كيفما كان اتفاق الحكومة السودانية المنتخبة مع المتمرد الدارفوري د. خليل ابراهيم بشأن مفاوضات الطرفين الهادفة لإنهاء الأزمة في دارفور، فإن السؤال الذي يظل يطرح نفسه هنا – وبقوة – هل هنالك أثر فاعل ومباشر، أو فائدة سياسية يجنيها د. خليل فيما اذا كانت الدوحة هي التي تسضيف المفاوضات أم القاهرة؟ الواقع، وفي حالات أخرى ربما كان عامل الدولة المضيفة، أو الوسطة له أثره لصالح طرف أو لصالح الطرفين أو أن الأمر مجرد لا أثر فيه للدولة المضية بقدرما أن الأثر لطبيعة الرؤى السياسية التي تطرح للتفاوض والأوراق التي يملكها هذا المفاوض أو ذاك. أما في حالة حركة الدكتور خليل، فإن من الصعب القول ان للعواصم أثرها في منحه ما يشتهي أو منعه من حق من حقوقه، فقد اتهم د. خليل الدوحة بأنها (مجاملة) للخرطوم، وكان من المهم هنا ملاحظة أنه قال (مجاملة) ولم يقل (منحازة أو متواطئة أو مساندة للخرطوم)، واتهام خليل للدوحة بالمجاملة – بحسب تصريحاته – هو الذي دفعه لأن يهرع الى القاهرة بحثاً عن موقف مصري داعم له. وكان أكبر دليل على أن لا الدوحة ولا القاهرة يمكنها احداث أثر سلبي أو ايجابي على حركة خليل أن خليل نفسه اعترف وأقر صراحة أنه لا يسعى لاستبدال الدوحةبالقاهرة! وكان من الضروري أن يقول ذلك حتى ولو لم يكن على قناعة بما قال لأنه اذا لم يقل ذلك، وسعى لابدال الدوحةبالقاهرة فإن معنى ذلك أنه يثير أزمة بين الدوحةوالقاهرة ستكون احدى تفاعلاتها أن المفاوضات ستبقى معلّقة بينما الأوضاع في السودان تمضي باتجاه آخر، ويدرك خليل – وهذه احدى اخطائه القاتلة – أنه لو لم يتحرك في هذه الأيام بالذات وبسرعة البرق، فإنه سوف يخسر كثيراً حين تتجه الانظار تلقاء استفتاء الجنوب السوداني ويوضع ملف دارفور في ركن من أركان الاهتمام العام لحين انجلاء الموقف بشأن الجنوب وعلى ذلك فإن قيام المفاوضات في الدوحة أو في القاهرة لا يفيد خليل بشئ وربما أراد خليل فقط – بشئ من المناورة التي لم تكن موفقة كلية – أن يمارس ضغطاً على الخرطوم عن طريق القاهرة، بحكم أن القاهرة هذه الأيام متوجسة مما يجري في المحابس العليا للنيل، وفيما يجري في الجنوب السوداني من احتمال الانفصال فكانما خليل يود استثمار الجهد المصري الهادف لمنع انفصال الجنوب في مقابل تقديم الخرطوم لتنازلات تشمل فيما تشمل تنازلات لصالح خليل. غير أن د. خليل يبدو بموقف ضعيف الآن، كونه لم يعد بالقوة العسكرية السابقة حين كان الدعم يأتيه رغداً من أنجمينا وحين كانت قوى دولية عديدة (ترزقه بغير حساب) وضعف قواه العسكرية على الارض بالطبع يقلل من وزنه السياسي ومن ثم أوراقه على مائدة التفاوض. أما أكثر ما يضعف خليل فهو أنه يفاوض (حكومة منتخبة) اعترف بها أو لم يعترف فقد اعترف بها على أية حال المجتمع الدولي، وهذا سيجعل مقدار التنازلات التي تقدمها له ضئيل، كما أن اقتسام السلطة والثروة لن يكون بذات البريق السابق. ان أزمة خليل في الحقيقة أزمة وزن سياسي وعسكري يمضي في تناقص وأزمة غياب اطروحات جادة بل وحتى أزمة على مستوى الاقليم كون حركته تبع لاثنية محددة، واتجاه سياسي محدد في ظل وجود اثنيات أخرى أكبر منه. لهذا كله فإن الدوحة أو القاهرة ليس بمقدور واحدة من العاصمتين إلباس خليل ثوباً لا يستحقه أو لم يحصل عليه بجهده الخاص.