حكومة أبو نوبة.. ولادة قاتلة ومسمار آخر في نعش "تأسيس"    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    الفوز بهدفين.. ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عين فرنسا على مالي . . لماذا؟
نشر في سودان سفاري يوم 06 - 11 - 2014

تزايد اهتمام القوى الدولية الكبرى بالقارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين؛ ويجد هذا الاهتمام أساسه في مجموعة من العوامل والمبررات، ذلك أن هذه القارة تضم حالياً 53 دولة مستقلة، وتحتضن ثروات بشرية هائلة تناهز المليار نسمة، يغلب عليها طابع التنوع الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
وتكتسي القارة أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والامتداد الجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، فتضاريس القارة تختلف ما بين البحار والسهول والغابات والصحاري والجبال، كما تتنوع الخيرات والثروات الطبيعية بهذه القارة ما بين الغاز والماس والذهب والفوسفات والنحاس والزنك . . والنفط الذي تقدر بعض الإحصاءات نسبته بأكثر من ثمانية بالمائة من الاحتياطي العالمي .
تعرضت مجمل دول القارة إلى الاحتلال الغربي، الذي استغل خيراتها أبشع استغلال . وأمام المد التحرري الذي شهدته الكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خرجت شعوب القارة من ويلات الاحتلال لتجد نفسها أمام الكثير من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقها هذا الاحتلال .
رغم الإمكانات المذهلة التي تتوافر لدول القارة في مختلف المجالات، فإن عدداً منها لا زال يعيش على إيقاع الصراعات والأوبئة والظروف الاجتماعية الصعبة وارتفاع نسب التضخم وتدهور البنى التحتية وانتشار الفساد ومظاهر الاستبداد وانتشار الصراعات وهشاشة الأوضاع الأمنية .
شهدت الكثير من البلدان الإفريقية في أعقاب نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن المنصرم، تحولات اجتماعية وسياسية مهمة اتخذت طابعاً من العنف والحروب الأهلية والصراع على السلطة أحياناً، ووصل الأمر إلى حد انهيار مؤسسات الدولة كما حدث في الصومال، وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في المناطق الممتدة والشاسعة في إفريقيا ملاذاً خصباً للانتعاش والامتداد، زكاه ضعف الدولة المركزية في عدد من مناطق القارة السمراء .
ورغم ذلك، حسمت الكثير من البلدان الإفريقية مع مظاهر الشمولية والانقلابات العسكرية التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وراكمت تجارب بعض دولها ديمقراطية واعدة دعمت التداول السلمي على السلطة .
طالما اعتبرت فرنسا مستعمراتها القديمة منطقة حيوية بالنسبة إليها، حيث عززت حضورها الثقافي ونفوذها الاقتصادي، بل إنها سعت إلى تعزيز وجودها العسكري في كثير من المناسبات، بذرائع مختلفة .
سمح تطور الأحداث في مالي بتعزيز الدور الفرنسي في المنطقة، وتشير الكثير من التقارير الإخبارية إلى أن هذه الدولة قررت إقامة قاعدة عسكرية في شمال شرق النيجر بمبرر مواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة ومحاصرة طرق مدها بالأسلحة القادمة من ليبيا .
وجدير بالذكر أن فرنسا احتلت مالي لعدة سنوات، قبل أن تحصل على استقلالها في عام ،1960 وهو ما يجعلها حريصة على مواجهة كل التهديدات والمخاطر التي تواجه مصالحها في المنطقة .
ظلت فرنسا تردد أن تدخلها العسكري في مالي جاء بناء على دعوة من الرئيس المالي وانسجاما مع قرار مجلس الأمن 2085 2012 في هذا الصدد؛ معتبرة أن الأمر يتعلق بتدبير يدعم المحافظة على وحدة واستقرار بلد صديق؛ علاوة على توفير الحماية لحوالي ستة آلاف فرنسي مقيمين بمالي .
كما أكدت أن الأمر يرمي إلى احتواء ومحاصرة النزاع، ومواجهة الجماعات المسلحة، وقطع الطريق على المقاتلين المسلحين ومنعهم من فرض سيطرتهم على كامل التراب المالي، علاوة على السعي إلى إضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة بعد تصاعد قوتها واستفادتها من السلاح الليبي المسرب .
