فريق أول ركن/ حسن يحيي محمد أحمد مياه الأنهار المشتركة ليست ملكاً لدول المنبع وحدها وإنما هي ملك أيضاً لدول المجرى والمصب، فهي ثروات مشتركة لكل الدول المشاطئة للنهر وتنظمها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تحت رعاية الأممالمتحدة من أجل الحفاظ على الأمن والسلم والوليين مياه نهر النيل معظمها يأتي من الهضبة الإثيوبية عن طريق النيل الأزرق وتبلغ نسبتها 86% بينما يغذي النيل الأبيض نهر النيل بنسبة 14%. إثيوبيا دولة منبع، ومن حقها الاستفادة من مياه نهر النيل بنص القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تنظمها حقوق الدول في الأنهار المشتركة. فكرة إنشاء سد النهضة بدأت في العام 1964، وما إن شرعت إثيوبيا في إنشاء السد في أبريل 2011م بادرت مصر بمعارضتها لعملية إنشاء السد خوفاً من أن يؤثر السد في حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل حساسية مصر نحو مياه النيل التي تعدها أمن قومي لها قادتها إلى معارضة شرسة لإنشاء السد حتى بلغت مرحلة المواجهة العسكرية التي هددت بها مصر، فردت إثيوبيا على ذلك باستعدادها لتلك المواجهة العسكرية. السودان شريك أصيل في مياه نهر النيل وليس وسيطاً ومن منطلق مسؤوليته التي تمليها عليه هذه الشراكة لعب دوراً محورياً في تحويل المواجهة العسكرية بين مصر وإثيوبيا إلى شراكة استراتيجية بين الدول الثلاث عبر وثيقة اتفاق جديدة تم توقيعها في الخرطوم مؤخراً. تضمنت وثيقة الخرطوم الجديدة اتفاق الأطراف الثلاثة على الشركات التي ستقوم بالدراسات الخاصة بتقييم فوائد وأضرار السد وتأثيرها على الدول الثلاث، وتم هنا اختيار شركتين فرنسيتين للقيام بهذه الدراسة التي ستبدأ في الأسبوع الأول من فبراير القادم بعد توقيع العقود مباشرة، على أن تكتمل الدراسة في مدة أقصاها عام كامل. تم الاتفاق كذلك على إجراءات بناء الثقة عن طريق اجتماعات متقاربة كما تم أيضاً الالتزام بإعلان المبادئ الموقع بواسطة الرؤساء في مارس الماضي بالخرطوم تم كذلك الالتزام بعدم الضرر لأي دولة الذي تضمنه إعلان المبادئ، وهذا يعني أن سد النهضة سيتحول إلى حصاد مياه لصالح الدول الثلاث إذا ما صدقت النوايا، تم الاتفاق أيضاً على أن يتم السد بطريقة آمنة وسليمة، وأن يتم التشغيل بطريقة آمنة وسليمة لا تؤثر بشكل جدي على مصالح الدول الثلاث، أما مسألة ملء السد وتشغيله فقد تركت للدراسات. وجه وزير الخارجية الإثيوبي الدعوة لرصفائه الوزراء وللبرلمانيين وللدبلوماسيين وأجهزة الإعلام المختلفة لزيارة موقع السد للتأكد من أن فوائده تخدم الجميع ولبناء الثقة وإزالة المخاوف وتعزيز روح التعاون. الجدير بالذكر أن الإنشاءات بسد النهضة قد اكتملت بنسبة 55% وأن السعة التخزينية لبحيرة السد تبلغ 74 مليار متر مكعب من المياه كما تمت إعادة مجرى النهر لمساره الطبيعي سد النهضة الآن أصبح جاهزاً لاستقبال الفيضان القادم، سد النهة أصبح أمراً واقعاً، وعلى مصر أن تتعايش مع هذه الواقع وثيقة الخرطوم الجديدة لعبت دوراً كبيراً في طمأنة مصر على أن مصالحها في مياه نهر النيل مرعية ومحفوظة. مصر بثقلها السياسي كان ينبغي عليها أن تلعب دوراً كبيراً في أن يكون سد النهضة نموذجاً ورمزاً للتعاون العربي الأفريقي المشترك تتكمامل فيه جهود الصناديق العربية مع صندوق التنمية الأفريقي، ولكن يبدو أن حساسية مصر المفرطة نحو مياه نهر النيل قد حالت دون ذلك. خلاصة القول: لا شك ان هذا الاتفاق التاريخي سيحظى بترحيب ودعم دولي وإقليمي، نهر النيل يمثل شريان حياة للدول الثلاث، ورابطاً قوياً بينها يحفظ أمنها القومي والإقليمي، ويحتم ذلك التعاون المشترك بينها لتطوير مياه نهر النيل عن طريق الشراكة الذكية التي تحقق المصالح المشتركة لشعوب المنطقة. الدبلوماسية السودانية الذكية حولت أزمة سد النهضة إلى شراكة استراتيجية، أزمة سد النهضة برهنت على أهمية الحلول السياسية ودور الدبلوماسية الذكية في معالجة القضايا المشتركة بين الدول من أجل الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي. ختاماً: المطلوب من إعلام الدول الثلاث خاصة الإعلام المصري أن يدعم إعلان المبادئ الذي وقعه الرؤساء بالخرطوم الذي تم على ضوئه توقيع وثيقة الاتفاق الأخيرة، وبالله التوفيق.