اليوم الأحد يقف التاريخ لحظة ليسجل في تردد انطلاق أول انتخابات يشهدها السودان منذ مضي ربع قرن من الزمن الكئيب الذي سيطرت على دفة الحكم فيه الشمولية، واستعراض الرجل الواحد، والحزب الواحد الذي هيمن على إدارة البلاد، وأقصى الأحزاب السياسية وحجم نشاطاتها وألجم ألسنتها، وقيد حركتها ردحاً من الزمن على نحو أصبح معه من المستحيل على الأحزاب السياسية التقليدية استعادة قواها وتنظيم شؤونها الحزبية والشعبية، كما أصبح من شبه المستحيل بروز أفكار جديدة تلبي تطلعات وأماني الأجيال الجديدة التواقة إلى الجديد والتجديد. اليوم يتدافع الناخبون المؤيدون لقيام الانتخابات في موعدها، زرافات ووحداناً للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مركبة ومربكة، وعصية على التفكيك والتحليل. في حين تستنكف أربعة أحزاب رئيسية عن المشاركة في عمليات الانتخابات، باعتبارها – حسب رؤاهم – مرتبة، ومفبركة، ويأتي في طليعة المرشحين ضمن المعارضين لها السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، والسيد ياسر عرمان مرشح الحركة الشعبية المتحالفة مع المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم – في حكومة الوحدة الوطنية الحالية. الانتخابات السودانية الحالية مركبة لأن الناخب يدلي بصوته للانتخابات الرئاسية، والولائية والمحلية. أما الإرباك فيتأتى من التصريحات المتناقضة التي أدلى بها المرشحون والفاعلون السياسيون في الداخل والخارج، ويعد التناقض بين رأي رئيس الحركة الشعبية وقطاع الشمال مثالاً صارخاً لذلك التناقض، كما أن مواقف الإدارة الأمريكية إزاء الانتخابات السودانية يعتريها التناقض بشكل لافت. بينما يتمفصل اصطلاح الفبركة في التصريحات التي أدلى بها المرشحون المعارضون باتهامهم للرئيس البشير بأنه يتحكم في جميع مفاصل وقطاعات الدولة وتسخيرها لمصلحته في الحملة والدعاية الانتخابية، وانحائهم على المفوضية القومية للانتخابات بأنها قد اتخذت مساراً منحازاً للحزب الحاكم وللرئيس البشير، وعدم التزامها بقواعد فئة إدارة الانتخابات بصورة تجعلها حرة ونزيهة وشفافة، وذات صدقية، وبعيدة عن التزوير. الانتخابات في جوهرها ممارسة واعية للتعبير عن رأي الشعب في حكم نفسه عن طريق انتخابات ممثليه الشرعيين، وهي بهذا الفهم تمثل حصناً حصيناً لصيانة مكتسبات الشعب الحضارية، وحقوقه الدستورية، بما يؤمن الانتقال السلمي لتداول السلطة بين الأحزاب السياسية ذات الثقل الشعبي. غير أن الممارسة الفعلية لهذه الحقوق الدستورية من خلال ما أفرزته الانتخابات التي ستجرى اليوم يجعل السودان أمام تحديات كثيفة وماثلة: * بالنسبة لجنوب السودان يتمثل التحدي الحقيقي في أن الانتخابات الحالية تمثل مراناً ومراساً للاستفتاء القادم، إما اختيار الوحدة مع الوطن الأم، أو الانفصال. * أما بالنسبة لعامة السودانيين فإنها تكرس استمرار الرئيس البشير في الحكم الذي أضحى انتخابه من المسلمات الأساسية. وبما أن إجراء الانتخابات اليوم أصبح واقعاً ملموساً، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه السودانيين هو: التحلي بالقظة والوعي الوطني بنبذ العنف وإقصاء أي مظهر من مظاهر التفلتات الأمنية التي تجعل البلاد تنوء بأشباح الفوضى والاضطراب، والانقسامات التي لا تحمد عقباها.. وعندها لا تجدى خيبات الأمل ضُراً ولا عض أصابع الندم نفعاً. المصدر: الشرق القطرية 11/4/2010