وفي مقابل ذلك، أكد الكثير من المهتمين والمراقبين أن التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة ينطوي على الرغبة في تحقيق مجموعة من الأهداف غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام للأسرى والمختطفين الفرنسيين الذين كلفوا فرنسا إمكانات مالية كبيرة دفعت للجماعات المسلحة في المنطقة؛ والرغبة في الحد من مخاطر انتقال النزاع إلى مناطق نفوذ فرنسي أخرى مثل تشاد والنيجر؛ والسعي إلى إحداث قواعد عسكرية بالمنطقة . ثم حماية مناطق نفوذها وضمان مصالحها (نفط وغاز ويورانيوم . .) وتأمين شركاتها الاستثمارية في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة إليها، بعد تزايد الاعتداء عليها وعلى العاملين بها .
ومعلوم أن مالي تحتضن في إقليمها مجموعة من المعادن والخيرات الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الذهب والحديد، فيما تعرف النيجر أيضاً بتوفرها على احتياطات مهمة من اليورانيوم، وهو يجعل الحضور الفرنسي في المنطقة ينبني في أحد أسسه على خلفيات اقتصادية .
وهي الخلفيات التي يزيد من حضورها تنامي اهتمام القوى الدولية الكبرى بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وروسيا . . مما يهدد النفوذ الفرنسي في المنطقة .
فيما أرجع بعض الملاحظين توجه فرنسا نحو عسكرة مالي في بداية الأزمة إلى المحاولات الرامية إلى إنعاش شعبية الرئيس هولاند التي بدأت تتآكل تحت محك العمل الحكومي وتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ عبر صنع "بطولات خارجية" وتصريف الرأي العام الفرنسي عن المشكلات الداخلية المختلفة .
منذ بروز الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس "أمادو توماني" في مارس/آذار 2012 وما تمخض عن ذلك من فراغ أمني عم البلاد وأربك مسارها السياسي، استغلته الكثير من الجماعات المسلحة لتنتشر في المنطقة بعد استفادتها من تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي ومن الفراغ الأمني الذي يسود منطقة الساحل جنوب الصحراء .
وقد وجدت الكثير من هذه الجماعات في الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة مبررا للانخراط في القتال والعودة إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من الاختفاء بفعل الضغوطات والتدابير العسكرية والاستخباراتية التي قادتها بعض دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب والجزائر وتونس . . في مواجهتها .
حيث اعتبرت هذه الجماعات حضور القوات الفرنسية إلى المنطقة بمثابة عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة، مؤكدة أن فرنسا الحريصة على مصالحها وبعض دول المنطقة الرافضة لأي إصلاح سياسي، تسعيان إلى الحد من "تحولات الربيع العربي" وصد تصاعد الإسلاميين في المنطقة، بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين .
وعموماً، كانت هنالك مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية التي وفرت الأجواء للوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، فعلاوة على قرار مجلس الأمن السابق ذكره، وطلب المساعدة الذي وجهه الرئيس المؤقت المالي لفرنسا؛ وتعقد الأمر بفعل تناقض مواقف الفرقاء داخل مالي، وضعف الجيش المالي الذي تمزقه الإثنية وانخراطه في انقلاب عصف باستقرار البلاد، ووجود تنسيق بين حركة أنصار الدين التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا . . بعدما ظلت منكفئة على نفسها خلال السنوات الأخيرة .
كما لا تخفى تداعيات تباين وتناقض مواقف دول المنطقة من الأزمة في مالي، بين من أكد رفض التطرف و"الإرهاب" ودعا إلى مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة، مع الحرص على وحدة مالي(المغرب)، وبين من أكد المقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي باعتباره سيسهم في تدهور الأوضاع، ومنح الجماعات المسلحة ذرائع للانتشار واستهداف المصلحة الغربية في المنطقة (الجزائر قبل أن تقبل بالخيار العسكري فيما بعد) .
إن فشل دول الساحل الإفريقي والدول المغاربية في بلورة تصور لحل موحد وعلى قدر من التناغم لأجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، أتاح لفرنسا ولأطراف خارجية أخرى فرصة لعب أدوار محورية في إدارة الأزمة في مالي، بضد على المصلحة الاستراتيجية لدول المنطقة .
والواقع أن تجاوز المشكلات الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي وما تطرحه من أخطار وتحديات على السلم والأمن الدوليين، تتطلب مقاربة شمولية على قدر من التعاون والتنسيق الدوليين والإقليميين، تسمح بالوقوف على طبيعة المشكلات والصراعات عبر إدارة الأزمات وتدبير الخلافات بين مختلف الفصائل السياسية المتصارعة والتضييق على الجماعات المسلحة، ودعم جهود التنمية في هذه المناطق . وبخاصة أن المراهنة على المدخل العسكري كحل وحيد خارج تأطير الأمم المتحدة، لن يسهم إلا في تعقد الأمور والدخول في متاهات الفعل ورد الفعل بما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها .
