تبدي القاهرةوالرياض حرصا كبيرا على الحفاظ على صورة العلاقات الاستراتيجية بينهما في وسائل الإعلام خالية من المشاكل أو الخلاقات. وتجتهد وزارتا الخارحية بشكل خاص في هذا الإطار، سواء بعقد ندوات أو ورشات عمل أو بالتواصل المباشر مع الإعلاميين. ومثال ذلك ان معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية السعودية نظم مؤخرا ورشة العمل الأولى بعنوان «العلاقات السعودية المصرية» واستمرت يومين في فندق الإنتركونتننتال الفخم في الرياض بحضور 220 مسؤولا وخبيرا سعوديا ومصريا شهدت جلسات عمل متخصصة. وحرص مدير المعهد الدكتور عبدالكريم حمود الدخيل على إبداء حفاوة كبيرة بالمشاركين، وخاصة السفير المصري لدى السعودية عفيفي عبد الوهاب الذي أعرب عن أمله في ان تخرج الورشة بتوصيات تساعد في تعزيز العلاقات بين البلدين والدول العربية. وأكد عضو معهد الدراسات الدبلوماسية في وزارة الخارجية السعودية الدكتور صالح عبدالله الراجحي «أن وقوف المملكة بجانب مصر يدل على اللحمة والثبات بين البلدين ورداً واضحاً على من يحاول إفشال العلاقة بينهما». ولفت النظر إلى الأهمية الاستراتيجية والشراكة المهمة بين البلدين التي تطورت بشكل كبير في الآونة الأخيرة» حيث تجاوزت العلاقة التجارية بين المملكة ومصر 71 مليارا في العام الماضي. وأكد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في أكثر من مناسبة «أن موقف المملكة تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغير» . وقال وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل بن زيد الطريفي عقب جلسة لمجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز مؤخرا» أن الملك سلمان على دراية كاملة بكل ما يتعلق بملف العلاقات المصرية السعودية حيث شارك في المقاومة الشعبية في بورسعيد عام 1956 أي أنه على المستوى الشخصي له علاقات مع الشعب المصري». وأضاف «أن الإخوان والقوى الموالية للغرب وأمريكا تهدف إلى التشكيك في مسار العلاقات المصرية السعودية». ويبدو ان هذا ما استقر عليه البلدان في تبرير ما ينتج عن توتر مكتوم وبرود في العلاقات الدبلوماسية أو اتهامات إعلامية بين حين وآخر. وحسب مصدر دبلوماسي مصري تحدث إلى «القدس العربي» بشرط عدم نشر اسمه فانه لا يوجد تناقض بين حقيقة الأهمية الاستراتيجية للعلاقات المصرية السعودية، ووجود مشاكل أو خلافات سياسية لا يمكن انكارها. وأكد المصدر وجود «تحفظات مصرية على السياسات السعودية في سوريا واليمن يمكن تلخيصها في انها تدفع إلى تمكين الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة والإخوان والقاعدة من ملء الفراغ السياسي والأمني الهائل، ما سيؤدي إلى نتائج عكسية على الأمن القومي العربي على المدى القريب والمتوسط». وشدد على ان «ان مصر ليست وحيدة في تبني تلك التحفظات، بل تتشارك فيها مع دول عربية وخليجية عديدة مثل الإمارات». واستطرد ان «مصر ليست مؤيدة أو داعمة للنظام السوري، وتعتبر ان بقاءه أو رحيله أمر يخص الشعب السوري المحق تماما في المطالبة بالحرية والاصلاح السياسي، لكننا نعتبر ان التغيير يجب ان يحدث عبر حل سياسي للأزمة هناك، خاصة بعد عجز كافة الأطراف عن الحسم العسكري طوال اربعة أعوام شهدت تدميرا واسعا وانهارا من الدماء». وبالنسبة إلى الحديث عن انزعاج سعودي من استضافة الاجتماع الأخير للمعارضة السورية في القاهرة، قال»أهدافنا في سوريا لم تتغير وهي الحفاظ على الوحدة الوطنية والترابية السورية، لما تمثله من مصلحة استراتيجية مصرية وعربية، وثانيا التوصل إلى وقف شامل للمواجهات العسكرية واعتماد الحوار كوسيلة للتوصل إلى حل سياسي، وقد أصرت مصر على استضافة اجتماع موسع للمعارضة السورية ضم شخصيات وأحزابا كثيرة معروفة بوطنيتها، وهو ما أزعج الحكومة السورية وآخرين، لكن الرسالة كانت واضحة وهي ضرورة ان تعكس المعارضة الحالة التعددية في سوريا، بدلا من ان يتم صبغ المعارضة بايديولوجية