قال الحزب الشيوعي أنه لن يشارك في أي حوار سياسي بالسودان ما لم تهيأ الأجواء بصورة صحيحة لحل الأزمة السودانية عبر قرارات جمهورية توقف الحرب وتلغي القوانين المقيدة للحريات السياسية التي بدونها لن يكون الحوار جماعياً. وقال السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السودان محمد مختار الخطيب، لبرنامج "وجهات نظر" الذي بثته "الشروق"، مساء الأحد، إن تحالف المعارضة ليست أغلبيته يساراً، بل هي أحزاب جمعتهم الأزمة السودانية السياسية. وقال الخطيب أن الأزمة في السودان هي تغييب الديمقراطية لأكثر من 50 عاماً، ولم تتمكن الحكومات من تحقيق تنمية متوازنة، وهي نفسها العبارات التي تكررت في أكثر من إفادة للمهندس صديق يوسف الناطق باسم الحزب للتليفزيون. مسألة وقف الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، تتطابق حولها وجهات النظر مع تصريحات قادة الجبهة الثورية بما ينقل الي المتلقي أحساس ما بأنهم يعزفون نفس اللحن من نوتة واحدة مع "الأصوات" القادمة من كمبالا وجوبا. وتغييب الديمقراطية في السودان لما يزيد عن "نصف القرن"، سؤال ملح يكشف عما خلفه من تراكمات معرفية "اجتماعية وسياسية" في السودان ككل ولا تخرج هذه الأحزاب "مجتمعة" من دائرته ليلتف كحبل متين حول رقبة "حزب واحد" الآن. ويساريه تحالف المعارضة، لا تطال كصفة الأشخاص في داخله، وإنما تعني وبالتحديد هذه "السياسات المركزية" التي تدور حولها تحركات هؤلاء الأشخاص المعنيين "اعتبارياً" بصناعة القرار في أحزابهم التي يمثلها هذا التحالف. سيكون من "السذاجة" تفويت هذه الفرصة، للتأكيد علي أن المرجعية "التاريخية" للبحث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت من الصعب تحقق حالة وفاق وطني حول السلطة طوال "نصف قرن" من الزمان، مشتركة بين كل هذه "الأحزاب" السودانية. وتلعب الخبرة السياسية لمن هم فعلاً علي رأس هذه الأحزاب دوراً كبيراً في إعادة تكييف الأزمة بالطريقة التي تجعلهم أقرب للطرق الذي يؤدي الي الحلول السياسية "الكلية" بمعرفة أن البدايات الحقيقية لبناء النظام الديمقراطي هنا "غائبة". فكيف لا تتطور الأحزاب السياسية في داخل تنظيماتها وبنياتها الفكرية والتوجيهية، ويكون عليها متي ما سنحت الفرصة أن تحدث هذا التغيير "الجزافي" الذي يتنزل عليها كوحي أو الهام ما ورائي ويكون الحديث عن "الفوضى الخلاقة" هو منطلقها. تتطور الرؤية السياسية للحزب "يساري أو يميني" من خلال التجربة الصلبة علي الأرض، وتجربتنا لا زالت تدور حول "الانقلاب العسكري" المدعوم خارجياً أو الديمقراطية المنكفئة علي "الماضي" بلا خارطة طريق حقيقية راهنة. لنتحدث عن وقف الحرب في جنوب كردفان ودارفور يكون علينا مخاطبة جذور الأزمة في هذه المناطق نفسها وقبل كل ذلك طرح تداعياتها الإنسانية المؤسفة كموضوع مركزي "عاجل" ولا يتم وقف أطلاق النار قبل معرفة من الذي "يطلقها"!. لليسار وجوده الفاعل في "العقلية الأساسية" التي تدير ما يسموه "حرب الهامش" وكذلك يكون عليه تقديم "مخارجاته" السياسية من هذه المرجعيات الموثقة في كل حركات التمرد منذ العام 1955م بدلاً من الاحتفاظ بها كأزمات مزمنة في هذا البلد. لأن التغيير الراديكالي القائم علي