هي الحكومة التي توفر للمواطن دواءه وغذاءه وكساءه وكرامته، والكرامة لا تتحقق إلا بتوفير معاش جيد للناس بحيث يستطيع كل رب أسرة مهما قلّ دخله أن يوفر لأفراد أسرته ما يحتاجونه من دواء وغذاء وكساء وتلك هي أهم مدخلات الكرامة فلا كرامة لمريض لا يستطيع شراء الدواء لمداواة نفسه وعلاجها، ولا كرامة لجائع تعتصره مسغبة الجوع يبيت طاوياً هو ومن يعول، ولا كرامة لعارٍ لا يستطيع طولاً أن يكتسي صيفاً وشتاءً، أو تكون له داراً يأوي اليها ويثوي فيها وتحميه من قر الشتاء وحر الصيف. غلاء السلع وارتفاع الاسعار وضآلة الدخل هي عبارة عن مواد خام لصنع الفقر والفاقة والفقر كان خصيم الفاروق عمر الذي قال (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) لأنه كان يعرف بحكم توليه لأمر المسلمين ما يؤدي اليه الفقر إذا فشي في الناس وما يخلفه فيهم من سوءات من اهدار للكرامة وذيوع للرذائل وسوء السلوك والانحراف الاخلاقي والفساد بانواعه المختلفة ونقصان الدين والشقاق والتدابر والخروج على السلطان وغيرها من المصائب التي ان نحن حاولنا عدها فلن نحصيها. يحسب للحكومة انها ظلت مهمومة بمعاش الناس من خلال بعض السياسات التي تعلن عنها من وقت لآخر، ولكن نقول بصراحة أنها لم تتبع القول بالعمل ولم تترجم هذه السياسات الى عمل محسوس وملموس والى خطوات عملية تفضي الى وقف هذا التصاعد الجنوني والمنفلت في الاسعار، لا نريد ان تكون هذه السياسات مجرد حبر على ورق فقط ولا ان تكون للاستهلاك السياسي ومجرد مخدر موضعي أو (حُقن ساعات) تُعطي للناس من حينٍ لآخر لتسكين آلامهم، ولكن نريد أن تكون هذه السياسات بلسماً حقيقياً شافياً ينفذ الى موضع العلة فيقضي عليها لينعم الناس بنعمة العافية بلا انتكاس وبلا رجعة إلى الوراء. ولعل ما يجعلنا نشعر بأمل كبير في إصلاح حقيقي هذه المرة هو تولي النائب الاول لرئيس الجمهورية لهذا الملف بنفسه وظهر ذلك في عدة تصريحات وقرارات اصدرها بهذا الخصوص، ونربأ به ان يكون قد قال ما قال لأغراض الاستهلاك السياسي فما علمنا عليه من سوء كهذا من قبل وثقتنا فيه كبيرة في انه يعني ويقصد تحقيق ما يقول، فلا مجال في راهننا الحالي وفي ظل الاوضاع المعلومة لدى الجميع للمناورة والتخدير أو لعبة كسب الوقت والا كان ذلك نعياً مبكراً للحكومة وأذان برحيلها من هذا الباب، باب الدواء والغذاء والكساء والكرامة، وهو ما لا يمكن تصوره قياساً على أزمات وكوارث سلفت جابهتها الحكومة بمسؤولية وقضت عليها. إن مجابهة جموح وانفلات الاسعار والسيطرة عليها يجب ان تكون أم المعارك بالنسبة للحكومة، تخوضها بصرامة وقوة وشراسة ضد أباطرة التخزين وحيتان وتماسيح وغيلان السوق صغارهم وكبارهم الذين لا هم لهم غير مضاعفة أموالهم بالارباح الحرام ولا وازع لهم من أكل السحت والمتاجرة الفاسدة باقوات الناس وحاجياتهم الضرورية. نريدها حرباً لا هوادة فيها ضد كل المفسدين الذين لا يرقبون في الناس إلا ولا ذمة فعصا السلطان يجب ان تحملهم طوعاً أو كرهاً رغبة او رهبة الى الكف عن التربح والتكسب والإثراء عن طريق الاحتكار وعلى حساب السواد الاعظم من المواطنين محدودي الدخل الذين يلهثون ويكابدون جاهدين وبشكل مستمر من أجل الحصول على قوت يومهم وما يسدون به الرمق ويدفعون به المسغبة. نقلا عن صحيفة الانتباهه 27/8/2014م