تدشين الطريق البري بين مصر والسودان عبر منفذي (قسطل وأشكيت) يعتبر تعزيزاً حقيقاً وعملياً للعلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين على الرغم من انها خطوة تأخرت كثيراً. الحدث يعبر عن روح واقعية جديدة بدأت تسود العلاقة بين البلدين بدلاً عن لغة الماني والتطلعات التى ظلت معلقة في الهواء يرددها السياسيون فى كلا البلدين دون ان يتم تنزيلها الى ارض الواقع. الحدث يعتبر تجسيداً حقيقياً للروابط الازلية التى ظلت قائمة بين الشعبين دون أن تنقطع على الرغم من ان روح التشاحن والتراشق السياسي الذي يطفو على السطح من وقت لآخر. الحدث يمثل دفعة قوية لتقوية وتعزيز التداخل السكاني وبتادل المصالح وهو حراك بدأ منذ فترات سحيقة فى التاريخ و من المؤكد ان الملايين من الوسدانيين والمصريين فرحين بافتتاح هذا المعبر الذي ظل حلماً يروادهم منذ وقت طويل. كنت من السودانين المحظوظين الذين سافروا الى مصر على متن القطار والوابور (الثريا) التى كانت واحدة من مفخرات النقل النيلي بين السودان ومصر، فالثريا كانت باخرة من فئة الخمسة نجوم وكانت الخدمات التى تقدم فيها خلال الرحلة التى تمتد خلال ساعات الليل بين السودان ومصر من ميناء وادي حلفا خدمات تنافس تلك التى يقدمها الفندق الكبير في الخرطوم في فترة مجده، والثريا هي الباخرة التى ظلت محفورة فى الوجدان الشعبي وخلدها الشاعر الغنائي النوبي بقوله (صندلية ري ولا بابور ثريا ري وسمارونا).. فقد كانت تلك الباخرة ورفيقتها (المريخ) من اجمل البواخر التى كانت تعبر النيل بعد غرق وادي حلف بعد قيام السد العالي تم نقلها الى ميناء كوسيتي على ما أظن وأندثر تاريخها هناك، وقيل انها قد بيعت حديد خردة. الآن بدل القطار والبوار الثريا بدأ عصر السفر البري بين الخرطوم والقاهرة. ظللنا نقول دائماً ان العلاقات السودانية المصرية علاقات أزلية ويشهد على أزليتها شواهد التاريخ والجغرافيا وتمتد الحكومة القديمة شمالاً وجنوباً، لقد ظلت هناك قناعة راسخة لدى كل من قدماء السودانيين والمصرييين ان هذا الوادي الذي يعبر هذا النهر العظيم هو ارض واحدة ودلة واحدة شعب واحد، وقد اجتهد كل من الحكام المصريين والنوبيين القدماء فى تحقيق وحدة هذا الوداي بطريقهم وأساليبهم القديمة، فالحروب المتبادلة عبر تاريخ هذا الوادي بين الشمال والجنوب لم تكن في الواقع إلا تعبير عن الرغبة في الوحدة، وقد استمر.......... نقلا عن صحيفة التغيير 3/9/2014م