إلغاء النظام الاجتماعي التاريخي للسودان لصالح إحلال مجتمع اشتراكي كفكرة صاعدة كالسهم منذ الخمسينيات – لم تتغير ونادراً ما يتغير شئ في بلادنا – لا تزال عالقة مع بقية "الأنوار التي لم تضاء بعد". والأزمة الفكرية المتجذرة في هذه التنظيمات التي خرجت من حيز التجديد والمواكبة منذ بداية التسعينيات لم تجب بعد علي أسئلة الاتجاه والبوصلة التي طرحها كلا من "الخاتم عدلان" و"الشريف زين العابدين الهندي" وأخرين كثر من منسوبيها. بمعني أن تكون مهمتنا "الآنية" هي إسقاط نظام الحكم المحدد، ليأتي "البديل" كيفما اتفق لاحقاً، وهذا ما عايشناه في أكتوبر 1964م وفي ابريل 1985م، بأن نكون نحن من "يفجر برميل البارود" ويلتزم الآخرون بمسؤولية "إطفائه". والديمقراطية التي تفضي الي أن "تحكم" فيها البلاد بالصندوق الانتخابي لا تعطينا أكثر من دائرة في أحسن الأحوال لماذا؟... لأن المجتمعات ذات التكوين القبلي والطائفي لا تقبل أن تتغير بسهولة حتي تتمكن من الوقوف في صف "القوي الحديثة". لتكون "الانقلابية" والعمل خلف الواجهات البراقة هو السبيل الأمثل لاختراق هذه المجتمعات العصية علي التغيير، والكادر المدرب يحل في موقفه الصحيح في قلب الهامش ويتولي أمر إدارة الحرب الأهلية هنا وهناك.. ولا جديد يحدث. وفي إعلان الحكومة وقف إطلاق النار من "طرف واحد" في مناطق النزاع القائمة الآن، ما هي الخطوة المتوقعة من قادة الجبهة الثورية حيال هذا الموقف؟.. لتظهر حقيقة أن القرار السياسي في داخل هذا الكيان المسلح والمعارضة ليس "موحداً". باعتبار أن "القوة المسلحة" بطرف الحركات تشد خيط "الأيدلوجيا" المتمرسة بالخرطوم خلف النقد والنقض السياسي، في الحالة السياسية التي تتجاوز حدود "التعريف الحزبي" للقيادة السرية لعمليات التبشير بمجئ "أوان دولة الهامش". ولا نري في "جماعة الحوار" التي تمت الإشارة إليها من قبل السيد السكرتير السياسي للحزب الشيوعي ما يفيد بأن هنالك فعلاً "نية" في هذا الحوار من أصله، وأن هذا التحالف تتم إدارته من "أقلية" لا تعمل بمعزل عن هذه الجبهة الثورية. وطبقاً لما صدر عن الفاتح عز الدين رئيس المجلس الوطني حول أنهم لا يتوقعون إجماعاً علي الحوار تكون هذه القوي السياسية "المدركة" لمهامها السياسية المرتبة مسبقاً في المضي باتجاه "إسقاط النظام" هي ذلك "الكلام" الذي يختبئ داخل الكلام. حتي لا يتفاءل الناس مجاناً بمجئ مرحلة سياسية في هذا البلد يكون التوافق الوطني عنوانها، لأن أزماتنا الأمنية والسياسية هي في الأساس "مترحلة من الماضي" ونحن نفكر بأثر رجعي ونتمسك "بألواحنا" الخشبية نفسها من أيام "السودنة". وما بين الأمس واليوم تمضي الحياة، وتصدق نبوءات من يحمل القوة والمال والإرادة، ولا تنتج الخطابات "المغلقة" بطبيعتها إلا مزيداً من الحروب والتأخر والارتدادات غير المسحوبة لأزمات التيه الفكري والتقزم في واقع لا يحتمل "الانتظار". وبالرغم من كل ذلك، يجب أن تتوقف الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وأن تعود الحياة السياسية "المدنية" إلي الخرطوم وتتقارب الفجوات المتباعدة مثل "الهاوية" بين هذه القوي السياسية فيما بينها أولاً وبعد ذلك مع "الحكومة". نقلا عن صحيفة الصحافة 16/4/2014م