ضجت الدنيا شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، ونشطت الأسافير وتوزعت كروت الأفراح لبعض المتعطشين لسماع نبأ مهم، نبأ طال انتظاره من أولئك الذين وضعوا عشمهم في عدالة لاهاي..! ظن هؤلاء أن ساعة الصفر قد حان وقتها وأن الرئيس البشير قد أفل نجمة وتم اعتقاله في جنوب أفريقيا، وخرج النشطاء من كهوفهم وملاجئهم ليحتفلوا بهذا النبأ المضروب، ولكنهم عادوا وتحملهم الحسرة ويحفهم الندم. شارك البشير في هذه القمة وقت أن تدثر آخرون خوفاً من الاعتقال أو التظاهر أو حتي الاحتجاج..!! نجح الشعب السوداني في الاختبار حينما فشلت أجهزة المخابرات العالمية، وعاد البشير بطلاً بينما ظهرت محكمة لأهاي كنمر من ورق، فخرجت من هذه المعركة ضعيفة النفوذ، مكفهرة الوجه، تحمل أوراقاً متناثرة، وحالها يعبر عن الضعف والتوهان، ضعف في الآليات وتوهان في الأجندة. خسرت جنوب أفريقيا شيئاً من سمعتها ونجحت المحكمة في تشويه صورة نفسها. علم العالم كله أن جنوب إفريقيا تدعو ضيوفها وتخدش مشاعرهم وبني هذه وتلك غابت وستغيب الثقة التي بناها زعيم أفريقيا العظيم نيلسون مانديلا الذي استقبلته الخرطوم كالعريس في القوت الذي رفضته كل العواصم، بما في ذلك الأفريقية فكان مانديلا يتجول بالجواز السوداني وكل ذلك دعماً من السودان لحركات التحرر في القارة الأفريقية. بعد هذه الخطوة المحرجة لا تستطيع أي دولة حريصة للمحافظة علي سمعتها أن تدخل في كابينة هذه المحكمة. وبعد هذه الخطوة أصبح الوقت مناسباً لأن يجتمع كل شرفاء العالم علي معاداة ومقاطعة مثل هذه المنابر المشوهة للعدالة..! وبعد هذه الخطوة سيعيد التاريخ نفسه وستعود ذاكرة الشعوب الأفريقية لتنبت فكراً ووحدة. فكر ليس بالضرورة أن يتطور لنظريات حكم وأجهزة تنسيق، ووحدة لا كالأتي يحلم بها حزب التحرير، إنما فكر ينطلق من تنمية الذات، ووحدة شقفها توحيد الأشواق والوجدان. الحكاية عبر عنها الشعب السوداني بشرف وقاتل من أجلها العظماء بتعصب، فلم يقبل أصلاء (بضم ففتح) بلادي وأقصد (أصلاء) لم يقبلوا بمحاكمة أي سوداني خارج نطاق البلاد أياً كانت جريمته ومهما كانت وظيفته، فالأصل عندهم أن تنتصر الوطنية، وأن تبقي البلاد قوية بإرادتها، شاهقة برمز عزتها. وقبل ذلك كله يعتقد شعبي اعتقاداً جازماً بأن محاكمة الحاكم تتم في الدنيا بواسطة قضاء إسلامي مؤهل ومحترم، وتلاحقه أفعاله في الآخرة، فيتعرض المسلم إلي محاكمة لا كالتي يصورها فقهاء قوانين لاهاي الذين شرعوا السجن لمئات السنين مع أن عمر الإنسان محدود، ب محاكمة يتعرض فيها العبد للعذاب بالنار التي توقد بالناس والحجارة. أيها الكفار.. لدينا نار جهنم وبها واد يسمي الويل، ولدينا نار تسمي صقر، وفيهن من الجحيم والعقاب ما لم يخطر ببالكم وما لم تسعه كلماتكم ورؤاكم وما لم تتفكر فيه عقولكم، وهذا ما نخشاه ويخشاه المسلمون جميعاً وفي مقدمتهم الرئيس البشير. وأخيراً .. ما الذي كسبته جنوب أفريقيا من هذه الخطوة.. وهل عبر قضاؤها بإمعان حكم مسؤولية بلاده حينما أصدر مذكرته بحق البشير.. نقلا عن صحيفة الصيحة 16/6/2015م