كانت الجزائر، وليس المملكة العربية السعودية، المحطة الاولى لاول جولة خارجية يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية ومنها انطلق الى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية لحضور قمة الاتحاد الافريقي. الجزائر تعتبر مفتاح القارة الافريقية بالنسبة الى الكثير من الزعماء العرب، ومن بينهم الرئيس السيسي، لانها تملك علاقات جيدة مع معظم دولها اولا، وتحتل موقعا استراتيجيا متميزا في شمال القارة بحكم توسطها لاتحاد دول الاتحاد المغاربي حيث ليبيا وتونس في الشرق والمغرب وموريتانيا في الغرب ثانيا، والاهم من ذلك امتلاكها ثروة نفطية وغازية هائلة ثالثا. ومن المفارقة ان اول عاصمة عربية زارها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير دولة قطر السابق بعد فوز بلاده بتنظيم التصفيات الكروية النهائية لكاس العالم عام 2022 كانت الجزائر ايضا التي طار اليها مباشرة من مدينة زيوريخ السويسرية، وذلك لشكر رئيسها عبد العزيز بوتفليقة على دوره في تحقيق هذا الفوز من خلال حث الدولة الافريقية على التصويت لدولة قطر. الرئيس السيسي اراد تحقيق ثلاثة اهداف رئيسية من خلال اختياره الجزائر كأول دولة يزورها ومن خلال جولته الافريقية التي التقى خلالها 13 زعيما ومسؤولا افريقيا، وتوقف خلالها في الخرطوم ايضا لعدة ساعات: *الاول: تأمين امدادات غاز الى مصر لمواجهة ازمة الطاقة المستفحلة فيها. *الثاني: مناقشة "ملف الارهاب" وحالة الفوضى الامنية الراهنة في ليبيا والحرب الاهلية المشتعلة، وكيفية مواجهة الميليشيات الاسلامية المتشددة ومنع امتداد خطرها على البلدين. *الثالث: تأمين مصالح مصر وحقوقها في مياه النيل وتجنب اي خلافات او صدامات مع اثيوبيا نتيجة لمشروعها بتحويل مياه النيل الازرق الذي تشكل مياهه اكثر من 90 بالمئة من مياه نهر النيل تمهيدا لاقامة سد النهضة، والجزائر يمكن ان تلعب دورا مهما في هذا الصدد. المؤشرات الاولية تفيد بأن جولة الرئيس السيسي الافريقية الاولى حققت بعض النجاح على صعيد بناء علاقات جديدة مع القارة التي اهملها الرئيس الاسبق حسني مبارك، وترميم الخلاف مع اثيوبيا وازالة التوتر في علاقاتها مع مصر. البيان المشترك الذي صدر عن لقاء الرئيس السيسي مع رئيس وزراء اثيوبيا هايلي ديسالين بعد اجتماعهما في مالابو على هامش القمة الافريقية اكد على التزام اديس ابابا بتجنب اي ضرر محتمل من سد النهضة على استخدامات مصر من المياه واتفقا على حزمة من الاجراءات من بينها الاستئناف الفوري لعمل اللجنة الثلاثية (مصر والسودان واثيوبيا) حول سد النهضة بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام نتائج الدراسات المزمع اجراؤها خلال مختلف مراحل مشروع السد. اعتماد الحوار وليس المواجهة، كاسلوب لحل الخلاف حول مياه النيل انجاز حضاري كبير، لان التهديدات الهوجاء باستخدام القوة ضد اثيوبيا لحفظ حصة مصر من مياه النيل اعطت نتائج عكسية من حيث تحريض الافارقة ضد مصر، وتوفير الذريعة لاسرائيل لزيادة حجم تسللها الى القارة الافريقية وعرض مساعداتها العسكرية والمالية على اثيوبيا. مخاطبة مصر لاثيوبيا بطريقة تركز على التنمية المشتركة والاتفاقات الدولية بعيدا عن اساليب التعالي والنظرة الفوقية و"التهويش" الاعلامي، تعطي نتائج افضل على المديين البعيد والقريب معا. الاتفاقات الدولية اعطت مصر (دولة المصب) والسودان (دولة الممر) الحصة الاكبر من مياة النيل، حيث بلغت حصة الاولى (مصر) 54 مليار متر مكعب، رغم ان معظم مياه النيل (82 مليار متر مكعب) تأتي من مرتفعات اثيوبيا عبر النيل الازرق. التفاهم المصري السوداني الذي انعكس في توقف الرئيس السيسي في الخرطوم ولقائه مع الرئيس السوداني عمر البشير لعدة ساعات هو الاسلوب الامثل والانجح لحفظ حقوق ومصالح البلدين في ثروة النيل المائية بعيدا عن اسلوب الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك الاستفزازي واستخدام ورقة اقليم حلايب لتوتير العلاقات بين البلدين وانفجارها على شكل مواجهات عسكرية في احداث عديدة. حقوق مصر في مياه النيل كفلتها كل المعاهدات الدولية، وتعميق العلاقات مع اثيوبيا عبر الحوار واحترام المصالح المشتركة امر حتمي لتأمينها وصونها، لان هذه القضية مسألة حياة او موت بالنسبة الى تسعين مليون مصري. "راي اليوم" المصدر: رأي اليوم الالكترونية 30/6/2014م