تحت هذا العنوان عقد مركز الدراسات بكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية بالجامعة اللبنانية، مؤتمر دوليا فى بيروت الأسبوع الماضى، شهدا حضورا رسميا وأكاديميا وشعبيا حاشدا، حيث عقد المؤتمر تحت رعاية نبيه برى رئيس مجلس النواب اللبناني، وحضور ممثلى قيادات القوى السياسية والمجتمعية ونواب برلمانيين ، وكذلك ممثلى الجيش اللبنانى والقوى الأمنية ووزراء حاليين وسابقين، فضلا عن رئيس الجامعة وعميد كلية الحقوق فى ظل تغطية إعلامية واهتمام لافت . كانت أجواء الافتتاح والكلمات التى ألقيت ذات وقع إيجابى كبير، حيث أشارت كلمة الرئيس برى التى ألقاها النائب محمد قباني، إلى أن المؤتمر يطرح أهم عنوان لهموم القرن الحادى والعشرين وهو المياه، وان اهتمام الجامعة اللبنانية بمسألة مياه النيل إنما يعود لكونها مصدر الحياة لمصر التى هى شقيقتنا الكبرى ومركز الثقل فى الحياة العربية. واعتبر ان «الخطر على المياه العربية واضح فى أكثر من مكان. وأن حصة مصر من مياه النيل تتعرض لتعد من بعض دول المنبع، وأن مطامح هذه الدول بمياه النيل غير مبررة لأنها تستطيع توفير أضعاف طاقة النهر من الأمطار الموسمية الغزيرة. كما أشار إلى أن إسرائيل تملك نفوذا كبيرا لدى بعض دول منابع النيل، وتقوم بتسليح بعض جيوش هذه الدول وتدريبها. واختتم بأن المياه ستكون فى هذا القرن، السبب الأول للنزاعات والحروب. وأنه حتى المنظمات التكفيرية مثل «داعش» تسعى إلى استخدام المياه فى الحروب. وعلى هذا النسق جاءت كلمات رئيس الجامعة الدكتور عدنان السيد حسين، وكلمة عميد الحقوق الدكتور كميل حبيب، والدكتور احمد مللى رئيس مركز الدراسات ومنظم المؤتمر، كلها حافلة بالإشارات المتكررة إلى التضامن مع مصر ومواقفها ، وإلى أهمية إلقاء الضوء على أزمة قضايا المياه ليس بالنسبة لمصر فقط وإنما أيضا لان منطقة الشام والعراق تتعرض لنفس الظروف والنزاعات حول المياه حيث انهار الليطانى والوزانى ودجلة والفرات، والأزمات المعروفة حول استغلال مياه هذه الأنهار وتعديات كل من تركيا وإسرائيل . وقد ناقش المؤتمر عدة محاور تناولت الأزمة بشكل متكامل، وغطت الوضع الهيدرولوجى لحوض النيل جغرافيا وجيولوجيا ومائيا ، وكذلك الوضع القانونى والأعراف الدولية ، بالإضافة إلى الإطار السياسى للأزمة والتدخلات القانونية والدولية . وقد قدم مشاركون من الجامعة اللبنانية أوراقا مهمة حول علاقة المياه بالتنمية وبالأمن الغذائي، وحول تطور النظرة إلى المياه وهل هى حق أم سلعة . كان من بين المشاركين فى هذا المؤتمر الدكتور باسون ,هو احد أعضاء اللجنة الثلاثية الدولية التى أصدرت تقريرها حول سد النهضة فى مايو 2013 ، وهو جنوب أفريقى ويعد من الخبراء العالميين فى تخصصه ، كما شارك الدكتور بيلياكوف من روسيا ، بينما غاب المشاركون الإثيوبيون بعد أن كانوا قد أكدوا الحضور. الوفد المصرى كان ممثلا بستة مشاركين من تخصصات مختلفة كان من بينهم الدكتور علاء ياسين مستشار وزير الرى المصرى والذى القى كلمة بالنيابة عنه فى حفل الافتتاح، وكان على رأس المشاركين الدكتور