فريق ركن/ محمد عبد الله آدم سألني أحدهم قائلاً: يا سعادك بصفتك رجلاً عسكرياً، كيف تفسر النصر الكبير الكاسح، الذي حققته قوات الدعم السريع على قوات العدل والمساواة في قوز دنقو؟؟ قلت له: حقيقة ما حدث في ميدان المعركة، لا يعرفه إلا من خطط ونفذ العملية، ضباطاً وجنوداً، لأن السيناريوهات التي تقود لمثل هذا النصر الكاسح كثيرة، ولا يستطيع أي مراقب معرفة السيناريو الذي تم تنفيذه .. العميد حميدتي قائد قوات الدعم السريع ومنفذ عملية قوز دنقو، تكلم عن معركته عبر صحيفة الصيحة الصادرة بتاريخ الخميس 7/5.. تكلم بطريقة مبسطة وأدلي بمعلومات كافية وجدت القبول، وأثلجت صدور بعض القراء العاديين .. أما تكتيكاً، ومن وجهة نظر عسكرية بحتة، لا بد من دراسة المعركة عبر تناول مقومات النصر المعروفة وتحليلها لمعرفة مدي التزام الطرفين بها، وكيف تحقق النصر؟ ومن ثم الخروج بالدروس المستفادة. أهم مقومات النصر في أي قتال ميداني يقع بين طرفين هي أولاً: الجسارة في القتال .. ثانياً التدريب والتسليح الجيد .. ثالثاً الخطة المبنية على معلومات جيدة .. إذا أخفق أي من الطرفين في تطبيق واحدة، أو كل تلك المقومات فإن الهزيمة الساحقة النكراء ستكون من نصيبه.. فيما يختص بالجسارة في القتال .. نجد بيئة دارفور البدوية القاحلة التي نشأن وترعرع وعاش فيها مقاتلو الطرفين، أكسبت المقاتل الدارفوري صفة الصبر وقوة التحمل والشجاعة والإقدام، وهي أهم متطلبات الجسارة المنشودة .. إذن مقاتلو الطرفين المتحاربين لا يعرفون الخوف، ولا يهابون القتال، بل يتمتعون بقدرة وافر من الجسارة والإقدام في الميدان.. فيما يختص بالتدريب والتسليح الجيد.. الحقائق المتوفرة تقول، قوات الدعم السريع نالت جرعات تدريبية مكثفة في مراكز تدريب القوات المسلحة في الخرطوم، أشرف عليها معلمون ضباط وضباط صف أكفاء تابعون للقوات النظامية .. تعلمت قوات الدعم السريع خلال تلك الفترة التدريبية مبادئ أوجه الحرب المختلفة، التقدم .. الهجوم.. الدفاع الانسحاب .. تعلموا كذلك مبادئ وفنون حرب العصابات وكيفية مقاومتها .. تسليحهم من حيث النوع والكم كان جيداً، ويتلاءم مع مهامهم القتالية. أما قوات حركة العدل والمساواة الذين تم تجميعهم وتدريبهم في مدينة راجا، يبدو أن تدريبهم انحصر في دروس فك وتركيب قطع السلاح، ومعالجة الأعطال الخفيفة، والتنشين والضرب على الأهداف، وقيادة سيارات الدفع الرباعي، والهجوم بطريقة العصابات.. بمعني آخر، ركزوا فقط على تدريب قواتهم على عمليات حرب العصابات .. هذا ليس تخميناً بل هو واقع حال تدريب العصابات الذي يحكمه دائماً عامل الزمن والمكان. تطور أسلوب قتال العصابات باستخدام جميع أنواع أسلحة الميدان، الخفيفة والثقيلة، واستخدام آليات الدفع الرباعي في التحركات والهجوم، يتطلب تطوير أسلوب تدريب العصابات ليشمل أوجه الحرب المختلفة، وخاصة عملية التقدم من مكان الحشد إلى مسرح العمليات، والذي يتطلب تقدم القوات بوثبات منتظمة، واتخاذ خطوات وقائية تجنب حدوث المفاجأة .. ولكن هذا النوع من التدريب لم يتوفر لقوات