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات - المغرب
المصدر: الخليج 6/11/2014م
عين فرنسا على مالي . . لماذا؟
د .إدريس لكريني
تزايد اهتمام القوى الدولية الكبرى بالقارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين؛ ويجد هذا الاهتمام أساسه في مجموعة من العوامل والمبررات، ذلك أن هذه القارة تضم حالياً 53 دولة مستقلة، وتحتضن ثروات بشرية هائلة تناهز المليار نسمة، يغلب عليها طابع التنوع الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
وتكتسي القارة أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والامتداد الجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، فتضاريس القارة تختلف ما بين البحار والسهول والغابات والصحاري والجبال، كما تتنوع الخيرات والثروات الطبيعية بهذه القارة ما بين الغاز والماس والذهب والفوسفات والنحاس والزنك . . والنفط الذي تقدر بعض الإحصاءات نسبته بأكثر من ثمانية بالمائة من الاحتياطي العالمي .
تعرضت مجمل دول القارة إلى الاحتلال الغربي، الذي استغل خيراتها أبشع استغلال . وأمام المد التحرري الذي شهدته الكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خرجت شعوب القارة من ويلات الاحتلال لتجد نفسها أمام الكثير من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقها هذا الاحتلال .
رغم الإمكانات المذهلة التي تتوافر لدول القارة في مختلف المجالات، فإن عدداً منها لا زال يعيش على إيقاع الصراعات والأوبئة والظروف الاجتماعية الصعبة وارتفاع نسب التضخم وتدهور البنى التحتية وانتشار الفساد ومظاهر الاستبداد وانتشار الصراعات وهشاشة الأوضاع الأمنية .
شهدت الكثير من البلدان الإفريقية في أعقاب نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن المنصرم، تحولات اجتماعية وسياسية مهمة اتخذت طابعاً من العنف والحروب الأهلية والصراع على السلطة أحياناً، ووصل الأمر إلى حد انهيار مؤسسات الدولة كما حدث في الصومال، وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في المناطق الممتدة والشاسعة في إفريقيا ملاذاً خصباً للانتعاش والامتداد، زكاه ضعف الدولة المركزية في عدد من مناطق القارة السمراء .
ورغم ذلك، حسمت الكثير من البلدان الإفريقية مع مظاهر الشمولية والانقلابات العسكرية التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وراكمت تجارب بعض دولها ديمقراطية واعدة دعمت التداول السلمي على السلطة .
طالما اعتبرت فرنسا مستعمراتها القديمة منطقة حيوية بالنسبة إليها، حيث عززت حضورها الثقافي ونفوذها الاقتصادي، بل إنها سعت إلى تعزيز وجودها العسكري في كثير من المناسبات، بذرائع مختلفة .
سمح تطور الأحداث في مالي بتعزيز الدور الفرنسي في المنطقة، وتشير الكثير من التقارير الإخبارية إلى أن هذه الدولة قررت إقامة قاعدة عسكرية في شمال شرق النيجر بمبرر مواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة ومحاصرة طرق مدها بالأسلحة القادمة من ليبيا .
وجدير بالذكر أن فرنسا احتلت مالي لعدة سنوات، قبل أن تحصل على استقلالها في عام ،1960 وهو ما يجعلها حريصة على مواجهة كل التهديدات والمخاطر التي تواجه مصالحها في المنطقة .
ظلت فرنسا تردد أن تدخلها العسكري في مالي جاء بناء على دعوة من الرئيس المالي وانسجاما مع قرار مجلس الأمن 2085 2012 في هذا الصدد؛ معتبرة أن الأمر يتعلق بتدبير يدعم المحافظة على وحدة واستقرار بلد صديق؛ علاوة على توفير الحماية لحوالي ستة آلاف فرنسي مقيمين بمالي .
كما أكدت أن الأمر يرمي إلى احتواء ومحاصرة النزاع، ومواجهة الجماعات المسلحة، وقطع الطريق على المقاتلين المسلحين ومنعهم من فرض سيطرتهم على كامل التراب المالي، علاوة على السعي إلى إضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة بعد تصاعد قوتها واستفادتها من السلاح الليبي المسرب .
وفي مقابل ذلك، أكد الكثير من المهتمين والمراقبين أن التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة ينطوي على الرغبة في تحقيق مجموعة من الأهداف غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام للأسرى والمختطفين الفرنسيين الذين كلفوا فرنسا إمكانات مالية كبيرة دفعت للجماعات المسلحة في المنطقة؛ والرغبة في الحد من مخاطر انتقال النزاع إلى مناطق نفوذ فرنسي أخرى مثل تشاد والنيجر؛ والسعي إلى إحداث قواعد عسكرية بالمنطقة . ثم حماية مناطق نفوذها وضمان مصالحها (نفط وغاز ويورانيوم . .) وتأمين شركاتها الاستثمارية في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة إليها، بعد تزايد الاعتداء عليها وعلى العاملين بها .
