يومًا بعد الآخر يبدو المشهد السياسي المصري مليئًا بالدموية ويشوبه اللاستقرار بسبب الإجراءات والآليات التي تستخدمها الحكومة المصرية الحالية وممارستها كافة أنواع القمع ضد معارضيها ومعارضي ترشّح عبدالفتاح السيسي للرئاسة. فالأحداث الأخيرة التي تشهدها مصر لم تعد فقط تعنى بجماعة الإخوان المسلمين أو قادتها أو أفرادها أو حتى المتعاطفين معهم٬ الأمر أصلاً بات أكبر من مجرد جماعة الإخوان المسلمين، فالأمر الآن أصبح كل من يعارض ترشّح السيسي للحكومة سيلقى أحد مصيرين لا ثالث لهما، إما الموت معدومًا أو قضاء باقي العمر في السجون. فالأحكام الصادرة بحقّ أكثر من 680 شخصًا الذين حكم عليهم بالإعدام لا تبشر بأي تطوّر وانفراج للأوضاع في مصر، بل إنها ستخلق جوًا مشحونًا ذا تبعات اجتماعية خطيرة، فما يحدث الآن من إعدامات جماعية بالمئات في خلال شهر واحد(529 الشهر الماضي)، واعتقالات مكثفة٬ سوف ينبثق عنه فيما بعد سنوات حالة من عدم الاستقرار بين أبناء الشعب الواحد، وإن محاولة مصر القضاء على كافة أشكال المعارضة حتى السلمية منها التي خرجت للتظاهر ضد حكم مبارك مثل حركة 6 أبريل التي تمّ حظرها وحظر جميع أنشطتها ليس لها تفسير سوى أن ما يقال حول أن مصر تسير على خطى " ديموقراطية" ما هو إلا كذبة كبرى يراد للسذّج تصديقها٬ فما يحدث اليوم ما هو إلا سير على خطى استبدادية وقمعية، فالنظام القضائي في مصر مسيّس أكثر من أي وقت مضى وأصبح كالحفرة التي تبتلع كل معارض وكل مَن يقترب من معارضة السيسي. إن الأحكام الجماعية التي لم يسبق لها مثيل والأحكام التي صدرت خلال ثماني دقائق بحسب مصادر عدة في حقّ 680 شخصًا ما هي إلا استهتار بمنظومة القضاء وجعله ذراعًا من أذرع الحكم السياسي في مصر، لكن هل فكّر هؤلاء في التبعات التي يمكن أن تحدث في المستقبل القريب أو البعيد كردة فعل على الإعدامات الجماعية وحظر الجماعات السياسية؟، من غير المستبعد أنه وبسبب عدم مقدرة مصر على احتواء معارضين لها كأي دولة في العالم لديها معارضة سياسية، أن يشكل بعض الأفراد جماعات بشكل سري وغير قانوني وبدلاً من أن تكون تلك الجماعات والأفراد المعارضة تعمل في العلن وتحت قوانين تحكمها وضوابط تنظم عملها، فإنها تعمل وراء الستار وتلك الجماعات التي تعمل بسرية يصعب تقصي أفرادها أو التيقن من مخططاتهم أو تحركاتهم، وهنا مكمن الخطر الذي لا تعيه بعض الأطراف في مصر، فالإقصاء بهذا الشكل من خلال إصدار أحكام نددت بها المنظمات الدولية ودول العالم سيكون له ردود فعل لا يحمد عقباها. إن ما لا يريد البعض أن يستوعبه أنه بالرغم من وجود مؤيدين للانقلاب الذي حصل في مصر، هنالك أيضًا معارضون له وهم ليسوا بالضرورة من الإخوان المسلمين أو من المتعاطفين معهم٬ فالأمر لم يعد يقتصر على حزب أو ايديولوجية معينة، بل حقوق إنسان تخرق ودماء تهدر بسبب الجشع السياسي وحالة الرعب التي زرعها النظام المصري الحالي في قلوب مواطنيهم. إن ما يحدث اليوم في مصر، لم يكن ليحدث دون دعم خارجي سواء أكان رمزيًا أو ماديًا، مثلما فعلت الولاياتالمتحدة التي كافأت الحكومة المصرية مؤخرًا بعشر طائرات أباتشي وأكثر من 650 مليون دولار من المساعدات الخارجية، بالطبع تلك المساعدات والطائرات ليس حبًا في النظام الحالي في مصر، ولكنه لسبب الكل يعرفه أن لمصر معاهدة سلام مع إسرائيل، وبالتالي فإن عليها حماية إسرائيل حليفة الولاياتالمتحدة الأولى في المنطقة، ولا يبدو أن الولاياتالمتحدة ستتراجع عن مساعداتها تلك بالرغم من تعليق واشنطن على أحكام الإعدام بأنها " مقلقة". ما يحدث في مصر اليوم بمساعدة الحكومات والأنظمة الخارجية بشكل مباشر وغير مباشر لن يجلب للمنطقة إلا مزيدًا من اللاستقرار والمزيد من العنف، فبدون استقلال قضائي وبدون عدالة اجتماعية تضمن للجميع حقوقهم وواجباتهم لن يكون هنالك انفراج للأزمة السياسية في مصر.