محمد نصر علام وزير الموارد المائية الأسبق والدكتور مغاورى شحاتة دياب أستاذ الجيولوجيا والذى بذل جهدا كبيرا فى تنظيم المؤتمر وتنسيق أعماله مع الجانب اللبناني. ويمكن القول إن المشاركين المصريين قد أبلوا بلاء حسنا كل منهم فى إطار تخصصه ، فى إيضاح وجهة نظر مصر من كل الزوايا الفنية والقانونية والسياسية، مع التأكيد أن مصر تسعى طوال الوقت للتعاون ، ولا تقف حائلا أمام تنمية اى دولة فى حوض النيل ، بل تقدم المساعدة ما أمكنها ذلك ، وان كل ما تسعى إليه مصر هو الوصول إلى صيغة متوازنة ، تستند إلى تحقيق إثيوبيا توليد الطاقة مع رفع الضرر عن مصر. المفاجأة أن الأشقاء من السودان وبخاصة الدكتور سيف حمد وهو وزير رى سابق ويشغل ألان موقع رئيس المفاوضين السودانيين فى اجتماعات اللجان الفنية لاستكمال دراسات سد النهضة، تطوع طوال الجلسات بالدفاع بشدة عن الموقف الإثيوبي، رغم أن أحدا من المشاركين المصريين لم يأتِ على ذكر الموقف السوداني، لان النهضة الذى يمثل محور أزمة المياه فى الوقت الحالى فى حوض النيل يبنى بواسطة إثيوبيا، و رغم ذلك فقد عجز الدكتور سيف بشكل تام عن الإجابة عن السؤال الأساسى المتعلق بالأسباب الفنية أو الاقتصادية التى أدت إلى رفع سعة تخزين السد من 14 مليار م3 إلى 74 مليار م3، وعجز كذلك عن تبرير الموقف القانونى الاثيوبى الذى يقول بالهيمنة المطلقة على موارد النهر دون النظر للضرر بالدولتين أسفل المجرى او لاعتبارات القانون الدولى ومبادئه المستقرة ، ناهيك عن الاتفاقيات السابقة وهى سارية وملزمة على الأقل اتفاقية 1902 مع إثيوبيا التى تم توقيعها فى وقت كانت فيه إثيوبيا مستقلة ومصر والسودان محتلتين . وان هذا الموقف ليس موجها لمصر وحدها بل ضد السودان أيضا . الدكتور سيف حمد لجأ أحيانا تحت وطأة الانفعال للخروج عن السياق تماماً ليتحدث بان السودان لديه خبرة فى السدود أكثر من مصر ، وان المعرفة قد تأتى من الجنوب إلى الشمال أحيانا ..الخ. مما أثار ردا عنيفا من ممثل وزير الرى المصري، الذى قال إن هذا حديث خارج عن موضوع النقاش والحوار، ورغم انه يسعدنا لو كان صحيحا، إلا انه ليس كذلك ، حيث انه مسجل فى مضابط الاجتماعات على لسان وزير المياه والسدود السودانى أن السودان ليس لديه دراسات حول السد . الخلاف لم يفسد للود قضية حيث تعمقت روح الود والحوار مع الدكتور سيف، وكذلك مع البروفسير حسن مكى الرئيس السابق لجامعة إفريقيا العالمية الذى كان احد المتحدثين عن السودان، والذى تحدث مطولا فى الحوارات الجانبية عن أهميه التفاهم والحوار بين الطرفين المصرى والسودانى وساق أحاديث طويلة شملت موضوعات شتى. يبقى القول بأن المؤتمر وبالحضور والاهتمام اللبنانى الكثيفين، كان يعبر عن إشارة تضامن قوية مع مصر، حيث لمسنا مدى المتابعة اللصيقة لما يدور فى مصر من أحداث وتطورات ، ومدى تعلق الشعب اللبنانى الشقيق بكل انتماءاته وتوجهاته بعودة مصر إلى مكانتها ودورها.. وكان المعنى الذى يتردد دائما «إذا تعافت مصر وعادت إلى دورها.. فإن لبنان وكل العرب سيكونون بخير ». المصدر: الاهرام 5/11/2014م