«الانتخابات مقابل الاستفتاء» هو الشعار الذي رفعه الرئيس السوداني عمر حسن البشير رداً على التوجه الساعي لمقاطعة الانتخابات السودانية. والرئيس السوداني يعني بذلك أن عملية الانتخابات ضرورية لتمرير الاستفتاء على مصير الجنوب المقرر في عام 2011... المواقف التي اتخذتها المعارضة بخصوص الانتخابات تبدو من الوهلة الأولى بأنها مواقف أمليت على تلك الجماعات التي أثبتت مرة أخرى عدم استقلاليتها وتأثرها بقوى الخارج التي تضع السودان منذ عقود من الزمان تحت ضغط العقوبات التي تفضي إلى تقسيم وتدمير البلد ذي الخيرات والموارد الكبيرة. واضح جداً أن رفض المشاركة في الانتخابات وخصوصاً من قبل قوى الجنوب ليس مرتبطاً بقضية الاستفتاء بالشكل الذي يروج له وإنما هناك ربط بين الموضوعين ولكن بطريقة أخرى تثبت عجز تلك القوى عن إثبات نفسها والتدليل على حسن النوايا التي انكشفت في أكثر من مناسبة لتبين للجميع شكل العلاقة بينها وبين القوى الخارجية التي لا تسعى بحال من الأحوال لمصلحة السودان سواء تعلق الأمر بالشمال أو الجنوب. مقاطعة الانتخابات جاءت كمحاولة لحجب الشرعية التي ستتوفر للرئيس الفائز والذي غالباً سيكون نفس الرئيس السوداني الذي يحتاجه السودان بالفعل لأكثر من دورة رئاسية لمواصلة مسيرة النماء التي بدأها وأيضاً للتعامل مع المشاكل التي بحجم الجبال المفروضة على هذا البلد العربي المسلم الغني بالخيرات. فالشرعية الحالية إذا ما تعززت بمثل تلك الممارسة الديمقراطية ستكون صمام أمان للسودان وليس للبشير فقط في وجه دعوات أوكامبو وكل الاتهامات الموجهة للسودان من قبل الدول الكبرى التي أصبح عداؤها السافر دليلا واضحا وشهادة ناصعة على كفاءة تلك الأنظمة التي يراد استبدالها بأخرى تدور في فلكهم وتأتمر بأوامرهم. أما علاقة الاستفتاء الخاص بمصير الجنوب بمقاطعة الانتخابات فهي أيضاً علاقة وطيدة بحكم أن الجنوبيين المدعومين من الخارج (وهذا ليس اتهاماً دون دليل وإنما هناك من الأدلة ما يكفي والتي من بينها التسليح المستمر لانتزاع الجنوب بالقوة وليس بالاستفتاء ) لم يوقعوا على اتفاقية نيفاشا في 2005م إلا لتحقيق هدف الانفصال الذي جاء على شكل عرض يمكن تحقيقه بعد الأخذ برأي الجنوبيين في تلك التجزئة ، وبهذا فإن الهدف الحقيقي لوقف الحرب السابقة هو الاستعداد لحرب جديدة تكون أكثر فاعلية وأكثر تخطيطاً تستطيع في النهاية تحقيق الاستقلال المنشود وليس فقط كما كانت سابقاً الاكتفاء بالحصول على بعض الحقوق. وفق هذه المؤشرات فإن الأزمة السودانية مرشحة للاستمرار لأن من يتربصون بالسودان يريدون لها أن تستمر وأن يضل الصراع قائماً بين السودانيين الراغبين في رؤية السودان الموحد من جهة وبين قوى الخارج ومن يساندهم من الداخل من جهة أخرى ، وسيضل هذا البلد محل اهتمام تلك القوى طالما أنه ظل على مواقفه الرافضة لبيع السودان بالتجزئة أو بالجملة كما بيعت من قبله دول كثيرة كان لبيعها تأثير خطير على أمن وسلامة هذه الأمة المستباحة والملعوب في تاريخها وحاضرها ومستقبلها. على الحكومة السودانية إذا ما أرادت تحقيق طموحات الشعب السوداني الثبات على موقفها وعدم تقديم التنازلات حتى ولو اضطرت لإجراء الانتخابات بمرشح واحد والفوز حتى بصوت واحد يعبر عن إرادة الشعب السوداني وليس إرادة قوى العدوان التي تجتهد وتبذل كل الجهود لعرقلة المسيرة السودانية ومنع هذا البلد العملاق من العودة للعمل لصالح شعبه وأمته بعد سنوات طويلة من الغياب تسببت فيها الحروب المفروضة أجندتها من الخارج. فالمشاركة في الانتخابات وبصدق هي مفتاح طرح الاستفتاء، وبدون هذه المشاركة لا يوجد ما يمكن الاستفتاء عليه ولا حتى الجلوس لمناقشته. فالانتخابات والاستفتاء عمل واحد لا يمكن تجزئته ودليل حقيقي على حسن النوايا وصدق العمل. المصدر: الوطن القطرية 4/4/2010