دخل غياب السيد الصادق المهدي زعيم حزب (الأمة) عن البلاد هذا الأسبوع شهره الخامس وهو الذي ربطه الحزب في قرار له سابق بالمضي فيه حتى (إكمال المهام)، ولم يكن ذلك يومئذ بالمعلوم في ظل التكهنات والاحتمالات والاتهامات.. والتفلتات الحزبية والمؤسسية في الداخل وهي قديمة. الأول من أمس فقط وعبر مؤتمر صحفي وإعلامي قال السيد الرئيس إن السيد المهدي حال عودته سيواجه بالقانون الجنائي جراء ما قام به من خرق لقانون الممارسة الحزبية والسياسية لاتصاله ب(الجبهة الثورية) حاملة السلاح في الخارج والتوقيع معها على ما عرف ب(إعلان باريس). وذلك ما قد يشكل عقبة في عودة المهدي إن لم يكن حريصاً على تبرئة نفسه وحزبه عبر الدفاع القانوني والسياسي والوجود بين أهله وشعبه. لكن في ذات المعني – أي العودة إلى السودان – جاء في تصريح للسيد المهدي أوردته (سودان تربيون) قوله: إنه سيعود إلى السودان حال اكتمال مهامه الخارجية المتمثلة في: - تسوية إعلان باريس - وبحث توحيد قوى المعارضة وكلاهما – في ما يبدو – من المهام صعبة الاكتمال لما يكتنفها من عقبات. فإعلان باريس بعد أسابيعه الأولي وعدم ملاحقة أربابه له إعلامياً وسياسياً بات في (خبر كان) كما يقولون .. والمهدي نفسه ظل وجوده في القاهرة والتردد عليه من بعض مسؤولي حزبه والطامعين في التفاهم معه هو الهم الأول للرجل وبخاصة بعد لقاءات أديس الأخيرة. ذلك أن أجندة الحوار الوطني والمبادرة الأفريقية قد تجاوزت (إعلان باريس). تبعاً لذلك فإن (إعلان باريس) الذي شغل المهدي نفسه به بادئ الأمر لم يعد محل قبول أو اهتمام في الداخل والخارج معاً .. بل إن بعض أركانه ومؤسسيه كالسيد عبد الواحد محمد نور قد بات لهم رأي مختلف مع السيد عرمان في أطروحاته على طاولة التفاوض مع الحكومة على المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق).. قد كان لعرمان حضوره في (إعلان باريس). وفي ظل المتغيرات إجمالاً فإن (تسويق) إعلان باريس أو بيع الجبهة الثورية ومبادئها للآخر لم يظل بالمهمة التي لابد أن تكتمل على يدي المهدي أو خلافه.. بل ذلك تبعاً للحسابات الدقيقة والخاصة لم يعد مقابل ثمن العودة إلى الداخل وحزب (الأمة) القومي بحاجة لذلك أكثر من غيره .. وإلا فإن الحزب سيفقد الكثير سياسياً ومؤسسياً وهو بصدد مؤتمره العام في بداية العام القادم .. وإن اكتنفت العودة هنا صعوبة الاتهام الجنائي التي كشف النقاب عنها وهي ممارسة كان ينبغي أن تكون معتادة ولابد منها في مجتمع أهله سواسية أمام القانون وحقوق الدفاع فيه مكفولة ومتاحة لا ريب. ونعود إلى النقطة الأخرى التي ربط الإمام عودته إلى الداخل باكتمالها ذلك أنها من المهام التي علقها في عنقه قائلاً ب(بحث توحيد قوى المعارضة) وهي التي تبدو بالرجوع إلى التجربة والوقائع داخل حزب (الأمة) القومي ومع الأحزاب السياسية الأخرى الأكثر صعوبة .. والتي ربما لا تكتمل في ظل ما هو معروف. حزب المهدي كان له على الدوام طريقه الخاص ومصالحه الخاصة التي لا يربطها بمصالح الآخرين أو التفاهمات والمعاملات معهم .. وما يشار إليه هنا ليس بالقليل .. ومنذ أن كان الحزب والكيان موحدين بزعامة الإمام الهادي وقيادات الحزب التاريخية حيث شق الصادق الحزب تحت مسمي العزل بين (القداسة والسياسة) وهو ما يتمتع به الآن .. وكان بعد عام 2003م انقسام السيد مبارك الفاضل والدكتور نصر الدين الهادي وغيرهم كثيرون وصولاً إلى الدكتور إبراهيم الأمين أمين عام الحزب السابق أخيراً. أما العلاقة مع الآخر من الأحزاب السياسية فحدث ولا حرج .. حيث له مع الأحزاب المعارضة الأخرى خصومات ولا تفاهمات وعدم احترامه وصولاً إلى وصفها بأنها أحزاب (فكة) وغير ذات مرجعية أو خصوصية أو زعامات معتبرة .. ولا ينجو من ذلك الدكتور – الترابي – زعيم حزب المؤتمر الشعبي ولا الأستاذ فاروق أبو عيسي أمين عام قوى الإجماع الوطني. ذلك فضلاً عن من شاركوه قسمة السلطة في الحكومات الائتلافية الذين أصابهم ما أصابهم من تلك الشراكة ونذكر هنا الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة السيد الميرغني. عليه فإن المهام التي يربط السيد الإمام عودته باكتمالها تبدو صعبة للغاية مما يجعل العودة شبه مستحيلة. نقلاً عن صحيفة المجهر السياسي 2014/12/3م