بقلم: د. محمد السيد سليم - جعفر كرار احمد فى مقاله فى الأهرام يوم 19 يناير سنة 2015 بعنوان «الأحمق والخبيث والداهية» كتب الدكتور نصر عارف يقارن بين ثلاثة نماذج للعمل فى المنطقة العربية. ولكنه فجأة أقحم الصين فى نهاية المقال دون مناسبة لينسب اليها أنها قد أصبحت دولة صهيونية. قال الكاتب الاحمق مستمر فى حماقاته، والداهية والخبيث يتنقلان شرقاً، إلى الصين التى ستكون أكبر دولة مسيحية فى العالم بحلول عام 2050، مفتوحة لإسرائيل، بحيث أصبحت شنغهاى مائة فى المائة مع إسرائيل، وأصبحت النخبة الصينية صديقة لإسرائيل، وسندا لإسرائيل، والأحمق يخطط لتفجير قطارات فى الصين ثأرا لمظالم المسلمين فى شمال شرق الصين. لايمكن تصنيف ماسبق على أنه مبنى على معلومات عن الصين، وانما يعكس فى الأغلب رؤية ايديولوجية تبناها تيار الاسلام السياسى منذ أن قامت الصين بدورها التاريخى لحماية وحدة الدولة السورية باستعمال الفيتو فى مجلس الأمن، وهو أمر لم يغفره لها أبناء هذا التيار حتى اليوم لأنهم كانوا يتطلعون فى سوريا الى تكرار الأعمال الهمجية التى قاموا بها فى ليبيا. كما أنه من ناحية أخرى ضربة تحت الحزام لمشروع المشاركة الاستراتيجية المصرية الصينية الشاملة. كيف ستكون الصين دولة مسيحية مع حلول سنة 2050 مع أن المسيحيين فى الصين لايشكلون الا 3% من سكان الصين حاليا؟ وللعلم فقد سبق أن توقع ذلك أحد كبار أساتذة العلوم السياسية الراحلين ممن نهل الكاتب من علومهم فى كتاب له صدر سنة 1979 توقع فيه أن يتحول الاتحاد السوفيتى والولاياتالمتحدة الى دولتين اسلاميتين بحلول نهاية القرن العشرين!! وماأهمية ذلك كله بالنسبة لتحليل السياسة الصينية؟ أليست اليونان المسيحية أقرب لنا من تركيا الاسلاموية؟ هل صحيح أن الدول المسيحية مفتوحة لاسرائيل؟ ماذا عن جمهورية افريقيا التى يشكل المسيحيون 80% من سكانها؟ وكيف أصبحت شنغهاى مائة فى المائة مع اسرائيل؟ بالمناسبة شنغهاى ليست عاصمة الصين. ألا يعلم الكاتب أن أهم مؤسسات البحث الأكاديمى عن الشرق الأوسط موجودة فى شنغهاى ومعظمها متعاطف مع الموقف العربى برئاسة كبيرهم الأستاذ شو لى (عبد الجبار). لقد زرنا شنغهاى عدة مرات ولم نلمس مانسبه الكاتب لنخبة تلك المدينة التاريخية. هل الكاتب متأكد أن النخبة الصينية متعاطفة مع اسرائيل؟ هل سبق أن التقى بنخبة الحزب الشيوعى الصينى وأدار معها حوارا حول سياسة الصين تجاه العرب؟ وماعلاقة كل ماكتب بقضيته الأساسية عن الحمقى والخبثاء؟ بعكس ماقاله الكاتب فإن الصين شهدت خلال السنوات الخمس الأخيرة تحولا جذريا فى سياستها تجاه اسرائيل يمكن أن نوثقه بالمثال التالي. فى 23 أغسطس سنة 2014 صرح السفير الاسرائيلى فى الصين ماتان فيلانى لصحيفة South China Morning Post الصادرة فى هونغ كونغ، أن اسرائيل غير مرتاحة الى سياسة القيادة الصينية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية. حذر السفير الإسرائيلى الصين من مغبة التورط فى قضايا الشرق الأوسط المعقدة وخصوصاً القضية الفلسطينية والنزاع فى غزة ، كما عبر عن عدم حماس إسرائيل لإتجاه القيادة الصينية للعب دور الوسيط النشط فى المسألة الفلسطينية وهو التوجه الذى أعلنه وزير الخارجية الصينى Wang Yi فى مطلع أغسطس سنة 2014 ضمن خمس نقاط حددت الموقف الصينى من القضية الفلسطينية ، حيث قال السفير: سيكون من الصعب للصين التوسط فى النزاع فى غزة، وحذر من أن النزاع فى غزة سيكون معقداً بالنسبة للصين . وأضاف أن التعامل مع قضايا الشرق الأوسط مسألة شديدة الخطر والتعقيد ولست واثقاً من أن الصين قد أعدت نفسها بشكل جيد للتعامل مع هذه المسألة إذ ليس هناك طريقة سهلة للتعامل معها . وقال حتى الولاياتالمتحدة لا تستطيع أن تحل هذا النزاع بالرغم من حضورها القوى فى الشرق الأوسط لعقود وأضاف فى إشارة واضحةً للصين لا بد أن تكون