تعرضت السفارة السودانية بالعاصمة الليبية طرابلس فجر يوم الجمعة لاعتداء مسلح من قبل مجهولين، الأمر الذي تسبب في وقوع أضرار كبيرة بمبنى السفارة بعد تبادل لإطلاق النار بين المهاجمين وطاقم الحراسة بالسفارة. وأفادت مصادر "الشروق" أن المعتدين استخدموا أسلحة ثقيلة في الهجوم، ولا تزل التحقيقات جارية لمعرفة منفذي الهجوم وأسبابه، خاصة وأن هذه هي المرة الثانية التي تتعرض فيها السفارة السودانية للاعتداء. وكان قد تردد "أمس" في وسائط أعلام مختلفة بالخرطوم، أن الحكومة لا تستبعد اشتراك قوات من حركة العدل والمساواة في عمليات عسكرية تجري هناك إلى جانب بعض الأطراف التي تعمل على تكريس "دعاوي" حرب الإرهاب هناك. ذلك "بالرغم من مضي يومين على هذه الحادثة، إلا أنها وبتفاعلاتها الداخلية والخارجية تظل مفتوحة على احتمالات التصعيد التي لا يرغب أحد في حدوثها مطلقاً، لأنها تؤرخ لمرحلة "تيه سياسي" لا زال في بواكيره الآن. وليبيا التي تربطها بالسودان أواصر لا يتطرق إليها الفتور أو الريبة، بانت تتحرك في داخلها حركة "توجيه إعلامي وسياسي" مغاير تسعى للزج بالدول والجماعات في دائرة صراع داخلي مسلح هو خاص بهم وببلادهم. ولطالما تكرر في الخرطوم – وعن إدراك عميق – إنه لا حاجة للحكومة السودانية في دعم أو تأييد طرف سياسي دون الآخر بأي من دول الجوار العربي والأفريقي وهذا من باب الاعتقاد الراسخ بعدم جدوى الصراعات المسلحة. كما أنه لا يخفى على حصيف، أن الحرب على الارهاب – باطلاق العبارة المركبة بتقانة اعلام يستهدف الآخرين بالإدانة دون فرز – لا تدخل في الحسابات السياسية في هذا البلد الذي يرفض أهله التمييز على اساس الدين والعرق. وما يعانيه الناس في ليبيا، هو مخاضات التحول السياسي من "جماهيرية قابضة باسم رجل واحد حكمهم أربعي عاماً حسوماً" إلى الحكم عبر "نظام جمهوري ديمقراطي" له استحقاقاته السياسية والاجتماعية التي يجب دفعها. وحتى لا تكون عمليات الهجوم "العشوائي" على السفارات واختطاف السفراء وغيرها من السلوكيات "الفردية" التي يقترفها البعض هناك، سبباً في حدوث "قطيعة أو فتور" في علاقات ليبيا بالخارج يجب وقفها نهائياً. كذلك يكون من المسلمات، أن الذي يجري في الداخل الليبي هو شأن داخلي بحت ولا تملك أي جهة خارجية حق أن تتدخل فيه لتغيير مسارات التحول السياسي هناك، لأن المبدئي في السياسة هنا، أن العلة في هذه التدخلات الأجنبية. وحرب السفارات الأجنبية في ليبيا، والتي لم ينجو منها حتى السفير الأمريكي السابق في ليبيا، لا تجد الاحترام أو التأييد من أي جهة أو دولة في المحيط الأفريقي والعربي، وهي تعجل بتدهور الأوضاع الأمنية في هذا البلد. لتكون المبررات السياسية التي يحاول البعض تسويغها في هذه المرحلة لصالح الانقلاب على الوضع الديمقراطي في ليبيا"لاعبة في خانة الحد من هذا الإرهاب"، ولن يكون مفهوماً أن يتسبب "أناس" في مجئ من "يحاربهم". باعتبار أن اتساع دائرة الإرهاب والتخريب في المدن الليبية، سيكون مبرراً كافياً لأن تؤيد واشنطن ومن خلفها حلف "الناتو" قيام أحد العسكريين السابقين هناك بانقلاب عبر "تفويض ما" لإدارة البلاد لسنوات طويلة قادمة. فاذا كانت هذه التجربة"الاحلالية والاستبدالية المتعسفة" ناجحة في بلد ما، فإنها قطعاً لن تنجح في كل الأحوال في بلد آخر لمجرد "التقليد" أو سلوك الدرب الذي يشغله المارة فقط، لكل دولة شروطها الاجتماعية التاريخية الخاصة. ونحن بحاجة حقيقية، للصدع بالقول، أن الجماعات الإسلامية في ليبيا أو غيرها ليست بحاجة لأن تكرر نفسها أو تجاربها السابقة في منح الذين يحاربونها فرصة الانقضاض عليها لمجرد أن اشخاصاً هنا وهناك اقترفوا جنايات محددة. والشعوب التي لا تتعلم من تجاربها تحجز مكانها في المنطقة التي تقع خارج التأثير والفعالية السياسية مستقبلاً، وفي الحالة الليبية يحتاج السياسيون كثيراً الى أن " يتضامنوا" مع أنفسهم لأجل بلادهم التي تتعرض للاستلاب الأجنبي. والمجتمع الليبي بوصفه مجتمعاً عشائرياً موحداً يمتلك مقومات الوحدة والانتظام داخل نظام حكم يتم التراضي عليه عبر صناديق الاقتراع غني عن التطرف واستمراء الحلول العسكرية التي لا تكسبه في النهاية سوى التمزق. وما لم يصل الأفراد في التنظيمات المدنية والمسلحة الى قناعة أن البعثات الدبلوماسية الأجنبية ومقراتها في بلادهم هي موضع احترام وحماية قانونية وأخلاقية يكون ذلك "علامة" تحيل على انهم لا زالوا في بدايات الطريق الى الدولة نفسها. حيث أننا، وباحترام القانون الدولي والمواثيق الدولية نظل "مفهومين" ومتواجدين في المجتمع الدولي، ويكون حينها في إمكاننا أن ندافع عن حقوقنا المشروعة بمختلف الوسائل دون أن ندعو الآخرين إلى إرسال "قواتهم" الى بلادنا. وقطعاً، سيكون من الإضافي والزائد هنا تكرار القول بأن العلاقات السودانية الليبية – على قدمها ورسوخها – مهمة ومفتاحية لحل العديد من المشكلات الأمنية والاقتصادية داخل الشقيقة ليبيا، فقط من خلال الاحترام المتبادل والمسؤولية. نقلاً عن صحيفة الصحافة 1/7/2014م