لا يزال حزب الأمة يحتفل بإطلاق سراح زعيمه وإمام الأنصار السيد الصادق المهدي الذي رغم سعيه الدؤوب للحوار مع الحكومة إلا أنه وجد نفسه محبوسًا في سجن كوبر العتيق لمدة شهر، في وقت عجزت فيه المعارضة السودانية عن الاتفاق على الحد الأدنى من الاتفاق على موقف موحد وفوتت فرصة زخم اعتقال المهدي الذي عاد منتصرًا ليقود الساحة السياسية المعارضة، ولذلك سعى حزب الأمة إلى فرض شروطه للحوار مع حكومة الرئيس عمر البشير، التي يبدو أنها لن تلتفت إلى أي صوت آخر غير صوت حزبها بعد إجازتها قانون الانتخابات والتلويح بقيام الانتخابات بمن حضر في وجه الجميع. إن الأزمة السياسية السودانية عادت إلى المربع الأول، مربع عدم الثقة، بين الحزب الحاكم والمعارضة التي وجدت نفسها في معركة قد تكون فاصلة أعدت لها الحكومة العدة بعد إجازة قانون الانتخابات والتلويح بعصا قوات الدعم السريع الذي طال زعيم المعارضة الرئيسي الصادق المهدي، ولكن السؤال المطروح، هل يستطيع المهدي أن يغير الواقع بالسودان لصالح الحوار بعدما أعلن صراحة أهمية أن تغير حكومة البشير منهجها الحواري وبعدما أعلن حزبه شروطه للعودة للحوار الوطني مع الحزب الحاكم والتي تقوم على ثلاثة مجالات، الأول نفي الانتقائية عن الحوار، وجعله حوارًا جامعًا بمشاركة جميع القوى السياسية والحركات المسلحة، والمجال الثاني: الربط بين الحل السياسي للأزمة السودانية وعملية السلام، والمجال الثالث توافر الحريات العامة وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين. ولم يقف الحزب عند هذه المطالب فقط بل شدد على السعي للحل السياسي بموجب هذه المراجعات الثلاث أو صرف النظر عن الحوار والتركيز على خيار الانتفاضة، وهذا الموقف جديد في أدبيات حزب الأمة الذي كان يركز على الجهاد المدني والحوار طوال الفترة الماضية. فشروط حزب الأمة واضحة وتتفق معه عليها المعارضة السودانية الممثلة في قوى الإجماع الوطني والتي كانت حتى وقت قريب قبيل اعتقال الإمام تشك في مواقف حزب الأمة وتتهمه بموالاة الحكومة وإن الحزب بهذه الشروط قد حدد موقفًا واضحًا لعلاقاته مع الحزب الحاكم الذي سيجد نفسه في ورطة تداعيات اعتقال المهدي الذي كان من أبرز الداعمين للحوار والحل السلمي لأزمات السودان، ولكن يبدو أن اعتقاله قاد الحزب إلى مراجعة شاملة لمواقفه من الحوار مع الحزب الحاكم والتي لم تكن وليدة اليوم وإنما ظل متواصلاً منذ عودة المهدي وقادة حزبه بعد اتفاقية جيبوتي عام2000، ووقع الطرفان عدة تفاهمات وتراضيات ولكن لم تنفذ أي منها بل إن الحزب الحاكم استغل نتائج الحوار لشق صفوف الحزب بضم عدد من كوادره إلى صف الحكومة. من المؤكد أن حزب الأمة قد قرأ الواقع الحالي بالسودان قراءة متأنية ولذلك حاول أن يفرض واقعًا جديدًا من خلال فرض شروط جديدة لدخوله في أي حوار مع الحكومة لحل الأزمة السودانية، فهو يريد أن يكون الحوار جامعًا على غرار المؤتمر الدستوري أو المائدة المستديرة وأن الحوار لن يكون جامعًا وفقًا لهذه الشروط إلا من خلال مشاركة المعارضة المسلحة ممثلة في الحركة الشعبية لتحرير السودان وحركات دارفور، وهذا الموقف يجرد الحزب الحاكم من ثنائية المفاوضات مع الحركات، والتي ظلت سياسة قائمة منذ أمد بعيد، وهذا الموقف لا يختلف عن موقف الترويكا الغربية بقيادة وزير خارجية أمريكا التي أكدت أهمية مشاركة المعارضة المسلحة في أي حل للأزمة السودانية وأيضًا لا يختلف عن موقف الحزب الحاكم الذي أعلن عن تقديمه ضمانات لقادة الحركات المسلحة للمشاركة في الحوار. ولكن السؤال سيظل قائمًا من يضمن مشاركة قادة الحركات المسلحة، هل الحكومة أم المجتمع الدولي؟