مع تواتر التقارير عن تزايد أعداد القتلى والمشردين وتعاظم حجم الدمار الناجم عن الفيضانات التي اجتاحت نصف الولايات السودانية بما فيها العاصمة الخرطوم، ومع عجز السلطات الحكومية عن تقديم العون المكافئ لآلاف العائلات التي باتت تعيش في العراء بعدما فقدت المأوى وخسرت الغالي والنفيس، أضافت الحكومة السودانية عجزاً جديداً إلى عجزها عندما رفض وزراؤها الاعتراف بأن البلاد تعيش وضعاً كارثياً يفوق قدرتها على تعويض ضحاياه، وهو رفض يوصد الباب أمام الدول الصديقة والشقيقة والمنظمات الدولية لتقديم مساهمتها في إغاثة المنكوبين . إن المسؤولين في الدول الفاشلة يتشاركون مزيجاً غريباً من الغطرسة واحتقار حقوق المواطنين والاستهتار بمصالحهم الحياتية مع ضعف الشعور الوطني وانعدام الكفاءة وفساد الذمة والضمير . لقد تكرر المشهد ذاته في خريف العام الماضي عندما وجد آلاف الأشخاص أنفسهم يعيشون في العراء بسبب الفيضانات التي جرفت الطرق وأهلكت الماشية ودمرت المحاصيل الزراعية، إذ استمر المسؤولون حينها أيضاً في الادعاء بأن الوضع تحت السيطرة، قبل أن تفضحهم وكالات الإغاثة العالمية وتصف وضع السكان المنكوبين بالكارثي . وسط تلك الظروف العصيبة وصلت إلى الخرطوم طائرات من دول عدة، تحمل الخيام للذين تهدمت منازلهم مع المساعدات الغذائية والوجبات الجاهزة للمنكوبين وسط مياه الأمطار الذين لا يجدون مكاناً جافاً لتحضير الطعام لأطفالهم . وكان أمراً مؤسفاً أن الكثير من المساعدات الأجنبية شقت طريقها إلى الأسواق وأصبحت تباع للقادرين بعد ساعات من وصولها إلى مطار الخرطوم، بينما تحدثت تقارير عن الاستيلاء على كميات كبيرة أخرى من قبل مسؤولين على مختلف المستويات . أما الوجبات الجاهزة فقد تعفنت في المخازن وتكلفت الدولة أموالاً كبيرة للتخلص منها بعد ذلك . عقلية "الوضع تحت السيطرة" ظهرت أيضاً خلال العدوان "الإسرائيلي" على مصنع الأسلحة في جنوبالخرطوم الذي أنشئ قرب الأحياء السكنية، فقد أكد والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر للصحفيين بعد زيارته موقع المصنع أن التفجير نجم عن خطأ لأحد عمال اللحام أدى لانفجار أنبوبة غاز . كان ذلك طبعاً قبل أن تعلن السلطات "الإسرائيلية" في اليوم الثاني تفاصيل العملية بالكامل ويكتشف السودانيون أن الطائرات الصهيونية اخترقت كافة الأجواء السودانية ووصلت إلى قلب عاصمتهم دون أن يعترضها شيء أو حتى أن يعرف بأمرها أحد . وقبل ذلك ظهرت العقلية اللامبالية بعد انفصال الجنوب في أغسطس/ آب 2011 وبروز نذر الأزمة الاقتصادية العالمية، حينها أسرف وزراء حكومة الخرطوم في تأكيد قوة الوضع الاقتصادي في مواجهة الأزمة التي عصفت بأقوى الاقتصادات العالمية، وأسرفوا في تأكيد أن خروج بترول الجنوب لا يؤثر بأي درجة في الوضع الاقتصادي في السودان . لكن السودانيين اكتشفوا بعد أشهر قليلة بطلان هذه المزاعم بعد ظهور هشاشة الاقتصاد السوداني الذي يقف اليوم على شفير الانهيار، وأدركوا أن بلادهم كانت تعيش عالة على بترول الجنوب، بعدما تحطمت المشروعات الإنتاجية الكبرى . المصدر: الخليج 7/8/2014م