكمة الجنائية، مما يؤشر إلى أن دارفور غدت بحق قضية أهل السودان، وأن خروجها من دائرة الإنتاج هو الذي عصف باقتصادنا وباستقرارنا. ولعل الناظر والمتأمل في قضية دارفور يجد أنها طوفت على كل المنابر وتداخلت فيها المبادرات وتعددت الاجتهادات، وكثرت الاتفاقيات، ومع ذلك لم تنته إلى وقف لحبرها أو إلى رتق لنسجها. ومنذ وقت وفي إطار العلاقات المتميزة التي ربطت السودان بتشاد، والقوات المشتركة التي باتت حارسة لحدودنا، والزيارات المتبادلة التي رعت مصالحنا، في إطار هذا كله وقع اتفاق أم جرس الأول، والتي انعقدت برعاية الرئيس التشادي إدريس دبي وبماركة الرئيس البشير، وبجهد منظور قاده وزير العدل محمد بشارة دوسة، وهدف الاتفاق الذي كان قاصراً حينها على قبيلة (الزغاوة) على وقف الحرب ووضع حد لنزيفها، وإحلال السلام مكانها، وتطبيع الحياة العامة وإعادة الحياة لدورتها، وأن يغدو التعايش أمراً مألوفاً مثلما كان بين أهل دارفور ومجموع سكانها، ومن بعد النجاح الذي حققته والأثر الذي أحدثته، رؤى بحسب دوسة أن يتمدد أثرها وأن تنسحب نتائجها على دارفور وكافة قبائلها، ولأجل هذا رتب لانعقاد أم جرس الثانية التي تنطلق فعالياتها اليوم الأربعاء وتمتد حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري ليخاطب خاتمة فعالياتها الرئيس البشير والرئيس دبي، ولعل دوسة لم يغفل سانحة أن يبين لم اقتصرت أم جرس الأولي على قبيلة (الزغاوة) باعتبار أن أبناءها انخرطوا في الحرب واكتوا بنارها وتأثرت مناطقهم بها، وإنهم رأوا من بعد ذلك أن النار لا يمكن أن تطفأ إلا بمشاركة أهل دارفور كلهم، وبمشاركة كافة قبائلهم. على أن ابرز إشارة أكد وركز عليها النائب الأول لرئيس الجمهورية، الفريق أول بكري حسن صالح، أن التسمية الصحيحة لما يجري أنه قضية أهل السودان مجتمعين وليست قضية أهل دارفور منفردين، وأن على الملتئمين في أم جرس والذين يمثلون دارفور بكل أطيافها وأجناسها أن ينتهوا إلى خارطة طريق، وأن يوحدوا كل المبادرات التي انصبت لحلها، وأن يقدموا إجابات لأصل المشكلة وبواعثها وأسبابها ومنشأ الصراعات القبلية والأسباب المفضية لها، وأن ينتهوا إلى روشتة للسلام تنهي الحرب وتضع حداً لأوزارها، مؤكداً أن السلام يمثل الركيزة الأساسية في الوثبة التي أعلنها الرئيس وأذاعها، وإنه بغير السلام لن نحقق أملاً مرجواً في كل مرتكزات الوثبة التي تأتي تالية لها. وقال إن الحرب التي امتدت لأحد عشر عاماً أعاقت تنمية دارفور وكتبت التخلف عليها، وان الصراعات القبلية، أفضت إلى نتائج جعلت الحزن مخيماً على دارفور وأهلها، مشيراً إلى أنه من بعد كل هذه السنوات ليس بالوسع الحديث عن رابح، وإنما هي خسارة حاقت بنا كلنا. وبعد فان أم جرس الثانية، والتي تنادي لها أهل دارفور بكل قبائلهم وسياسييهم وإداراتهم الأهلية تنعقد في وقت فارق من تاريخنا وفي لحظة فاصلة من مراحل أزماننا السياسية، وفي وقت اشتدت فيه أزماتنا، مما يتطلب أكيد عزمنا وصلابة إرادتنا، لنؤكد أنه بالإمكان العلو على كل خلافاتنا والتغلب على إحننا، والانتهاء إلى بر نحقن به دمائنا ونرعى حرمة مواطنينا. نقلاً عن صحيفة الخرطوم 2014/3/26م