، وما مصير مفاوضات أديس أبابا الخاصة بمفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال التي يرعاها الرئيس الجنوب إفريقي السابق تامبو أمبيكي وأيضًا ما مصير مخرجات أم جرس الثانية التي يرعاها الرئيس التشادي إدريس دبي لحل أزمة دارفور بالاتصال مع الحركات المتمردة؟. الجميع متفقون على مشاركة المعارضة المسلحة ولكن يبدو أن هذا الاتفاق في رأي البعض مجرد مزايدة سياسية، فالحكومة السودانية لن تقبل بمنبر موحد للمعارضة السياسية والمسلحة وهي تدرك أن المعارضة السياسية تستخدم المعارضة المسلحة كفزاعة ضدها، ولذلك فهي تتمسك بمنبر أديس أبابا للحوار مع الشعبية ومخرجات أم جرس لمنح الرئيس دبي الفرصة لفرض واقع جديد بدارفور، فالحكومة تعني بالحوار الوطني المعار ضة السياسية وحزب الأمة يدرك أيضًا هذا الموقف، ولكنه يحاول استغلال تداعيات اعتقال الإمام الصادق المهدي لصالحه، ولكن هل ينجح في ذلك ؟، هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بقوة؟، الجميع بمن فيهم الحزب الحاكم يدرك أن حزب الأمة في طريقه لامتلاك زمام المبادرة السياسية بالسودان، فأي حل للأزمة الحالية لن يتم بمعزل عنه وأن الحزب الحاكم في أشد الحاجة إليه وإن اعتقال المهدى تسبب في إحراج كبير للحكومة وإن استغلال حزب الأمة لتداعيات الاعتقال بفرض شروط جديدة للعودة للحوار يجعل الحزب قائدًا للشارع السوداني وعليه أن يستغل ذلك بالاتفاق مع المعارضة السياسية التي ليس لها صوت مسموع لدى الحكومة وحزبها غير صوت حزب الأمة. ومن هنا فإن تهديد حزب الأمة بخيار الانتفاضة سلاح جديد في وجه الحكومة السودانية، خاصة أن الشارع السوداني لا يزال مهيأً للانتفاضة وينتظر من يقوده، فجذوة أحداث سبتمبر الماضي التي قادها الشباب غير المنتمي للأحزاب لاتزال متقدة في انتظار من يشعلها، والحكومة من جانبها تدرك هذه الحقيقة، ولذلك استخدمت قوات الدعم السريع سلاحًا جديدًا لتخويف المعارضة بالعاصمة، وإنها بدأت بأكبر رأس معارض ممثلاً في السيد الصادق المهدي الذي اعتقل بتهمة الإساءة لهذه القوات بسبب عملياتها العسكرية في دارفور وليس في العاصمة التي أصبحت مسرحًا جديدًا لها. طريق الحوار الوطني لحل أزمات السودان واضح وحزب الأمة وضع مشروع خريطة طريق ليسلكه الجميع بغية الوصول للحل، ولكن هل يتمسك الحزب هذه المرة بهذه الشروط أم يتراجع عنها مثلما تراجع في السابق عن مواقف مماثلة ولم يجنِ من علاقاته مع الحزب الحاكم سوى شق صفوفه واعتقال زعيمه؟. من المهم أن يدرك حزب الأمة أن اعتقال الإمام جبّ ما قبله من أحداث وحوارات وأنه حان الوقت لفتح صفحة جديدة تؤكد الموقف الرائد لحزب الأمة كحزب قائد للساحة السودانية، فالمهدي هو الزعيم الوحيد المؤهل لقيادة التغيير بالسودان وإن حزبه يمتلك الأدوات اللازمة لهذا التغيير، وإن المطلوب تفعيل هذه الأدوات لإجبار الحزب الحاكم على تغيير مواقفه لصالح الحوار الذي سيقود إلى تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن للجميع. فالشعب السوداني والمعارضة بجميع أطيافها السياسية والمسلحة والحزب الحاكم بمكوناته في انتظار حزب الأمة، فهل يفعلها الحزب هذه المرة؟، فالفرصة لاتأتي إلا مرة واحدة، وحزب الأمة فرط في عدة فرص للعودة لقيادة الساحة السياسية بالسودان، الأمر الذي مكّن الإسلاميين من فرض شروطهم على الجميع. فالساحة السياسية المعارضة خالية في انتظار قطار حزب الأمة بقيادة الإمام. المصدر: الراية القطرية 25/6/2014م