ومعلوم أن مالي تحتضن في إقليمها مجموعة من المعادن والخيرات الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الذهب والحديد، فيما تعرف النيجر أيضاً بتوفرها على احتياطات مهمة من اليورانيوم، وهو يجعل الحضور الفرنسي في المنطقة ينبني في أحد أسسه على خلفيات اقتصادية .
وهي الخلفيات التي يزيد من حضورها تنامي اهتمام القوى الدولية الكبرى بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وروسيا . . مما يهدد النفوذ الفرنسي في المنطقة .
فيما أرجع بعض الملاحظين توجه فرنسا نحو عسكرة مالي في بداية الأزمة إلى المحاولات الرامية إلى إنعاش شعبية الرئيس هولاند التي بدأت تتآكل تحت محك العمل الحكومي وتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ عبر صنع "بطولات خارجية" وتصريف الرأي العام الفرنسي عن المشكلات الداخلية المختلفة .
منذ بروز الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس "أمادو توماني" في مارس/آذار 2012 وما تمخض عن ذلك من فراغ أمني عم البلاد وأربك مسارها السياسي، استغلته الكثير من الجماعات المسلحة لتنتشر في المنطقة بعد استفادتها من تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي ومن الفراغ الأمني الذي يسود منطقة الساحل جنوب الصحراء .
وقد وجدت الكثير من هذه الجماعات في الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة مبررا للانخراط في القتال والعودة إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من الاختفاء بفعل الضغوطات والتدابير العسكرية والاستخباراتية التي قادتها بعض دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب والجزائر وتونس . . في مواجهتها .
حيث اعتبرت هذه الجماعات حضور القوات الفرنسية إلى المنطقة بمثابة عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة، مؤكدة أن فرنسا الحريصة على مصالحها وبعض دول المنطقة الرافضة لأي إصلاح سياسي، تسعيان إلى الحد من "تحولات الربيع العربي" وصد تصاعد الإسلاميين في المنطقة، بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين .
وعموماً، كانت هنالك مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية التي وفرت الأجواء للوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، فعلاوة على قرار مجلس الأمن السابق ذكره، وطلب المساعدة الذي وجهه الرئيس المؤقت المالي لفرنسا؛ وتعقد الأمر بفعل تناقض مواقف الفرقاء داخل مالي، وضعف الجيش المالي الذي تمزقه الإثنية وانخراطه في انقلاب عصف باستقرار البلاد، ووجود تنسيق بين حركة أنصار الدين التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا . . بعدما ظلت منكفئة على نفسها خلال السنوات الأخيرة .
كما لا تخفى تداعيات تباين وتناقض مواقف دول المنطقة من الأزمة في مالي، بين من أكد رفض التطرف و"الإرهاب" ودعا إلى مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة، مع الحرص على وحدة مالي(المغرب)، وبين من أكد المقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي باعتباره سيسهم في تدهور الأوضاع، ومنح الجماعات المسلحة ذرائع للانتشار واستهداف المصلحة الغربية في المنطقة (الجزائر قبل أن تقبل بالخيار العسكري فيما بعد) .
إن فشل دول الساحل الإفريقي والدول المغاربية في بلورة تصور لحل موحد وعلى قدر من التناغم لأجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، أتاح لفرنسا ولأطراف خارجية أخرى فرصة لعب أدوار محورية في إدارة الأزمة في مالي، بضد على المصلحة الاستراتيجية لدول المنطقة .
والواقع أن تجاوز المشكلات الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي وما تطرحه من أخطار وتحديات على السلم والأمن الدوليين، تتطلب مقاربة شمولية على قدر من التعاون والتنسيق الدوليين والإقليميين، تسمح بالوقوف على طبيعة المشكلات والصراعات عبر إدارة الأزمات وتدبير الخلافات بين مختلف الفصائل السياسية المتصارعة والتضييق على الجماعات المسلحة، ودعم جهود التنمية في هذه المناطق . وبخاصة أن المراهنة على المدخل العسكري كحل وحيد خارج تأطير الأمم المتحدة، لن يسهم إلا في تعقد الأمور والدخول في متاهات الفعل ورد الفعل بما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها .
