اتجهت أنظار العالم أمس الإثنين إلى العاصمة الدوحة التي توافد عليها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قبل أن يصلها وزراء الخارجية الأمريكي جون كيري والروسي سيرغي لافروف اللذان اجتمعا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في سعيه لوضع خارطة خلاص من المأزق العربي الكبير، والوزيران في طريقهما إلى اجتماع موسع مع وزراء الخارجية الخليجيين وفيهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي يمثل الدبلوماسية والاتجاه السياسي للمملكة العربية السعودية، في مسعى للخروج بصيغ توافقية تجاه أبرز القضايا التي باتت تؤرق صناع القرار في العالم العربي والدول الكبرى. الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى سيكون حاضرا في المباحثات والنقاشات التي ستجري خلال اجتماع الإثنين، ولعل هذا هو المفتاح لوضع تصور شامل للخروج من المآزق التي تعيشها منطقتنا العربية خصوصا الأزمة السورية التي باتت كالأفعى متعددة الرؤوس، والأزمة اليمنية التي لا يزال الحوثيون يكابرون بعنادهم رغم نجاح القوة الجوية للتحالف العربي بتدمير البنية الأساسية لقوات الحوثي وحليفه علي عبدالله صالح، ومن هنا يمكن توقع وضع إطار لصيغة توافقية من الممكن الوصول خلالها إلى الإمساك بخيوط الحل في ظل توفر الإرادة الخليجية لإعادة الاستقرار للمنطقة وتحفيز الدولتين العظميين الولاياتالمتحدةوروسيا لرمي ثقليهما لوقف هذا الانهيار الكبير. إن مجرد عقد وزراء خارجية الدول الخليجية لاجتماعاتهم والتأكيد على متانة الوحدة الخليجية أمام التحديات الماثلة أمامهم، لهو المفتاح لمرحلة جديدة من الاستقلالية السياسية والشعور بالقيمة العظيمة لأن تكون حكوماتنا مستقلة وذات سيادة في رؤاها وقراراتها، ولهذا جاء الوزيران كيري ولافروف وهما الخصمان اللدودان إلى الدوحة للبحث عن مفاتيح الحل، فإن كانت روسيا تمتلك الأقفال في سوريا فإن الولاياتالمتحدة قد أضاعت المفتاح"الماستر" الذي كانت تمتلكه في فترات الحكم القوي للرؤساء السابقين. إن الأزمة الكارثية التي تعيشها سوريا قد انعكست على العالم العربي بأسوأ الصور، وإن طالت هذه الأزمة دون حل شامل فلن تبق دولنا العربية مستقرة كما هي عليه اليوم، ذلك إن المزيد من القتل والتدمير والتهجير والصراع العام الذي تمارسه سلطات النظام السوري وحلفاؤها من المليشيات والمرتزقة الدوليين من جهة، وقوات التنظيمات المتفرقة كداعش والفرق الناشئة، لن تكون نتيجته مبشرة بخير ولن يكون الحل بأي شكل من الأشكال، فالقتل يجترّ القتل والدماء تغسل بالدماء، وستتوالى مجموعات الهجرة إلى أرض القتال و"الجهاد" والدفاع وكل أشكال وأسماء الاقتتال المرعبة، التي بات وقودها الشباب الذين تستقطبهم دعوات الجهاد المقدس من الطائفتين السنية والشيعية على أرض سوريا، ودون أي طائل. لهذا على الدبلوماسية الخليجية أن تكون أكثر صرامة وأقل مجاملة فيما يتعلق بالحل في سوريا واليمن، فليس من المنطق أن يبقى الحوار مع الجانب الروسي كالحوار مع وسيط تجاري يضع شروط الثمن قبل وضع خطة الخلاص، فروسيا واحدة من أهم مقومات بقاء نظام الأسد، وهي تستخدم الأزمة الروسية في لعبتها الكبرى مع الولاياتالمتحدة وحلفائها في أوروبا، فيما الولاياتالمتحدة ممثلة بسياسة الرئيس باراك أوباما، الذي يجيد الخطابة أكثر مما يجيد العمل، تريد تغيير قواعد اللعبة السياسية لصالح خدمة مصالحها في الشرق الأوسط بعيدا عن أي حل عسكري، وقد وجدت في إيران بديلا عن العالم العربي وكأنها تقول: أن أتعامل مع حليف جديد وقوي يعرف ماذا يريد خير من أبقى أتعامل مع عدة دول عربية لا تستقر علاقاتها لأكثر من عام، وتعتمد على واشنطن في كل شيء تريده. لهذا وبناء على ملامح المستقبل القادم بسرعة، فإن إيران التي أثبتت أن دعمها لنظام الأسد وسيطرتها على السيادة العراقية وتحريك القوى في اليمن والاعتماد على دعوات وتصريحات الزعماء الدينيين من المذهب الشيعي الذين لا يمثلون السياسة الرسمية الإيرانية تماما، كل هذا قد أثبت أن إيران هي الرابح الوحيد في المنطقة، وقد صبرت وثابرت واستغلت كل الفرص في كل مكان للوصول إلى مرحلة أخذت فيها نفسا عميقا، مقابل دول عربية باتت تحبس أنفاسها وتضيَّق صدورها، بعدما فوتت على بلادنا فرصة الخلاص من هذا الوضع البائس الذي نعيشه. اجتماعات الدوحة فرصة مهمة لإثبات الإرادة العربية الخليجية بقوة وحزم، وإظهار الوحدة والتوافق في النوايا والقرارات تجاه ما يهدد خليجنا العربي سواء في اليمن أو العراق أو سوريا أو البؤر الساخنة الخامدة في بعض مناطق الخليج، ممن يمكن تحريكها من قبل دول أو تنظيمات إرهابية، وعلى الوزير لافروف أن يسمع كلاما جافا يحمله المسؤولية في بقاء الوضع الدموي بسوريا، وقتل المدنيين والأطفال وتشريد البشر من قبل النظام وأعوانه، وكذلك الوزير كيري الذي تلعب إدارته لعبة الكرّ والفرّ مع تنظيم داعش ما سمح له بالتمدد ومطاردة الإدارة الأمريكية بالاتهامات أنها تدعمه بطريقة غير مباشرة. الوضع العالق في العالم العربي يحتاج إلى ضربة قاضية مهما كان ثمنها، لا إلى "لعبة شطرنج" كل حركة تحتاج إلى تفكير طويل الأمد، فالدماء التي تسيل والقتل والتشريد هي دماء عربية والدمار هو في بلادنا والفاتورة نحن من سيدفع ثمنها، ولهذا يجب أن يكون الكلام للحل لا للإطراب. المصدر: الشرق القطرية 4/8/2015م