مع أن الأمر في مجمله، أمر يتصل بالإجراءات القضائية والعدلية وهو قيد التحقيق، وتمتلك الأجهزة العدلية كافة من شرطة ونيابة وقضاء صلاحيات واسعة النطاق للتحقيق مع الكل وتوجيه الاتهام لمن ترى ومقاضاة من يثبت ضلوعه في الأمر. مع كل ذلك فإن قضية سوق المواسير التي جرت وقائعها في عاصمة ولاية شمال دارفور مدينة الفاشر مؤخراً تدق ناقوساً (جديد الرنين وحاد الصوت) في الأذن القومية السودانية وبالتحديد في أذن (الأمن القومي السوداني). فنحن دون شك لا نقف الا مع الحق ولا شأن لنا بوالي أو وزير أو مسؤول أخطأ، كما أننا نجد صعوبة في ايجاد العذر لسلطات الولاية لتركها الأمر يتفاقم على هذه الشاكلة الخطيرة. ولكن ومع كل ذلك وأهميته، فإن الأكثر أهمية منه هو أن نستوعب (أبعاداً بعيدة) للقضية ذات رنين استخباري، اذ من المعروف مؤخراً ان (انهياراً مالياً) حاداً وقع في الولاياتالمتحدة في دول استريت، وجرجر معه أقدام العالم بأسره، وانتشر الحريق الى انحاء أوروبا والغرب عموماً ماراً بآسيا وأفريقيا، والإنهيار المالي العالمي الذي ربما بدأت تخفض وتيرته وتخفت بدأ بذات وعلى ذات الشاكلة حيث المضاربات، والتطلع نحو الثراء السريع المبني على اغراءات ربحية سريعة وكانت النتيجة انهيار أسواق وامتداد أثر الانهيار الى جزء من عصب اقتصاد الدولة، فما الذي يحول دون أن يكون ما جرى في سوق الفاشر هذا جزءاً من ذات اللعبة، ففي الولاياتالمتحدة كان واضحاً أن هنالك (لاعبين) اتقنوا وأداروا اللعبة بقدر من المهارة وربما حققوا نجاحات لجعل القرار السياسي رهيناً للظروف الاقتصادية فالاقتصاد هو أكبر وأخطر عنصر فاعل في رسم القرار السياسي. وليس من المستبعد أن المحاولات الاسرائيلية للعبث بأمن دارفور السياسي عبر ادخال السلاح وتشجيع هجرة الدارفوريين الى اسرائيل وتجنيد عبد الواحد محمد نور إلى درجة دفعه لفتح مكتب في تل أبيب، ثم محاولات تقسيم السودان بفصل دارفور عبر عبد الواحد، كل هذه لن تكون كافية ما لم يتبعها عمل اقتصادي (خاطف) داخل العصب الاقتصادي في دارفور ليقع قدر من الانهيار وتهتز الثقة ويتفكك اقتصاد الدولة هناك. وربما قال قائل إن النظرية سهلة وكثر تداولها وهي نظرية المؤامرة. ونقول نعم هي نظرية مؤامرة بوقائع ومؤشرات واضحة، إذ ليس من ممارسات السودانيين خاصة أهل دارفور مثل هذه الممارسات، كما أن تضاعف الخسائر بسرعة البرق لتفضي الى تظاهرات وأعمال عنف يصعب القول أنه عملاً عادياً جاء فقط بالمصادفة، فهناك دائماً خطط، وخطط بديلة، ووسائل معروفة في دهاليز العمل الاستخباري، لا نقول ان سلطات الولاية لم تعي بها ولا نقول أنها استسهلت الأمر، فهذا سوف يتضح من خلال مجريات التحقيق ولا نود استباقه، ولكن من المؤكد أن مكر ودهاء المخططين كان أكبر من ما هو متصور، فسوف تظل دارفور وباستمرار بل والسودان كله ساحة لمثل هذه الألاعيب إلى أن يعي حملة السلاح والمتمردين في دارفور بحقيقة ما يرتكبونه في حق أهلهم!!