شهدت الخرطوم الاسبوع المنصرم حدث تاريخي وهو تجمع رؤساء دول السودان ومصر وإثيوبيا في ثلاثية (فريدة) تم خلالها التوقيع علي سد النهضة الذي واجه عقبات ومطبات كادت تشعل فتيل الأزمة بين مصر وأثيوبيا، إلا أن السودان لعب دوراً محورياً ساعد في إذابة جليد الخلافات بين الطرفين وأفضي إلي التوقيع علي وثيقة الخرطوم. ويعبر الاهتمام الكبير الذي وجده هذا الحدث عن قيمة عظيمة للاتفاق السياسي الذي توصلت إليه دول السودان ومصر وأثيوبيا بشأن السد، وقد مثل التوافق حوله خلال العامين الماضيين عقبة كبيرة في مسار العلاقات التعاونية خاصة بين مصر وأثيوبيا. ويتضمن الاتفاق 10 مبادئ أساسية تحفظ الحقوق والمصالح المائية المصرية، وتتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية. وتشمل تلك المبادئ: مبدأ التعاون، التنمية والتكامل الاقتصادي، التعهد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأي دولة، الاستخدام المنصف والعادل للمياه، التعاون في عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوي، مبدأ بناء الثقة، مبدأ تبادل المعلومات والبيانات، مبدأ أمان السد، مبدأ احترام السيادة ووحدة أراضي الدولة، ومبدأ الحل السلمي للنزاعات، فضلًا عن إنشاء آلية تنسيقية دائمة من الدول الثلاث للتعاون في عملية تشغيل السدود بشكل يضمن عدم الإضرار بمصالح دول المصب. وتضمن الاتفاق آلية لتسوية النزاعات بين مصر وإثيوبيا، من بينها التشاور والتفاوض والوساطة والتوفيق، وكلها أدوات نص عليها القانون الدولي لتسوية أية خلافات قد تطرأ حول تفسير أو تطبيق بعض نصوص الاتفاق. ويؤكد الاتفاق على عدم المساس بالاتفاقيات التاريخية لمياه النيل، ولا يتناول حصص المياه أو استخداماتها إنما يقتصر فقط على ملء وتشغيل السد، على أن يعقب اتفاق المبادئ اتفاقات أخرى. ومثل التوقيع خطوة مهمة أفضت إلي التوصل إلي اتفاق سد النهضة الإثيوبي، الذي وقع عليه رؤساء الدول الثلاث أمس والذي شهد اهتماماً إعلامياً وعالمياً تناقلته الفضائيات والوكالات العالمية لما يمثله من حدث سياسي كبير سيكون أساساً بنائياً للتوصل إلي اتفاقيات تفصيلية قادمة. فالسودان قد استطاع أن يكون له قصب السبق في بناء علاقات طيبة مع مصر وأثيوبيا علي أساس الاحترام المتبادل، سيكون لها ما بعدها ولم يكن هذا الفعل هو الأول من نوعه، فقد لعبت الخرطوم دوراً محورياً في المنطقة، علي أيام النزاع المتصاعد بين أثيوبيا واريتريا، كما بذلت الخرطوم جهوداً كبيرة ولعبت دور الوسيط (الناجح) لجمع الفرقاء بدولة جنوب السودان خلال أزمته الأخيرة، وله دور استراتيجي لحلحلة كثير من القضايا الإقليمية. وتعامل السودان مع هذا الملف من خلال مجموعة قوامها 24 خبيراً سودانياً، في مجالات البيئة والاقتصاد وهندسة المياه وسلامة السد. وأفردت الوزارة لهم مقراً خاصاً، وشكل الخبراء أربعة لجان، وذلك بُغية أن يكون موقف السودان مبني على دراسة دقيقة ورؤية إستراتيجية، عموما أن ما يهم السودان كدولة متأثرة من سد النهضة أربع قضايا. الأولى سلامة السد، والثانية الجانب الاقتصادي، والثالثة الجانب البيئي، والرابعة تشغيل السد. أما سلامة السد فهي لا تؤجل، ولذا كانت إفادات الخبراء الدوليين في جوانب النقص المتعلقة بالسد قبل بدء العمل فيه، ومن ثم التزمت إثيوبيا بالوفاء بتلك الجوانب. أما المسائل المتعلقة بالآثار الاجتماعية والبيئية وتشغيل السد وكيفية ملئه وتفريغه، فهي موضوع الدراسات القادمة، وينبغي أن تكتمل قبل اكمال بناء السد، وقال يمكن تلافي الآثار الناجمة عن ملء السد وتشغيله بالتقليل من الآثار السالبة التي تفرزها. والاتفاق تم حول منشأة (سد النهضة) وليس حول مياه النيل، وبالتالي لا حديث هناك عن أي اقتسام لمياه النيل. فالسد يزيد من إيراد نهر النيل خاصة والهدف منه الكهرباء وليس الزراعة، إذا فالسد نصر للجميع ويشتمل على منافع كثيرة للسودان ومصر.