يبدو أن المجتمع الدولي والإقليمي كان مشغولاً، ركز كل جهده في الفترة الأخيرة على العملية الانتخابية التي جرت في البلاد ثم تلتها فترة تنصيب المشير البشير رئيساً للجمهورية التي أسدلت ستار إجراءاتها أمس الأول تحت قبة البرلمان، وتجاهل المجتمع الدولي والإقليمي والجماهير بالداخل مواقف المعارضة المتباينة وقوى الإجماع التي تتقاذفها الخلافات نتيجة الموقف من الحوار مع النظام ففي الوقت التي ارتضت فيه بعض القوى التسوية السياسية مع الحكومة رفضتها أخرى وبشدة وتمسكت بموقفها المعلن الداعي إلى إسقاط النظام عبر الانتفاضة الشعبية اتهامات متبادلة: تتهم بعض القوى التي تتمسك بإسقاط النظام القوى الأخرى بالارتماء في حضن الأجنبي الذي غير نظرته من النظام القائم وأصبح يدعو للتسوية السياسية ويحرض المعارضة على إجراء تسوية مع النظام بعيداً عن الدعوة لإسقاطه سواء عن طريق العنف أو الطرق السلمية، حيث عقدت المعارضة المدنية، في شقها الموافق على التسوية السياسة عدة لقاءات مع القوى المسلحة في الخارج برعاية إقليمية ودولية أشرها إعلان باريسوبرلين ثم اللقاء الذي حضرته آلية ال(7+7) بأديس أبابا ووافقت عليه قوى داخلية ومعارضة ذات صبغة إسلامية، فيما عجلت الحكومة برفضه رغم أن ممثلي الآلية قد وقعوا على مسودته، ثم تداعت القوى السياسية مؤخراً إلى لقاء برعاية فرنسية ودولية لإجراء مشاورات بباريس للتنسيق بين القوى السياسية المعارضة في المواقف والدخول في تسوية سياسية مع النظام الحاكم في الخرطوم برؤية موحدة، ثم عقد لقاء تحضيري بأديس أبابا مرتقب أن تتم الدعوة له من الاتحاد الأفريقي عبر الآلية رفيعة المستوى بقيادة ثامبو أمبيكي بمقر الاتحاد الإفريقي تطبيقاً لبنود القرار 456 الصادر من مجلس الأمن والسلم الإفريقي، بيد أن قوى أخرى تمترست خلف موقفها الرافض للتقارب مع النظام واستمرت في الدعوة لإسقاطه، حيث شهدت فترة الانتخابات حملة واسعة قادتها المعارضة الرافضة للمقاطعة أطلقت عليها أسم (أرحل) مواقف متباينة: مواقف المعارضة المتباينة أربك حسابات الدول التي تسعي للانحراف بالقوى ناحية التسوية، لكن فيما يبد أن القوى الأخرى التي تقف موقف الداعم لرؤية التفاوض مع النظام عبر الحوار بشروط مسبقة أفلحت في إقناع المجتمع الدولي بأنها القوى الحقيقية التي تمثل المعارضة السودانية عقب توقيع اتفاق نداء السودان الشهير الذي تواثقت عليه أربع مجموعات سياسية مدنية ومسلحة ورفضته الحكومة وقامت باعتقال كل الموقعين عليه، قبل أن تطلق سراحهم قبل بداية الاقتراع بيوم واحد، ومع ذلك ظل نداء السودان مرفوضاً من قوى سياسية معارضة من بينها حزب البعث الذي يعده خطة للتقارب مع النظام وإجراء تسوية معه، وترفض ذات القوى الدعوة لإجراء مشاورات بالعاصمة الفرنسية في الأيام المقبلة بغرض الوصول إلى صيغة تمكن المعارضة من الدفع برؤية موحدة للتفاوض والحوار مع الحكومة وفي ذلك يقول أمين المكتب السياسي لحزب البعث القومي إن بعض القوى السياسية في الداخل والخارج تتداعي هذه الأيام اللقاء في باريس، وقال لل(التيار) إن جوهر اللقاء يتمثل في البحث عن مسار جديد للتسوية مع النظام باستجداء ما يسمي بالمجتمع الدولي الغربي الذي فشل في أبريل الماضي في إجبار النظام للحضور إلى أديس أبابا من أجل إكمال برلين الأولي باسم المؤتمر التحضيري. رفض الاستنصار بالأجنبي: ويبدو إن حزب البعث الذي يرفض الاستنصار بالأجنبي حسبما ظل يصرح، يرفض في المقابل أي رؤى قد تدفع في المسار الذي يؤدي إلى إجراء تسوية سياسية مع النظام الحاكم، فبولاد في حديثه حذر من مغبة إجراء التسويات السياسية وقال إن أية تسوية سياسية مع النظام الحاكم، مهما كانت دعاويها، يتزيد من معاناة الشعب السوداني وتبارك الفساد وتطيل عمر النظام واستمرار الحرب، مؤكداً انحياز حزبه إلى جانب الشعب وخدمة قضاياه من أجل البديل الديمقراطي الذي يصفي ركائز الفساد والشمولية ويوقف الحرب. لكن قوى معارضة أخرى تمثل السواد الأعظم للمعارضة السودانية من المتوقع أن تغادر البلاد خلال الأيام القليلة المقبلة إلى باريس لحضور اللقاء التحضيري بعد أن تسلمت الدعوات لحضور اللقاء، من بينهم الأحزاب المكونة لتحالف القوى الوطنية (قوت) وبعض أحزاب قوى الإجماع الوطني ومكونات الجبهة الثورية كخطوة استباقية للمؤتمر التحضيري الذي أجل الاتحاد الأفريقي قيامه بعد اعتذار الحكومة السودانية بدعوى مشغولياتها بالانتخابات التي جرت في البلاد. الحوار الداخلي: وفي المقابل أعلن المشير عمر البشير رئيس الجمهورية في الخطاب الذي ألقاه أمس، عقب تنصيبه أمام البرلمان انطلاق قطار الحوار الوطني خلال الأيام القادمة فيما تتأهب آلية 7+7 لعقد اجتماع ولقاء رئيس الجمهورية لتحديد موعد انطلاقة الحوار الوطني وشرع حزب المؤتمر الشعبي في قيادة حملة للتبشير بالحوار الوطني واستقطاب قوى جديدة ويتوقع مراقبون أن تنخرط حركا مسلحة في الحوار الوطني سيما بعد إعلان العفو العام عن حملة السلاح. نقلاً عن صحيفة التيار 2015/6/4م