معينة». وأكد المصدر «ان القاهرة لا تستبعد سقوط النظام السوري في النهاية» لكنها تعتبر «ان ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى توقف المعارك وإعادة الاستقرار، ومن هنا يجب البحث عن استراتيجية شاملة لانقاذ البلاد، بدلا من التركيز فقط على إسقاط النظام بأي ثمن، وهو ما يفعله البعض في الخليج». وبالنسبة إلى العلاقة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقيادة الجديدة في السعودية، قال «الدعم الذي تقدمه القيادة السعودية ليس موجها إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي بل الى مصر، وهو لم يختلف بعد وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، اذ انه يهدف إلى حماية الأمن العربي كله وليس أمن مصر وحدها، واذا لاحظ البعض حدوث تغييرات شكلية، فان هذا الأمر يجب ان ينظر إليه في إطاره الطبيعي، وهو حدوث تطورات في عدد من السياسات السعودية، وبينها شن «عاصفة الحزم»، وان الرياض لم تعد تعتبر تحقيق مصالحة مصرية قطرية ضروريا لتشكيل تحالف عربي في مواجهة إيران، وفي الوقت نفسه يجب إلا تكون هناك مبالغة في تقدير مدى تلك التغييرات، وخاصة بالنسبة للموقف السعودي من الإخوان». وحول ما إذا كانت السعودية أصبحت منفتحة على العلاقات مع «الإخوان» قال: الموقف السعودي ما زال قائما على الأمر الملكي الذي صدر في شباط/فبراير من العام 2014، والذي تضمن تجريم الانتماء للتيارات أو الجماعات وما في حكمها سواء كانت دينية أو فكرية متطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت. ويحدد قائمة للجماعات الإرهابية، تضم تنظيم «الدولة» والنصرة والإخوان المسلمون وحزب الله السعودي والحوثيين، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق.» وبالنسبة إلى تسريبات صحافية أشارت مؤخرا إلى عدم ارتياح سعودي تجاه أحكام الإعدام الأخيرة بشأن قيادات «الإخوان» وقال» لم نتبلغ أي رسالة بهذا الشأن، والحكومة المصرية لا تتعامل مع مقالات أو آراء شخصية تنشر هنا وهناك، انما مع المواقف الرسمية، والاعتبارات الاستراتيجية، وتتوقع ان يتم احترام الموقف الرسمي والقانوني السعودي في هذا الشأن، خاصة ان الأمر الملكي قد جرم مجرد التأييد الفكري للجماعات الإرهابية». وخلص إلى القول ان «الذين يروجون لحدوث تغيير في الموقف السعودي عليهم ان يتذكروا الثوابت القانونية والاستراتيجية التي بني عليها، وما زالت قائمة حتى هذه اللحظة، إذ ان دول الخليج وليس السعودية وحدها تدرك جيدا ان عودة «الإخوان» في مصر ستؤدي إلى انتشار واسع للجماعة في الاقليم، وتصعيد ما تشكله من تهديد للجميع وخاصة في الخليج، وبالتالي فان ما تفعله مصر يهدف إلى الحفاظ على الأمن القومي العربي أولا» . وبالنسبة إلى «عاصفة الحزم» والموقف المصري الملتبس منها، خاصة في ظل انتقادات بعض الإعلاميين المصريين لها، ووصفها ب»عدوان سعودي» وكذلك خروج مظاهرة في القاهرة منددة بالسياسة السعودية في اليمن، تضمنت هتافات ضد الملك سلمان، قال المصدر: «بعض الإعلاميين يسعون إلى فرقعات وزيادة نسب المشاهدة، ولا يتورعون في سبيل تحقيق ذلك عن توجيه الانتقادات إلى الرئيس السيسي نفسه، وبالتالي فان ما يقولونه لايعبر إلا عن وجهات نظرهم». وأضاف «أما بالنسبة إلى الموقف الرسمي المصري فيبقى أننا نقف مع السعودية لكننا في الوقت نفسه نقف مع الشعب اليمني ونؤيد حلا سياسيا سلميا للنزاع». لكن المصدر يقر بوجود تحفظات مصرية عميقة تجاه السياسة السعودية في هذا الملف قائلا « كانت مصر، بما تملكه من خبرة عسكرية تاريخية في اليمن، غير متحمسة منذ البداية لشن حرب جوية، ونبهت إلى ان القصف وحده لا يمكن ان يحقق حسما عسكريا، لكن سيؤدي إلى كارثة إنسانية، وكانت ترى ضرورة إعطاء فرصة أكبر للجهود الدبوماسية، باعتبار ان الحل هناك لا يمكن ان يكون إلا سياسيا وقد اثبتت الأحداث خلال الشهور الماضية صواب الرؤية المصرية». المصدر: القدس العربي 21/6/2015م