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات - المغرب
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/07e01e06-427b-4eb8-a469-52b1783454cf#sthash.Va4GokTO.dpuf
عين فرنسا على مالي . . لماذا؟
د .إدريس لكريني
تزايد اهتمام القوى الدولية الكبرى بالقارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين؛ ويجد هذا الاهتمام أساسه في مجموعة من العوامل والمبررات، ذلك أن هذه القارة تضم حالياً 53 دولة مستقلة، وتحتضن ثروات بشرية هائلة تناهز المليار نسمة، يغلب عليها طابع التنوع الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
وتكتسي القارة أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والامتداد الجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، فتضاريس القارة تختلف ما بين البحار والسهول والغابات والصحاري والجبال، كما تتنوع الخيرات والثروات الطبيعية بهذه القارة ما بين الغاز والماس والذهب والفوسفات والنحاس والزنك . . والنفط الذي تقدر بعض الإحصاءات نسبته بأكثر من ثمانية بالمائة من الاحتياطي العالمي .
تعرضت مجمل دول القارة إلى الاحتلال الغربي، الذي استغل خيراتها أبشع استغلال . وأمام المد التحرري الذي شهدته الكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خرجت شعوب القارة من ويلات الاحتلال لتجد نفسها أمام الكثير من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقها هذا الاحتلال .
رغم الإمكانات المذهلة التي تتوافر لدول القارة في مختلف المجالات، فإن عدداً منها لا زال يعيش على إيقاع الصراعات والأوبئة والظروف الاجتماعية الصعبة وارتفاع نسب التضخم وتدهور البنى التحتية وانتشار الفساد ومظاهر الاستبداد وانتشار الصراعات وهشاشة الأوضاع الأمنية .
شهدت الكثير من البلدان الإفريقية في أعقاب نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن المنصرم، تحولات اجتماعية وسياسية مهمة اتخذت طابعاً من العنف والحروب الأهلية والصراع على السلطة أحياناً، ووصل الأمر إلى حد انهيار مؤسسات الدولة كما حدث في الصومال، وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في المناطق الممتدة والشاسعة في إفريقيا ملاذاً خصباً للانتعاش والامتداد، زكاه ضعف الدولة المركزية في عدد من مناطق القارة السمراء .
ورغم ذلك، حسمت الكثير من البلدان الإفريقية مع مظاهر الشمولية والانقلابات العسكرية التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وراكمت تجارب بعض دولها ديمقراطية واعدة دعمت التداول السلمي على السلطة .
طالما اعتبرت فرنسا مستعمراتها القديمة منطقة حيوية بالنسبة إليها، حيث عززت حضورها الثقافي ونفوذها الاقتصادي، بل إنها سعت إلى تعزيز وجودها العسكري في كثير من المناسبات، بذرائع مختلفة .
سمح تطور الأحداث في مالي بتعزيز الدور الفرنسي في المنطقة، وتشير الكثير من التقارير الإخبارية إلى أن هذه الدولة قررت إقامة قاعدة عسكرية في شمال شرق النيجر بمبرر مواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة ومحاصرة طرق مدها بالأسلحة القادمة من ليبيا .
وجدير بالذكر أن فرنسا احتلت مالي لعدة سنوات، قبل أن تحصل على استقلالها في عام ،1960 وهو ما يجعلها حريصة على مواجهة كل التهديدات والمخاطر التي تواجه مصالحها في المنطقة .
ظلت فرنسا تردد أن تدخلها العسكري في مالي جاء بناء على دعوة من الرئيس المالي وانسجاما مع قرار مجلس الأمن 2085 2012 في هذا الصدد؛ معتبرة أن الأمر يتعلق بتدبير يدعم المحافظة على وحدة واستقرار بلد صديق؛ علاوة على توفير الحماية لحوالي ستة آلاف فرنسي مقيمين بمالي .
كما أكدت أن الأمر يرمي إلى احتواء ومحاصرة النزاع، ومواجهة الجماعات المسلحة، وقطع الطريق على المقاتلين المسلحين ومنعهم من فرض سيطرتهم على كامل التراب المالي، علاوة على السعي إلى إضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة بعد تصاعد قوتها واستفادتها من السلاح الليبي المسرب .
وفي مقابل ذلك، أكد الكثير من المهتمين والمراقبين أن التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة ينطوي على الرغبة في تحقيق مجموعة من الأهداف غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام للأسرى والمختطفين الفرنسيين الذين كلفوا فرنسا إمكانات مالية كبيرة دفعت للجماعات المسلحة في المنطقة؛ والرغبة في الحد من مخاطر انتقال النزاع إلى مناطق نفوذ فرنسي أخرى مثل تشاد والنيجر؛ والسعي إلى إحداث قواعد عسكرية بالمنطقة . ثم حماية مناطق نفوذها وضمان مصالحها (نفط وغاز ويورانيوم . .) وتأمين شركاتها الاستثمارية في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة إليها، بعد تزايد الاعتداء عليها وعلى العاملين بها .