جزءاً من الشرق الأوسط كى تكون قادرة على حل مثل هذا النوع من النزاعات وأضاف أنصح الصين أن تسير بعناية إذا كانت بكين فى حاجة لحماية مصالحها فى هذا الإقليم الغنى بالموارد وتعزيز علاقاتها مع إسرائيل، وعليها بشكل عام أن تكون حذرةً جداً وهى تتفاعل مع قضايا الشرق الأوسط ومضى يقول إن على الصين أن تفهم أن هذا الوضع سيستمر لسنوات وفى إشارة كما يعتقد على إحتفاظ الصين باتصالاتها بحماس وآخرها لقاء المبعوث الصينى للشرق الأوسط Wu Sike مع السيد/خالد مشعل فى الدوحة، قال السفير الإسرائيلى لا فرق بين مقاتلى حماس ومقاتلى داعش .وقد علق Alex Lo أهم كتاب الأعمدة فى الصحيفة South China Morning Post بتاريخ 25/8/2014م على تصريحات السفير الإسرائيلى فى بكين مشيراً إلى ان ما يريد أن يقوله السفير الإسرائيلى لبكين إن فلسطين شأن داخلى إسرائيلى وهى حديقتنا الخلفية فلا تقتربوا منها . وحسب رأى السيد/ Lo أن السفير الإسرائيلى يريد أيضاً أن يذكر الجانب الصينى بأن إسرائيل هى الديمقراطية الغربية الوحيدة التى لا تتدخل فى مسألة التبت وشينجيانغ وعليه يجب أن ( لا تديننى ولا أدينك ). فهل يجوز بعد ذلك أن يقول الكاتب أن النخبة الصينية أصبحت مع اسرائيل مائة فى المائة؟ أكرر مائة فى المائة!! تعتبر هذه المرة الأولى التى يوجه فيها سفير إسرائيلى رسالة مفتوحة إلى القيادة الصينية منذ إقامة العلاقات بين البلدين فى عام 1992. أن أهم رسالة وجهها السفير الإسرائيلى إلى بكين هى أن سياستكم الجديدة تجاه القضية الفلسطينية لا تعجبنا، وأن الشأن الفلسطينى هو فى الأصل شأن إسرائيلى بحت، كما إننا لا نرغب فى أن تكونوا وسطاء فى هذا الصراع . ومن المؤكد أن سياسة القيادة الصينية الجديدة تجاه الشرق الأوسط فى ظل قيادة شى جين بينغ لا تعجب إسرائيل ، حيث حددت إدارة شى جين بينغ بشكل واضح رؤيتها تجاه القضية الفلسطينية وأهمها الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وعلى حدود عام 1967 ودعم جهود القيادة الفلسطينية للانضمام لمنظمات الأممالمتحدة المختلفة . وقد بلغ القلق الاسرائيلى من تحولات الموقف الصينى أشده خلال العدوان الإسرائيلى على غزة حيث دعت الصين إلى رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل بما فيه فتح الموانى والمعابر والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين ووقف إطلاق النار من الجانبين، ووصف وزير الخارجية الصينى إستخدام إسرائيل للقوة المفرطة بأنه غير مبرر تحت أية حجة فيما أعلن عن إستعداد بلاده للوساطة فى هذا النزاع، محملاً مجلس الأمن الدولى المسئولية لفشله فى حل الصراع الإسرائيلى العربي، داعياً المجتمع الدولى للتوصل إلى توافق مشترك لإستئناف المفاوضات وحل الصراع العربى الإسرائيلى . إذن وفى ظل الموقف الصينى الواضح من مسألة الصراع العربى الإسرائيلى فان الصين قلقة من دعوات الصين لتوافق دولى يفضى الى التوصل لحل دولى للقضية الفلسطينية، ومتوترة من إدانة الصين القوية لها خلال العدوان الأخير على غزة ، ولا ترغب فى وساطة صينية تعلم بأنها لن تكون فى صالحها . والحق أن تلك السياسات الصينية هى سياسات جديدة اذ كنا نشكو فى ربع القرن الأخير من أن الصين قد خرجت من المعادلات السياسية فى الشرق الأسط ولكن السياسات الجديدة تصب فى مصلحة العرب الذين عليهم أن يثمنوها ويدفعوها قدما بدلا من تصويرها بما هو ليس فيها. فهل ننسى أن الصين كانت أول قوة كبرى تقيم منتدى للتعاون الجماعى مع العرب فى اطار الجامعة العربية، وتلتها روسيا فى ذلك؟ وهل ننسى الدور التاريخى للصين فى اقرار مبدأ سيادة الدولة وعدم التدخل فى شئونها الداخلية الذى يحاول الغرب أن يواريه التراب؟ وهل ننسى قبل ذلك أن الصين ستصبح القوة العظمى الأكبر بحلول سنة 2050؟ كلية الاقتصاد سودانى مقيم فى الصين المصدر: الأهرام المصرية 26/1/2015