العدل والمساواة لسبب ما. العصابات في تقدمها نحو أهدافها تعتمد أساساً على عمليات التسلل وليس التقدم التعبوي بضوابطه وشروطه المعروفة.. إذن التدريب والإعداد القتالي لقوات العدل والمساواة غير مكتمل .. أما التسليح كان جيداً ويتلاءم مع مهامهم القتالية.. فيما يختص بالخطة المبنية على معلومات جيدة قوات الدعم السريع لديها إلمام جيد بطبيعة الأرض وتضاريسها وبطرقها والأماكن الحاكمة وآماكن المياه وأماكن التجمع .. وكذلك الإلمام بطبيعة العدو وعاداته ونواياه وتدريبه وتسليحه وتوقيتات تحركاته.. استناداً على تلك المعلومات الوفيرة عن الأرض والعدو، يضاف الى ذلك عامل التفوق العددي في الأفراد والآليات (سبعمائة عربة مسلحة مقابل مائتين وإحدى عشرة عربة مسلحة لقوات العدل والمساواة).. كما جاء في حديث العميد حميدتي، وهي نسبة معكوسة بالمقاييس التعبوية المعروفة (1 إلي 3) .. بهذا التفوق يتسنى لقوات الدعم السريع وضع خطط قتالية محكمة وتحقيق المفاجأة في أي قوات تتقدم عبر المحاور والطرق المعروفة لديهم. التقدم التعبوى لأي قوة تتقدم من مكان الحشد إلى أهدافها، يتطلب تقسيم القوة المتحركة على النحو التالي: اتيام استطلاع تتحرك أمام القوة بمسافة أربعة كيلو تقريباً للإنذار المبكر .. قوة مقدمة متوازنة تتحرك خلف قوة الاستطلاع وتكون جاهزة للتعامل مع أي مقاومة تعترض سير القوة .. يلي ذلك تحرك الجسم الرئيسي للقوة ويشمل الرتل الإداري .. ثم يلي ذلك تحرك قوة متوازنة لحماية مؤخرة القوة المتقدمة.. تتحرك كل هذه القوات على الطريق بفواصل ولا تتجمع أبداً في مكان واحد.. أي قوات لم تخضع لهذا النوع من التدريب، وهذا ينطبق على قوات العدل والمساواة، سوف تتكبد خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات أثناء تقدمها نحو أهدافها. قوات العدل والمساواة رغم إلمامها الجيد بطبيعة الأرض، إلا إنها تقدمت من مكان حشدها بعشوائية وبدون خطة، بسياراتها المعرية، سيارة خلف سيارة بدون فواصل، أشبه بسيرة عرس في طريقها لزيارة ضريح أحد الأولياء، وعند وصول فسحة الضريح، تكالب كل الزوار على القبة من أجل التبريكات وأخذ (الزوارة). بهذا الاندفاع والتقدم العشوائي، دخلت قوات العدل والمساواة منطقة أعدت لإبادتهم والقضاء عليهم .. فحدث ما حدث .. (إذا كان المتحرك الحذر تحت رحمة المنتظر .. فإن المتحرك العشوائي لا يجد من يرحمه).. مما تقدم يتضح أن قوات الدعم السريع طبقت شروط النصر بكفاءة عالية وتفوقت عدداً على قوات العدل والمساواة، فكان النصر الكاسح حليفها .. أما قوات العدل والمساواة فقد أخفقت مراراً، عدم اكتمال التدريب الميداني، وعدم وضع خطط وقائية تحمي تقدمها نحو أهدافها، وقلة عدد مقاتليها بالمقارنة مع مقاتلي الدعم السريع، فكانت الهزيمة النكراء. إذن الدرس المستفاد من هذه المعركة .. التدريب الناقص غير المكتمل، وعدم تعادل القوة هو السبب الرئيسي الذي أدي إلى تلك الهزيمة النكراء التي منيت بها قوات العدل والمساواة .. قد يكون هذا هو السيناريو الذي طبقته قوات الدعم السريع .. والله أعلم.