ومعلوم أن مالي تحتضن في إقليمها مجموعة من المعادن والخيرات الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الذهب والحديد، فيما تعرف النيجر أيضاً بتوفرها على احتياطات مهمة من اليورانيوم، وهو يجعل الحضور الفرنسي في المنطقة ينبني في أحد أسسه على خلفيات اقتصادية .
وهي الخلفيات التي يزيد من حضورها تنامي اهتمام القوى الدولية الكبرى بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وروسيا . . مما يهدد النفوذ الفرنسي في المنطقة .
فيما أرجع بعض الملاحظين توجه فرنسا نحو عسكرة مالي في بداية الأزمة إلى المحاولات الرامية إلى إنعاش شعبية الرئيس هولاند التي بدأت تتآكل تحت محك العمل الحكومي وتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ عبر صنع "بطولات خارجية" وتصريف الرأي العام الفرنسي عن المشكلات الداخلية المختلفة .
منذ بروز الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس "أمادو توماني" في مارس/آذار 2012 وما تمخض عن ذلك من فراغ أمني عم البلاد وأربك مسارها السياسي، استغلته الكثير من الجماعات المسلحة لتنتشر في المنطقة بعد استفادتها من تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي ومن الفراغ الأمني الذي يسود منطقة الساحل جنوب الصحراء .
وقد وجدت الكثير من هذه الجماعات في الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة مبررا للانخراط في القتال والعودة إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من الاختفاء بفعل الضغوطات والتدابير العسكرية والاستخباراتية التي قادتها بعض دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب والجزائر وتونس . . في مواجهتها .
حيث اعتبرت هذه الجماعات حضور القوات الفرنسية إلى المنطقة بمثابة عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة، مؤكدة أن فرنسا الحريصة على مصالحها وبعض دول المنطقة الرافضة لأي إصلاح سياسي، تسعيان إلى الحد من "تحولات الربيع العربي" وصد تصاعد الإسلاميين في المنطقة، بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين .
وعموماً، كانت هنالك مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية التي وفرت الأجواء للوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، فعلاوة على قرار مجلس الأمن السابق ذكره، وطلب المساعدة الذي وجهه الرئيس المؤقت المالي لفرنسا؛ وتعقد الأمر بفعل تناقض مواقف الفرقاء داخل مالي، وضعف الجيش المالي الذي تمزقه الإثنية وانخراطه في انقلاب عصف باستقرار البلاد، ووجود تنسيق بين حركة أنصار الدين التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا . . بعدما ظلت منكفئة على نفسها خلال السنوات الأخيرة .
كما لا تخفى تداعيات تباين وتناقض مواقف دول المنطقة من الأزمة في مالي، بين من أكد رفض التطرف و"الإرهاب" ودعا إلى مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة، مع الحرص على وحدة مالي(المغرب)، وبين من أكد المقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي باعتباره سيسهم في تدهور الأوضاع، ومنح الجماعات المسلحة ذرائع للانتشار واستهداف المصلحة الغربية في المنطقة (الجزائر قبل أن تقبل بالخيار العسكري فيما بعد) .
إن فشل دول الساحل الإفريقي والدول المغاربية في بلورة تصور لحل موحد وعلى قدر من التناغم لأجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، أتاح لفرنسا ولأطراف خارجية أخرى فرصة لعب أدوار محورية في إدارة الأزمة في مالي، بضد على المصلحة الاستراتيجية لدول المنطقة .
والواقع أن تجاوز المشكلات الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي وما تطرحه من أخطار وتحديات على السلم والأمن الدوليين، تتطلب مقاربة شمولية على قدر من التعاون والتنسيق الدوليين والإقليميين، تسمح بالوقوف على طبيعة المشكلات والصراعات عبر إدارة الأزمات وتدبير الخلافات بين مختلف الفصائل السياسية المتصارعة والتضييق على الجماعات المسلحة، ودعم جهود التنمية في هذه المناطق . وبخاصة أن المراهنة على المدخل العسكري كحل وحيد خارج تأطير الأمم المتحدة، لن يسهم إلا في تعقد الأمور والدخول في متاهات الفعل ورد الفعل بما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها .
