خلال آخر زيارة له لقطر أكد رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان وهو يفتتح مقر سفارة بلاده الفخم في المنطقة الدبلوماسية، أن «أنقرةوالدوحة تستمران في النمو رغم الأزمات التي يشهدها العالم، كما أن كلا البلدين قد سجلا تطورا كبيرا في الموارد البشرية، ورغم وجود مشاكل اقتصادية شهدها العالم في الآونة الأخيرة، فإنهما قد تمكنتا من الحفاظ على موقفيهما». أردوغان الآن وهو يستعد لدخول بوابة قصره الرئاسي لحكم بلاده من أبوابها الواسعة، يطمح بكل ثقة لرسم علاقة بلاده مع قطر التي يعتبرها حليفا استراتيجيا، من الإرث الذي يجمعهما. وسبق لرئيس حزب العدالة والتنمية وهو الآن الحاكم الجديد لتركيا أن صرح أن البلدين: «لهما آراء متطابقة في المسائل ذات الصلة الإقليمية والدولية، ويبذلان قصارى جهدهما من أجل تحويل المنطقة إلى نقطة سلام». وكان أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني استهل شهر رمضان الأخير جهوده الدبلوماسية التي تبذلها بلاده لأجل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بزيارة لأنقرة نسق فيها مع الطرف التركي سبل تعزيز الجهود الدولية لدعم المقاومة في غزة. يرى مراقبون أن تطابق وجهات النظر بين الدوحةوأنقرة في الكثير من القضايا والملفات الإقليمية والدولية، يأتي بسبب التنسيق المستمر بين قيادتي البلدين وحصرهما المشترك على بلورة مواقف تتسق مع المبادئ الأصيلة، فالثقل الكبير الذي تتمتع به تركيا إقليميا ودوليا يجعل منها لاعبا فاعلا في استقرار المنطقة، ووسيطا لحل النزاعات ودعم جهود السلام. وفي تصريح له يؤكد أحمد ديميروك، سفير تركيا لدى الدوحة: «إن العلاقات بين البلدين تشهد تطورا كبيرا، وتسجل نموا كبيرا في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والبشرية، وتركياوقطر بلدان صديقان تربطهما علاقات متميزة، وهما ينحدران من ثقافة وعلاقات تاريخية وطيدة». وقال السفير التركي: «نحن سنمضي قدما من أجل تعزيز العلاقات بين شعبينا الشقيقين وكذلك عن طريق التعاون والتضامن، وسنواصل في الاستثمار لإثبات وجودنا والتعاون مع قطر». وفي تحليله لنتائج الإنتخابات الأخيرة والتفاعلات الناتجة عنها محليا وإقليميا يرى الباحث والمهتم بالشأن التركي محمد الأخرص في تصريح ل«القدس العربي» أن فوز أردوغان -غير المفاجىء -في الإنتخابات الرئاسية بنسبة 52٪ من أصوات الناخبين الأتراك يشي بمرحلة سياسية متقدمة بعمر صغير، تمهيداً للإنتخابات البرلمانية التي ستجري عام 2015. ويؤكد أن المشهد السياسي التركي في الفترة المقبلة سيكون مكثفاً على المستوى الداخلي، في إطار التحضيرات التي سيسعى حزب «العدالة والتنمية» لإنجازها قبيل الإنتخابات البرلمانية، وفي المقابل فإن الصراع مع جماعة كولن سيأخذ أبعادا أوسع، لاستهداف قدرتهم على توجيه الضربات، وتفتيت بناهم الصلبة داخل مؤسسات الدولة. وحول مسار العلاقات الخارجية التي يتوقع أن يعيد تحديد أولوياتها أردوغان يشير الباحث إلى أن السياسة الخارجية التركية ستشهد فرصة لأن تتنفس الصعداء، بعد مرحلة من العزلة عاشتها مع أغلب دول الجوار، ويؤكد على التزام الدولة التركية بسلوك يتسم بالإعتدال والإتزان في تعاملها مع دول المنطقة الفترة المقبلة. وفيما يتعلق بالعلاقة مع دول الخليج يشير الباحث المهتم بالشأن التركي أنها مرتبطة بشكل أساسي في العلاقة مع مصر وخاصة في شقها السياسي، ولكن التطورات الإقليمية قد تدفع نحو ردم هوة النزاع بين الطرفين، وخاصة إذا ما تدخل الأمريكان والأطراف الأوروبية في ظل تصاعد دور داعش في المنطقة. ويعد التعاون الاقتصادي بين البلدين عنواناً عريضاً لتطور علاقاتهما، إذ بلغ حجم التبادل التجاري 1.3 مليار دولار في 2013، فضلاً عن أن استثمارات الشركات التركية في السوق القطرية بلغت 12 مليار دولار، ما يعكس الرغبة المتبادلة في ترسيخ علاقات اقتصادية نموذجية. وتشكل تركياللقطريين بلداً متطوراً آمناً، لذلك يقصدونها للسياحة والتعرف على طفرتها الهائلة في المجالات المختلفة، حيث بلغ عدد زائريها من المواطنين القطريين 15 ألف سائح في العام الماضي، ويتوقع المراقبون إرتفاع العدد مستقبلاً، خصوصاً مع إرتفاع عدد رحلات الخطوط الجوية القطرية للمدن التركية. وشهدت العلاقات القطرية التركية توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية مهمة بين البلدين أسهمت بشكل مباشر في تطوير العلاقات الثنائية، مثل اتفاقيات تطوير التبادل الاقتصادي وحماية الإستثمارات ومنع الإزدواج الضريبي وإعفاء الشركات التركية من شرط الكفيل، هذا بالإضافة إلى الزيارات العديدة المتبادلة والتي قام بها كبار المسؤولين في البلدين والتي عززت من مسيرة تلك العلاقات وأكسبتها قوة ومتانة وفتحت أمامها آفاقا واسعة من أبواب التعاون الاقتصادي والإستثماري المشترك. ويشير الخبراء إلى أن الفرص الآن مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإقامة علاقات تجارية واقتصادية متميزة تكون تتويجاً وتعبيراً حقيقياً وصادقاً لحجم العلاقات التي تربط بين القيادتين في البلدين، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين قطروتركيا خلال السنوات الخمس الأخيرة. ويصل حجم الاستثمارات القطرية في تركيا إلى أكثر من مليار دولار. فالدوحة تشكل اليوم بوابة أنقرة نحو أسواق الخليج. وبفضل مكانتها الاقتصادية الكبيرة وريادتها في مجالات تصدير الغاز، أصبحت قطر مؤهلة لأن تشكل نقطة انطلاق لأي دولة تريد دخول الأسواق الخليجية الأخرى. وتشير معطيات لغرفة تجارة وصناعة قطر إلى أن رأسمال الشركات التركية العاملة في قطر يتجاوز ال1.6مليار دولار، وتستثمر خصوصا في قطاع الإنشاءات والسياحة والديكور، ويبلغ حجم المشروعات التي تنفذها شركات تركية في قطر نحو 13.5 مليار دولار معظمها تمت ترسيته في السنوات العشر الأخيرة. المصدر: القدس العربي 17/8/2014م