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات - المغرب
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/07e01e06-427b-4eb8-a469-52b1783454cf#sthash.Va4GokTO.dpuf
عين فرنسا على مالي . . لماذا؟
د .إدريس لكريني
تزايد اهتمام القوى الدولية الكبرى بالقارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين؛ ويجد هذا الاهتمام أساسه في مجموعة من العوامل والمبررات، ذلك أن هذه القارة تضم حالياً 53 دولة مستقلة، وتحتضن ثروات بشرية هائلة تناهز المليار نسمة، يغلب عليها طابع التنوع الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
وتكتسي القارة أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والامتداد الجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، فتضاريس القارة تختلف ما بين البحار والسهول والغابات والصحاري والجبال، كما تتنوع الخيرات والثروات الطبيعية بهذه القارة ما بين الغاز والماس والذهب والفوسفات والنحاس والزنك . . والنفط الذي تقدر بعض الإحصاءات نسبته بأكثر من ثمانية بالمائة من الاحتياطي العالمي .
تعرضت مجمل دول القارة إلى الاحتلال الغربي، الذي استغل خيراتها أبشع استغلال . وأمام المد التحرري الذي شهدته الكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خرجت شعوب القارة من ويلات الاحتلال لتجد نفسها أمام الكثير من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقها هذا الاحتلال .
رغم الإمكانات المذهلة التي تتوافر لدول القارة في مختلف المجالات، فإن عدداً منها لا زال يعيش على إيقاع الصراعات والأوبئة والظروف الاجتماعية الصعبة وارتفاع نسب التضخم وتدهور البنى التحتية وانتشار الفساد ومظاهر الاستبداد وانتشار الصراعات وهشاشة الأوضاع الأمنية .
شهدت الكثير من البلدان الإفريقية في أعقاب نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن المنصرم، تحولات اجتماعية وسياسية مهمة اتخذت طابعاً من العنف والحروب الأهلية والصراع على السلطة أحياناً، ووصل الأمر إلى حد انهيار مؤسسات الدولة كما حدث في الصومال، وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في المناطق الممتدة والشاسعة في إفريقيا ملاذاً خصباً للانتعاش والامتداد، زكاه ضعف الدولة المركزية في عدد من مناطق القارة السمراء .
ورغم ذلك، حسمت الكثير من البلدان الإفريقية مع مظاهر الشمولية والانقلابات العسكرية التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وراكمت تجارب بعض دولها ديمقراطية واعدة دعمت التداول السلمي على السلطة .
طالما اعتبرت فرنسا مستعمراتها القديمة منطقة حيوية بالنسبة إليها، حيث عززت حضورها الثقافي ونفوذها الاقتصادي، بل إنها سعت إلى تعزيز وجودها العسكري في كثير من المناسبات، بذرائع مختلفة .
سمح تطور الأحداث في مالي بتعزيز الدور الفرنسي في المنطقة، وتشير الكثير من التقارير الإخبارية إلى أن هذه الدولة قررت إقامة قاعدة عسكرية في شمال شرق النيجر بمبرر مواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة ومحاصرة طرق مدها بالأسلحة القادمة من ليبيا .
وجدير بالذكر أن فرنسا احتلت مالي لعدة سنوات، قبل أن تحصل على استقلالها في عام ،1960 وهو ما يجعلها حريصة على مواجهة كل التهديدات والمخاطر التي تواجه مصالحها في المنطقة .
ظلت فرنسا تردد أن تدخلها العسكري في مالي جاء بناء على دعوة من الرئيس المالي وانسجاما مع قرار مجلس الأمن 2085 2012 في هذا الصدد؛ معتبرة أن الأمر يتعلق بتدبير يدعم المحافظة على وحدة واستقرار بلد صديق؛ علاوة على توفير الحماية لحوالي ستة آلاف فرنسي مقيمين بمالي .
كما أكدت أن الأمر يرمي إلى احتواء ومحاصرة النزاع، ومواجهة الجماعات المسلحة، وقطع الطريق على المقاتلين المسلحين ومنعهم من فرض سيطرتهم على كامل التراب المالي، علاوة على السعي إلى إضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة بعد تصاعد قوتها واستفادتها من السلاح الليبي المسرب .
وفي مقابل ذلك، أكد الكثير من المهتمين والمراقبين أن التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة ينطوي على الرغبة في تحقيق مجموعة من الأهداف غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام للأسرى والمختطفين الفرنسيين الذين كلفوا فرنسا إمكانات مالية كبيرة دفعت للجماعات المسلحة في المنطقة؛ والرغبة في الحد من مخاطر انتقال النزاع إلى مناطق نفوذ فرنسي أخرى مثل تشاد والنيجر؛ والسعي إلى إحداث قواعد عسكرية بالمنطقة . ثم حماية مناطق نفوذها وضمان مصالحها (نفط وغاز ويورانيوم . .) وتأمين شركاتها الاستثمارية في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة إليها، بعد تزايد الاعتداء عليها وعلى العاملين بها .
ومعلوم أن مالي تحتضن في إقليمها مجموعة من المعادن والخيرات الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الذهب والحديد، فيما تعرف النيجر أيضاً بتوفرها على احتياطات مهمة من اليورانيوم، وهو يجعل الحضور الفرنسي في المنطقة ينبني في أحد أسسه على خلفيات اقتصادية .
وهي الخلفيات التي يزيد من حضورها تنامي اهتمام القوى الدولية الكبرى بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وروسيا . . مما يهدد النفوذ الفرنسي في المنطقة .
فيما أرجع بعض الملاحظين توجه فرنسا نحو عسكرة مالي في بداية الأزمة إلى المحاولات الرامية إلى إنعاش شعبية الرئيس هولاند التي بدأت تتآكل تحت محك العمل الحكومي وتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ عبر صنع "بطولات خارجية" وتصريف الرأي العام الفرنسي عن المشكلات الداخلية المختلفة .
منذ بروز الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس "أمادو توماني" في مارس/آذار 2012 وما تمخض عن ذلك من فراغ أمني عم البلاد وأربك مسارها السياسي، استغلته الكثير من الجماعات المسلحة لتنتشر في المنطقة بعد استفادتها من تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي ومن الفراغ الأمني الذي يسود منطقة الساحل جنوب الصحراء .
وقد وجدت الكثير من هذه الجماعات في الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة مبررا للانخراط في القتال والعودة إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من الاختفاء بفعل الضغوطات والتدابير العسكرية والاستخباراتية التي قادتها بعض دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب والجزائر وتونس . . في مواجهتها .
حيث اعتبرت هذه الجماعات حضور القوات الفرنسية إلى المنطقة بمثابة عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة، مؤكدة أن فرنسا الحريصة على مصالحها وبعض دول المنطقة الرافضة لأي إصلاح سياسي، تسعيان إلى الحد من "تحولات الربيع العربي" وصد تصاعد الإسلاميين في المنطقة، بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين .
وعموماً، كانت هنالك مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية التي وفرت الأجواء للوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، فعلاوة على قرار مجلس الأمن السابق ذكره، وطلب المساعدة الذي وجهه الرئيس المؤقت المالي لفرنسا؛ وتعقد الأمر بفعل تناقض مواقف الفرقاء داخل مالي، وضعف الجيش المالي الذي تمزقه الإثنية وانخراطه في انقلاب عصف باستقرار البلاد، ووجود تنسيق بين حركة أنصار الدين التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا . . بعدما ظلت منكفئة على نفسها خلال السنوات الأخيرة .
كما لا تخفى تداعيات تباين وتناقض مواقف دول المنطقة من الأزمة في مالي، بين من أكد رفض التطرف و"الإرهاب" ودعا إلى مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة، مع الحرص على وحدة مالي(المغرب)، وبين من أكد المقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي باعتباره سيسهم في تدهور الأوضاع، ومنح الجماعات المسلحة ذرائع للانتشار واستهداف المصلحة الغربية في المنطقة (الجزائر قبل أن تقبل بالخيار العسكري فيما بعد) .
إن فشل دول الساحل الإفريقي والدول المغاربية في بلورة تصور لحل موحد وعلى قدر من التناغم لأجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، أتاح لفرنسا ولأطراف خارجية أخرى فرصة لعب أدوار محورية في إدارة الأزمة في مالي، بضد على المصلحة الاستراتيجية لدول المنطقة .
والواقع أن تجاوز المشكلات الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي وما تطرحه من أخطار وتحديات على السلم والأمن الدوليين، تتطلب مقاربة شمولية على قدر من التعاون والتنسيق الدوليين والإقليميين، تسمح بالوقوف على طبيعة المشكلات والصراعات عبر إدارة الأزمات وتدبير الخلافات بين مختلف الفصائل السياسية المتصارعة والتضييق على الجماعات المسلحة، ودعم جهود التنمية في هذه المناطق . وبخاصة أن المراهنة على المدخل العسكري كحل وحيد خارج تأطير الأمم المتحدة، لن يسهم إلا في تعقد الأمور والدخول في متاهات الفعل ورد الفعل بما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها .
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات - المغرب
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/07e01e06-427b-4eb8-a469-52b1783454cf#sthash.Va4GokTO.dpuf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.